الكتابة والتعليم في عهد قدماء المصريين

إذا توجهنا لزيارة معبد أبيدوس الكبير بمصر الوسطى، سنرى مشهدًا يظهر فيه الأمير رمسيس واقفًا إلى جوار والده الملك سيتى الأول، وبين يديه لفافة جزءٌ منها مفقود، هذا الأمير هو الذي أصبح فيما بعد رمسيس الثاني الأكبر. وعلى يمين الملك والأمير نَجِدُ سجلًّا يشغل الجدار به أسماء الفراعنة من عهد مينا موحد القطرين في تسلسل زمني حتى زمن سیتي، وهي مرحلة تغطي ما يقرب 1800 سنة.

قوة الكتابة وتأثيرها

والمشهد يدلنا على أشياء مهمة تتعلق بالتعليم في ذلك الوقت، وأول ما يتضح لنا التركيز على أن الأمير يمكنه قراءة الكلام المكتوب.

أما أبوه فجالس يسمع، لا عن جهل بالقراءة، لكن لأن العرف يقضي بأن تُقرأ الوثائق على الملك، واحتفال تلاوة المدائح في حق ملوك مصر السابقين هو إحدى الشعائر المهمة بمعبد أبيدوس الذي كان إلى حد ما معبدًا غير عادي، وقد أعدت القائمة في حياة الملك سيتي.

وروعي أن تتحمل عوادي الزمن؛ لذلك نحتت على الحجر، وأرفقت ببطاقات تحتوي نصوصًا وصفيةً سليمةً، ويكفي لكي يُكتب لهم الخلود أن تكون أسماؤهم قد كتبت بكلام الآلهة؛ أي بالهيروغليفية حسب عقيدتهم، وهكذا كانت قوة الكلمة المكتوبة لدى قدماء المصريين.

كل المدونات المصرية من عصر الدولة القديمة إن لم يكن قبلها تؤكد على قوة الكلمة المكتوبة في كل الحالات شخصيةً كانت أم دينيةً، فالاسم المكتوب يؤدي إلى خلود صاحبه، ومحوه يؤدي إلى إهماله.

هذا غير الرثاء الذي يسجل على جدران معابد الملوك، أو الذي يُكتب على بردية توضع في كفن الميت، كانت حسب اعتقادهم تضمن لصاحبها حياة سعيدة في دار البقاء.

وكان إعلان الملوك عن انتصاراتهم في المعارك، وإنجازاتهم في عالم السياسة يعد تقريرًا عن أعمالهم إذا نقش في معبده أو مقبرته، فمن أهم مزايا الكلمة المكتوبة عندهم أن لها قوة سحرية عجيبة، تدل على القوة الكامنة في الكلمة المدونة.

اقرأ أيضًا ماذا تعرف عن أسماء المراحل العمرية عند قدماء المصريين؟

بداية الرسم الهيروغليفي

أما عن النصوص التي بقيت من عهد الأسرتين الأولى والثانية فقد كانت بسيطة في مظهرها، فكانت الأواني والصناديق تسجل عليها محتوياتها من السلع، وربما تسجل معها كميتها، وكانت الأختام تستعمل للدلالة على صاحبها، سواء أكان الملك أم غيره.

وفي مثل هذه البطاقات تظهر بدايات الكتابة المصرية والرسم الهيروغليفي الذي انفردت به مصر، وكان من صنعها، والرسوم الهيروغليفية في الدولتين القديمة والوسطى كانت منفذة بدقة وبراعة، لكنها كانت ناقصة إلى حد ما.

فكانت تؤدي الأفكار البسيطة فقط، ثم تطورت الكتابة بعد ذلك بإضافة تطوير المعنى أو تخصيصه، هذا التطور ذاتيًا كان أم مقتبسًا بدأ من غرب آسيا، ولا نستطيع الجزم.

لكن ما يهمنا بصفة خاصة هو أنهم من بداية الكتابة الهيروغليفية كانوا يهدفون إلى تطويرها للتوصل إلى شكل متصل لها.

كان الرسم الهيروغليفي المتقن من أشق الأمور، فكل رمز في الأبجدية كان له شكل مميز، لكن في الكتابات المتقنة كان يدخل على الرمز بعض التفاصيل التي تجعله أقرب إلى الصورة الفنية.

أكثر أشكال الهيروغليفية إتقانًا كان يتميز بالشكل الزخرفي، ويستخدم في الكتابة الرسمية، ولم يقتصر الأمر على رسم الرموز بعناية في النصوص الجيدة، بل تجاوز ذلك إلى إكسابها شيئًا من الأناقة.

وكان التنسيق الأنيق واختيار الرمز المناسب وإضافة الرموز التي تفيد في فهم النص سمات أسلوب الكتابة الكامل المنسق، فالنصوص التذكارية الأثرية كانت تنفذ بشيء من الاختزال والاختصار، لكن مشكلة الاختزال والاختصار هي صعوبة التنفيذ ما لم يسهل فهمها.

وقد يصلح منها للنقوش التذكارية ما لا يصلح لغيرها، ورغم كل تعقيداته استمر هذا النمط الرسمي الصعب ليكون أساس كل الكتابات المصرية القديمة من بداية الأسرة الأولى حتى اقتبست الأبجدية اليونانية، وعدلت لاستخدامها في الكتابة المصرية في القرن الثالث الميلادي.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة