كثيرًا ما نسمع بين العوام أن المصريين القدماء كانوا يتحدثون باللغة الهيروغليفية، لكن هذا الأمر لا يمت إلى الصحة بصلة؛ فالمصريون القدماء لم يعرفوا مصطلح الهيروغليفية، والأدهى من ذلك أن الهيروغليفية نفسها ليست لغة، هذا ما نحاول توضيحه في هذا المقال الذي يناقش مجموعة من الحقائق والمعلومات عن الكتابة الهيروغليفية والكتابات الأخرى التي استخدمها المصريون القدماء في السطور التالية.
ما الكتابة الهيروغليفية؟
ببساطة شديدة كانت الهيروغليفية أسلوب كتابة أو تعبير، وليست لغة منطوقة، فكان المصريون القدماءيستخدمون الخطوط والرسوم في مرحلة من المراحل، ثم تطور الأمر بعد ذلك إلى الحروف؛ وبذلك كانت كل مرحلة من المراحل تمثل مدة من حياة الكتابة المصرية القديمة، فكانت الكتابة الهيروغليفية أو الخط الهيروغليفي أقدم تلك المراحل، وهذا ما دلت عليه المخطوطات الرسمية القديمة.
أما إطلاق اسم الكتابة الهيروغليفية على هذا الخط فهذا الأمر لا يعود أبدًا إلى المصريين القدماء الذين لم يعرفوا مصطلح الخط الهيروغليفي أو الكتابة الهيروغليفية، فهذا المصطلح أطلقه اليونانيون القدماء على النقوش المصرية؛ لذا فإنّ كلمة هيروغليفية كلمة يونانية مكونة من مقطعين؛ المقطع الأول (هيرو) ويعني الشيء المقدس، والمقطع الثاني (جلوفوس) الذي يعني النقش أو المنقوش، أما المصريون القدماء فكانوا يطلقون على الكتابة الهيروغليفية مصطلح (ميدوا نتروا) الذي يعني في اللغة المصرية القديمة النقوش المقدسة أو العلامات الروحية.
تاريخ الكتابة الهيروغليفية في مصر القديمة
كانت الكتابة الهيروغليفية تستخدم عادة في الأمكنة المقدسة حيث المعابد والجداريات الحجرية والتماثيل، ورسمت النقوش بعدة أدوات بعضها بارز وبعضها غائر، واستخدم قدماء المصريين كتابات أخرى في تاريخهم، فظهرت الكتابة الهيراطيقية التي كان يستخدمها الكهنة في أعمالهم ورسائلهم؛ نظرًا لأن الكتابة الهيروغليفية كانت تستخدم فقط على جدران المعابد والتماثيل؛ لأنها لا تناسب الكتابة السريعة؛ لذا اخترعت الكتابة الهيراطيقية لأغراض العمل والإدارة والمراسلات، وظل المصريون يستخدمون الكتابة الهيراطيقية من عصر الأسرة الأولى حتى عصر الدولة الحديثة، وتدل الآثار والبرديات على استخدام هذه الكتابة نحو 2000 سنة.
أما المرحلة التالية بعد الكتابة الهيروغليفية والكتابة الهيراطيقية فقد كانت اختراع الكتابة الديموطيقية التي كانت تعد أسهل أشكال الكتابة في مصر القديمة، واستخدمت في شتى مجالات الحياة، بداية من وثائق الكهنة ورسائلهم حتى المعاملات التجارية والمعاهدات والعقود بين الناس في الأسواق، وتدل الأدلة التاريخية على ظهور الكتابة الديموطيقية في القرن الثامن قبل الميلاد، وظلت مستخدمة على نطاق واسع في المعاملات حتى القرن الخامس الميلادي، وأُطلق عليها الخط الشعبي نظرًا لوصولها إلى طبقات الشعب كافة.
ومع تنوع الأمم والحضارات التي مرت على مصر، وتنوع الناس الذين يعيشون فيها ظهرت الكتابة القبطية لتمثل مرحلة جديدة في الكتابة والتدوين والمعاملات إلى جانب اللغة الديموطيقية، فاستخدمَ الحروفَ الإغريقية في المكاتبات والنصوص رجالُ الدين المسيحيون الذين دونوا نصوصهم وكتاباتهم الدينية بالكتابة القبطية التي يمكن أن نشير إليها بعدها المحطة الرابعة والأخيرة في مسيرة الكتابة المصرية القديمة بعد الكتابة الهيروغليفية، والكتابة الهيراطيقية، والكتابة الديموطيقية.
الكتابة الهيروغليفية وحجر رشيد
عند الحديث عن الكتابة الهيروغليفية لا بد من الإشارة إلى العالم الفرنسي شامبليون الذي استطاع فك رموز حجر رشيد، وبجهوده استطاع العالم التعرف إلى الحضارة المصرية القديمة من الكتابات الهيروغليفية؛ وبذلك أصبح من السهل قراءة النصوص التي كتبت بالهيروغليفية على جدران المعابد والتماثيل والمسلات والرسائل القديمة.
هذا الحجر الذي عثر عليه جنود الحملة الفرنسية في مصر، ووضع في المتحف البريطاني كان مفتاح الوصول إلى أسرار الكتابة الهيروغليفية، فقد كان يمثل مرسومًا من الكهنة في مدينة منف أرسل عام 196 قبل الميلاد إلى الملك بطليموس الخامس شكرًا وامتنانًا على قراراته التي أعفى فيها الكهنة من الالتزامات والضرائب، فسجلوا النص نفسه على ثلاث أوجه من الحجر بثلاث كتابات مختلفة؛ هي الكتابة الهيروغليفية، والكتابة الديموطيقية، والكتابة اليونانية، ما جعل شامبليون يقارن الخطوط الثلاثة ليحاول التوصل بعد عناء شديد إلى مضمون الرسالة، ثَمّ استطاع فك رموز الكتابة الهيروغليفية التي أثارت ضجة علمية كبيرة في ذلك الوقت.
وهكذا يتضح لنا أن الكتابة الهيروغليفية مرحلة من مراحل الكتابة المصرية القديمة، وليست لغة بالمعنى المعروف، وأن مصطلح الهيروغليفي ليس مصطلحًا مصريًا، وإنما ينتمي إلى اللغة اليونانية.
وفي نهاية هذا المقال نتمنى أن نكون قدمنا لك المتعة والإضافة، ويسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات، وأن تشارك المقال عبر مواقع التواصل؛ لتعم الفائدة على الجميع.
المقال صدمني
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.