أن تجلس لتكتب شيئاً يلزمك الكثير من الفوضى النظيفة وطقوس معتقة بصدقك، فليس هناك أصعب من أن تشهر ورقة في دفترك أو أن تفتح المفكرة في هاتفك المحمول دون أن تدون فيها حرفاً، الكتابة هي حالة تحدٍ عالية الإيقاع تقتحمك فجاءة بإزعاج وإلحاح فتستمتع بإزعاجها وتقبل التحدي فتبدأ الكتابة!
فهي طوفان يأخذنا إلى عمق اليم، يلزمك فيها صدق مبتل بالجنون الأنيق وزفرات مطرزة بإيمانك بما تكتب وعمّا تكتب!
إن الكتابة تدفق باذخ وسخيّ لأجمة الفؤاد، هي هشاشة الرّوح التي تصقل الحسّ الإبداعيّ، وتنعكس على الكلمات التي بمقدار هشاشتها تكون قوية كالصاعقة على من يستشفها بعين بصيرته لا بعين بصره..
فمن يمارس الكتابة يعبر عن هشاشته لا هشاشة الأشياء من حوله؛ لذلك هي أجمل وسيلة للبوح والتعبير عن مكنونات الأرواح والعقول..
وهي تنفيس عما بدواخلنا ورسم لواقع مُعاش أو حتى خيالي برقة، وعذوبة، بألوان، وريشة، وقاموس الكاتب، إن الكتابة يا أصدقاء هي بهجة النسيان الكبرى، ووجهك الذي لا تراه في المرآة، هي إنثيال المحبة، حياة وموت، وهي ما تُعطي للحياة معني وللموت ألف حياة!
لم تكن يوماً مجرّد حروف مترابطة بل هي حكمة أو نصيحة أو حتى معلومة مفيدة، ونحن نكتب من أجل إعطاء الآخرين شيئًا له معنى، هي كلمات من عمق ما تعلمناه من الحياة، نعم تعلمنا فيها الكثير من قرآننا الكريم، لكنها لم تكن كلمات بل قصص، وحكم، ومواعظ، من كلام الله سبحانه وتعالى، فلتكن كلماتنا أيضاً لها معنى ليفهم القارئ ما نقوله وما نكتبه، لطالما كانت الكتابة عطاء وكرم من الله تعالى لعباده وخصانا بها دون غيرنا من الناس فلنعطي غيرنا ما يُفيد.
أجمل ما فيها أنها علمت الإنسان كيف يُخرج فكرة من عالمه الخاصّ ويضعها في متناول العالم العام، فيمر الزمان ويختفي هو وتبقى الفكرة حيةً لآلاف السنين، فهي أقدم وسيلة عرفها الإنسان للانتقال عبر الزّمن، فقلب المرء يكتمل ويبقى حين يكتُب، وحدها أبواب الكتابة من تبقى في وجوهنا مُشرعة دون كل الأبواب الموصدة، إن الكتابة كالصور للاحتفاظ بالذكرى، والعودة لها وقت ما نَحِن لتلك اللحظات، والأحاسيس، والأوضاع، التي كنّا عليها حينما أقدمنا على الكتابة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.