يمكن تعريف الكتابة بأنها نظام تواصل بين الناس عن طريق إشارات ذات معنى معين ومعترف به. ولا شك أن الوسيلة الأولى التي اخترعها الإنسان للتواصل مع غيره كانت الكلام والحركات الجسدية التعبيرية، وهاتان الوسيلتان تشتركان في خاصيتين: الأولى أنهما محدودتان زمنيًّا باستمرارية مؤقتة.
تعريف الكتابة
إن الإنسان بمجرد أن ينطق كلمة أو يخترع حركة تعبيرية، تختفي ولا يمكن استعادتها إلا بتكرارها مرة أخرى. ثانيًا، أنهما محدودتان من حيث الموقع؛ لأن الكلام والحركات التعبيرية لا يفهمها إلا الأشخاص الذين يعيشون في منطقة واحدة.
وبذلك فالحاجة ملحة إلى إدراك وسيلة لتبادل الأفكار والمشاعر التي لا يحدها زمان أو مكان، وقد أدت هذه الحاجة الملحة إلى خلق طريقتين للتواصل: الأولى كانت التواصل عن طريق الأشياء، والثانية هي التواصل عن طريق الإشارات المرسومة على الأشياء.
طرق التواصل بين الناس
أما الطريقة الأولى فقد استخدمها القدماء في جميع مجالات العلوم. وأبسط صورها وأكثرها شيوعًا هي طريقة حفظ الحسابات باستخدام عصا مستقيمة تنقش عليها خطوط أو دوائر حسب رقم الشيء المراد تسجيل أرقامه، كقطيع الماشية مثلًا. وكان بعض الناس يسجلون عدد ممتلكاتهم باستخدام قطع صغيرة من الحصى محفوظة في كيس، وكان عددها يساوي عدد الشيء المراد تسجيله. لكن وسائل أكثر تعقيدًا من تلك التي ذكرناها.
كانت موجودة عند بعض الشعوب، مثل الإنكا -شعب البيرو القديم- الذي اخترع ما يسمى «الكيبو»، وهي طريقة لتسجيل الأرقام باستخدام عقد مربوطة بخيوط مختلفة الألوان. وكان لاختلاف الأبعاد بين عقدة وأخرى وألوان الخيوط قواعد معترف بها في نظامها. ولا تزال هذه الطريقة مستخدمة حتى يومنا هذا في أمريكا الجنوبية وجزر يوكيو القريبة من اليابان.
الطريقة الثانية هي طريقة الكتابة. ومرت الكتابة بعدة مراحل نذكرها فيما يلي:
مرحلة الرسم على الصخور
هي الخطوة الأولى التي اتخذها الإنسان للتعبير عن أفكار أكثر تعقيدًا. ومن الأمثلة على هذه الطريقة ما اكتُشف في بداية طريق جبلي شديد التعرج والانحدار في ولاية نيو مكسيكو في الولايات المتحدة الأمريكية. وعثر على رسم منقوش على الصخر يمثل جديًا يقف على أرجله الأربع وفارسًا يقف على ظهر حصانه.
لكن صورة الفارس والحصان مقلوبة رأسًا على عقب، بحيث تكون أرجل الحصان متجهة للأعلى ورأسه متجهًا للأسفل. ويفسر العلماء الغرض من هذا الرسم بأنه تحذير من وعورة الطريق وخطورته على من يريد تسلقه على ظهور الخيل، لكن الجدي الجبلي يستطيع تسلقه بسهولة.
تسمى هذه الطريقة في الكتابة بالتصوير، وتتميز بأن معانيها واضحة لكل من ينظر إليها بغض النظر عن اللغة. وهي إلى ذلك تختلف عن التصميمات الفنية للأشخاص البدائيين من حيث إنها مبسطة ولها اصطلاحات نمطية.
مرحلة اللوغوغرافية
والمرحلة الثانية هي المرحلة اللوغوغرافية، التي خطا الإنسان فيها خطوة حاسمة نحو الكتابة الحقيقية. لقد اكتشف الإنسان أنه يستطيع التعبير عن أفكاره بطريقة غير مباشرة، أي باستخدام الإشارات والرموز التي تحل محل الكلمات وليس الأفكار في لغته.
ولتوضيح الفرق بين هذه الخطوة والخطوة الإيديوجرامية، لنأخذ جملة مثل «الجندي قتل طائرًا» في الخطوة الأولى، كان من الممكن كتابة هذه الجملة التي تصور رجلًا يرتدي زي جندي ويحمل طائرًا جريحًا ملطخًا بالدماء. أما الخطوة الثانية فيرمز لها بكلمة جندي بالنقش، وهو يمثل درعًا، ويُرمز لفعل القتل بصورة سهم، ويُرمز لكلمة طير بصورة جناح طائر.
وعن طريق نقش صورة الدرع ثم السهم ثم الجناح نحصل على جملة «الجندي قتل طائرًا». وإذا كانت صورة الجناح ثم السهم ثم الدرع منقوشة، فنستنتج عبارة «الطائر قتل الجندي».
وفي نحو عام 3100 قبل الميلاد، انتقل السومريون إلى المرحلة الثالثة، فقد استخدموا صورة واحدة للتعبير عن كلمات متعددة. وقد استخدموا السهم للتعبير عن السهم وكذلك للتعبير عن كلمة «الحياة»؛ لأن كلمة «ت» في لغتهم تعني السهم والحياة معًا. ثم أخذوا خطوة أبعد وجعلوا صورة السهم تعبر عن كل مقطع لفظي بنطق «t». وبما أن اللغة السومرية كانت لغة مقطعية، فقد اكتسب كل مقطع رمزًا للتعبير عنه، حتى لو لم يكن له علاقة بمعناه. فاللغة السومرية، التي كانت مكونة من مائة مقطع، كان بها مائة رمز للكتابة.
وبحلول عام 3000 قبل الميلاد، تمكن المصريون من العثور على رموز هيروغليفية لمقاطع لغتهم، تمامًا كما فعل السومريون، على الرغم من أن رموزهم اتخذت أشكالًا مختلفة.
الكتابة بالأحرف الأبجدية
ودخلت الكتابة مرحلتها النهائية، وهي الكتابة بالأحرف الأبجدية، على أيدي الفينيقيين، نحو عام 1000 قبل الميلاد. واستطاعت هذه الشعوب السامية تعديل نظام الرموز الهيروغليفية المصرية وإنشاء نظام أبسط يتكون من 22 إلى 30 علامة، كل منها ترمز إلى حرف ساكن من الحروف الأبجدية متبوعًا بأحد حروف العلة.
وقد أخذ الفينيقيون هذا الأسلوب معهم في رحلاتهم إلى معظم أنحاء العالم المأهول في ذلك الوقت وعلموه للشعوب التي تعاملوا معها، ما أدى إلى انتشاره على نطاق واسع، وهو الأسلوب المتبع حتى في عصرنا الحالي.
وتعود أصول الحروف العربية المستخدمة اليوم إلى الكتابة النبطية والآرامية والفينيقية. والحروف الإنجليزية مشتقة أيضًا من الحروف اللاتينية واليونانية والفينيقية.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.