اللغة بالنسبة لكلِّ أمَّة هي أداة تَواصُل، وطريقة تفكير، ورمزُ عزَّةٍ، أمَّا العربيَّة فهي بالنسبة للعرب كلُّ هذا، وتَزِيد عليه أنها لغةُ دينٍ وكتابٍ مُوحًى، وهي لغة عِبادات وشعائر، فهي لغةٌ مُقدَّسَة، مأجورٌ مَن يتعلَّمها، مُثابٌ مَن يَعلمها، ثم هي لغةٌ محفوظةٌ بحفظ الله للكتاب الذي نزل بها.
أهمية اللغة العربية
وتحتَلُّ العربيَّة المركز السادس بالنسبة لعدد المتكلِّمين بها[1]، وهي اللغة الوحيدة التي دامَتْ أكثر مِن خمسة عشر قرنًا مِن الزمان، فكلُّ اللغات القديمة قد انقرَضَتْ إلا هي، واللغة العربيَّة قد تجمَّع فيها مِن الميزات والخصائص ما لم يُوجَد مُجتَمِعًا في لغةٍ غيرها، ومع كلِّ هذه الخصائص والميزات.
إلا أنَّ كثيرًا مِن أهلها جهِلُوا مكانتَها وقيمتَها، ورمَوْها بالتُّهَم الباطِلَة بأقوالهم، وبالتصرُّفات المشينة التي تُسِيء إلى لُغتهم، ولم يُقَدِّر أكثرُ العرب قيمة لغتهم ومكانتها، ولم يحفَظُوها ويراعوا حقَّها عليهم، وإلا لكان مِن الواجب عليهم تعلُّمها وتعليمها، والالتِزام بقواعدها، فهي خيرٌ وعزَّ لهم في الدنيا، وأجرٌ وثواب عظيم لهم يوم القيامة، فكم عَزَّ أقوامٌ بعزِّ لغات!
ووَجَب على كلِّ غَيُورٍ على أمَّته، محبٍّ لدينه، أن يعملَ على إحياء اللغة العربية في المنتديات والتجمُّعات الثقافية والعلميَّة، ودُور العبادة، وقاعات الدرس، وأن يُذكِّر بفضلها ومكانتها وأهميَّتها لنا المسلِمين من جهة، فهي من الدِّين، ولنا العرب من جهة أخرى[2].
ما ذُكر في القرآن الكريم عن اللغة العربية
وعندما نتأمل عناية القرآن الكريم باللغة العربية نجد عدة آيات تنص على نزول القرآن عربيًّا، وهو شرفٌ أي شرفٍ لهذه اللغة، أن تكون اللغة التي اصطفاها الله عز وجل لمخاطبة عبادة، منها قوله تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْـمُبِينِ * إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: ١-٢]، وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه: 113].
وقوله تعالى: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} [الأحقاف: 12]، وغيرها من الآيات الدالة على عظم وشرف اللغة العربية.
ويقول الإمام الشافعي رحمه الله [3] في معرض حديثه عن الابتداع في الدين وتحريم المنطق: ما جهل الناس، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان أرسطوطاليس [4].
وقال ابن تيميّة رحمه الله [5]: «فإنّ اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميّزون»[6].
وقال أيضًا: «وما زال السلف يكرهون تغييرَ شعائرِ العربِ حتى في المعاملات وهو التكلّم بغير العربية إلاّ لحاجة». ونصّ على ذلك مالك والشافعي وأحمد، بل قال مالك: «مَنْ تكلّم في مسجدنا بغير العربية أُخرِجَ منه» مع أنّ سائر الألسن يجوز النطق بها لأصحابها، لكن سوَّغوها للحاجة، وكرهوها لغير الحاجة، ولحفظ شعائر الإسلام؟[7].
وقال أيضًا: واعلم أنّ اعتياد اللغة يؤثر في العقلِ والخلقِ والدينِ تأثيرًا قويًّا بيّنًا، ويؤثر أيضًا في مشابهةِ صدرِ هذه الأمّةِ من الصحابةِ والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقلَ والدينَ والخلقَ، وأيضًا فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ، فإنّ فهم الكتاب والسنّة فرضٌ، ولا يُفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يكون الواجب إلا به فهو واجب؟[8].
وقال أيضًا: معلوم أن تعلم العربية وتعليم العربية فرضٌ على الكفاية[9].
والحقيقة أن علوم اللغة متشعبةٌ، فقد قسمها العلماء إلى فنون كثيرة أوصلها بعضهم إلى اثني عشر فنًا، وبعضهم قال ثمانية عشر فنًا، وقيل غير ذلك، وأنا بعد استقراء واستقصاء جعلت العربية ستة علوم يندرج تحتها باقي فنون العربية، والله أعلم.
اقرأ أيضاً اللغة العربية الفصحى وخطر هجرها على الأجيال
علوم اللغة العربية
- علم فقه اللغة.
- علم الأصوات.
- علم الصـرف.
- علم النحو.
- 5.علم البلاغة.
- علم العروض.
فما من علمٍ أو فنٍ من فنون العربية إلا مندرج تحت فرع من تلك الفروع، فمثلًا علم اللغة وخصائصها وفقهها ومقارنتها باللغات السامية والشرقية وعلما المعجم والدلالة والوجوه والأشباه والنظائر وكتب الأضداد وتقويم اللسان وكتب المذكر والمؤنث وكتب الضاد والظاء وأشباهه كله يندرج تحت فقه اللغة.
وكذا علم المعاني والبيان والبديع وتاريخ الأدب والنقد الأدبي وكتب الأدب وكتب الأمثال والحكم وكتب المقامات وكتب الإنشاء والخطابة وأشباهه كله يندرج تحت البلاغة وهكذا.
فدراسة اللغة العربية بحر لا ساحل له، فكلما ارتشفت منه لم تشبع وتحتاج المزيد، وكنت قد استعنت بالله من مدة في كتابة (مدخل إلى علوم اللغة العربية) لتكون عونًا لطالب العربية ومفتاحًا لدراسته، أسأل الله أن يمن علينا بالتوفيق والوقت لإنهائه والله المستعان.
أما في تقديمي لسلسلة تقريب المتون والجمع بين المتشابهات فلم أتعمق كثيرًا في تلك السلسلة، فهي تُوصف بالتيسير وتقريب طالب العلم، وسأكتفي بذكر أربعة علوم فقط دون ذكر منهجية مفصلة لدراسة العربية، فقد أفرغت لها مجلدًا خاصًا بها سيخرج إلى النور قريبًا إن شاء الله.
وما اكتفيت به داخل سلسلة تقريب المتون هو اللغة المعجمية والصرف والنحو والبلاغة.
اقرأ أيضاً ما هي القواميس اللغوية وهل يوجد قاموس إنجليزي عربي؟
مرتبة اللغة العربية بين لغات العالم
[1] تذكر بعض المواقع المعنية بعلم اللغات أن اللغة العربية تحتل المرتبةالرابعة بالنسبة لعدد المتكلمين بها، فعدد المتحدثين بها يبلغ 500 مليون شخص.
وهذا يجعلها في المرتبة الرابعة بعد الصينية ثم الإنجليزية ثم الهندية، وهذا بدخول جميع اللهجات المتحدث بها كل لغة، وبحساب عدد المتحدثين، أما بالنسبة لعدد الدول فتأتي العربية في المرتبة الثانية بعدد (60) ستين دولة يتحدث أهلها بالعربية بعد الإنجليزية من (101) دولة.
أما بالنسبة لعدد المتعبدين بها فتحتل المرتبة الأولى بفارق كبير جدًّا عن أي لغة، فيبلغ عدد المسلمين أكثر من مليارين -ويزيد بفضل الله-، فلا تصح بعض العبادات إلا باللغة العربية والفصيحة كتلاوة القرآن والصلاة وأذكار الحج وغيرها.
المصادر
- [2] بتصرف من مقال بعنوان (فضائل وميزات لغة القرآن) لحسن محمد فؤاد، منشور في موقع الألوكة 5/7/1431هـ – 17/6/2010م، راجع المقال فهو في غاية الروعة.
- [3] محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله، الإمام الشهير، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه نسبة الشافعية كافة، (ت 204هـ).
- [4] ذكره السيوطي في كتابه (صون المنطق والكلام عن فني المنطق والكلام صـ 48)، ت د.علي سامي النشار وسعاد علي عبد الرازق، مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية.
- [5] أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام النميري الحراني الدمشقيّ الحنبلي، أبو العباس، تقي الدين ابن تيمية، شيخ الإسلام ناصر السنة وقامع البدعة، أشهر شيوخ زمانه، وصاحب التصانيف المشهورة (ت 728 هـ).
- [6] اقتضاء الصراط المستقيم ص 519.
- [7] مجموع الفتاوى 32/ 255.
- [8] اقتضاء الصراط المستقيم ص 527.
- [9] مجموع الفتاوى 32/ 252.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.