الكاتب «عبد الرحمن منيف».. الثائر الروائي

لا شكَّ أن الكاتب والروائي والسياسي ورجل الاقتصاد السعودي عبد الرحمن منيف أحد أهم الأصوات العربية في الرواية في النصف الثاني من القرن الـ20، وربما كان عبد الرحمن منيف هو سيد الرواية الأول في شبه الجزيرة العربية، إضافة إلى مواهبه المتعددة في الصحافة والقصة وكتابة السيرة والفن التشكيلي، وهو ما يضعنا أمام كاتب موسوعي صاحب مسيرة هائلة في مجالات عدة.

وفي هذا المقال نصحبك في جولة سريعة في تجربة عبد الرحمن منيف لنتعرف على أهم محطات حياته الشخصية والإبداعية في السطور التالية.

المولد والنشأة

وُلِد عبد الرحمن منيف يوم 29 مايو عام 1933 في مدينة عمان الأردنية، نظرًا لظروف عمل والده إبراهيم المنيف الذي كان تاجرًا شهيرًا للعقيلات، وعُرِف برحلاته المستمرة بين منطقة القصيم ومدن الشام والعراق، وهو ما جعل عبد الرحمن منيف يقضي مدة طويلة من طفولته في شرق الأردن قبل أن يعود إلى السعودية.

درس عبد الرحمن منيف في الأردن وحصل على الشهادة الثانوية من الأردن أيضًا عام 1952، قبل أن ينتقل إلى بغداد ويلتحق بكلية الحقوق، ولكنه لم يتمكن من إكمال دراسته بالكلية بسبب إبعاده مع مجموعة من زملائه بقرار سياسي، فانتقل إلى الدراسة في مصر، ثم سافر إلى يوغوسلافيا للالتحاق بجامعة بلغراد وإكمال دراسته العليا، إذ نال شهادة الدكتوراه في الاقتصاد عام 1961.

حياة عبد الرحمن منيف

تخصَّص عبد الرحمن منيف في اقتصاديات النفط، وكانت الدكتوراه الخاصة به في مجال "الأسواق والأسعار"، وهو ما أصبح خبيرًا فيه، إذ عمل في هيئات عدة ومؤسسات وشركات في مجال النفط، وعلى رأسها الشركة السورية للنفط.

على المستوى السياسي، كان عبد الرحمن منيف ناشطًا وممارسًا للعمل السياسي والحزبي، وكان يعتنق الفكر اليساري ويدافع عنه، وعاش حياته معارضًا للأنظمة العربية، وحملت كتاباته كثيرًا من الانتقادات للنظام العراقي، لكنه دائمًا كان ضد الاحتلال الأمريكي للعراق.

أما عن عمله في الصحافة، فقد كان عبد الرحمن منيف صحفيًّا وأديبًا في الوقت نفسه، إذ عمل في مجلة البلاغ اللبنانية في الوقت نفسه الذي أصدر فيه أول أعماله الأدبية بعنوان "الأشجار واغتيال مرزوق".

صحفي وأديب

حتى عندما أقام في بغداد، مارس الصحافة في مجلة النفط والتنمية التي تُعنى بالشأن الاقتصادي العراقي، وفي الأخير اكتفى بكتابة المقالات عندما تفرغ للكتابة الأدبية من قصة ورواية وسيرة ذاتية.

كان عبد الرحمن منيف يعيش متنقلًا بين المدن العربية مثل بغداد وعمان والقاهرة، وكذلك المدن الأوروبية مثل بلغراد وباريس، حتى استقر في مدينة دمشق وعاش بها ما تبقى من عمره، وهو ما أثَّر كثيرًا في تجربة عبد الرحمن منيف على المستوى المعرفي والثقافي، ومنحه الزخم الفكري الكبير نتيجة الاحتكاك الثقافي والاطلاع على مختلف الأطراف المتفاعلة والصانعة للمشهد الفكري العالمي.

مع أنَّ عبد الرحمن منيف صُنِّف معارضًا وأطلق على نفسه "الثائر الروائي"، لكن كتاباته التي لم تكن تحظى بترحيب كبير من النظام السعودي، عُرضت بعد ذلك في معرض الكتاب في مدينة الرياض دون أي قيود أو شروط من الحكومة السعودية.

أدب عبد الرحمن منيف

على مستوى التجربة الأدبية، فقد كان عبد الرحمن منيف أديبًا غزير الإنتاج، كما عُرِف بشجاعته وجرأته على طرح آرائه الثورية واختراق المواضيع السياسية المحرمة في بلادنا العربية، وكان له كثير من المواقف ضد الظلم والقهر والقمع وانتهاك الكرامة الإنسانية والحريات الشخصية.

وكما يقول عنه إبراهيم درويش: "لقد عمل عبد الرحمن منيف على تثوير الرواية وكرَّس حياته للتأليف القصصي، حيث كان يؤمن بدور الأدب في كشف عيوب الواقع. وأكثر ما انشغل به عبد الرحمن منيف هو موضوع القمع وموضوع النفط".

وداخل أعمال عبد الرحمن منيف تظهر الأزمات الاجتماعية والظواهر الواقعية والعلاقات المتشابكة بين الطبقات والفئات الاجتماعية وبعضها، كما يظهر بوضوح تلك الهوة المتسعة بين حال الأغنياء وحال الفقراء.

وتتجلى حدة الأزمات الاجتماعية في أعمال عبد الرحمن منيف في وضع المرأة العربية والاستبداد والقمع الذي يعاني منه المواطن العربي، وكأنه همٌّ خاص ينسحب إلى الهمِّ العام، فتشعر وأنت تقرأ أعمال عبد الرحمن منيف أنه يتحدث عنك بالتحديد مهما كان موقعك على الخريطة الاجتماعية العربية.

تبرز من بين أعماله الأكثر جرأة رواية "شرق المتوسط" التي أحدثت دويًا هائلًا عندما تحدثت عن قضية التعذيب الذي تمارسه الأنظمة العربية الشمولية، وكذلك رواية "مدن الملحالتي كانت معارضة صريحة للنظام السعودي.

كتاب مدن الملح

لكن أعماله القوية التي تحمل أفكارًا ثورية وجريئة، لا تقف فقط عند حدود الفكرة، وإنما تتكئ على عدد من العوامل الأدبية والمهارات السردية والنقاط الفنية التي أفرد لها النُقَّاد والباحثون كتبًا ودراسات عدة على مدار سنوات طويلة.

يُذكر أيضًا أن عبد الرحمن منيف بدأ يكتب الرواية وهو في الأربعين من عمره، ومع ذلك فقد احتل مكانًا خاصًّا في الفضاء الروائي العربي بتطويره لما يُطلق عليه "مقومات التعبير الباطني أو النفسي" التي تتضمن الانفعالات الإنسانية وخروجها من أعماق النفس البشرية حتى تصل إلى التعابير الخارجية. كذلك، كان عبد الرحمن منيف على قدر كبير من الاستيعاب والآنية فيما يخص الثقافة المعاصرة وألفاظها ومصطلحاتها، سواء على المستوى العربي أو المستوى العالمي.

تجاوزت أعمال عبد الرحمن منيف 30 عملًا بين الرواية والقصة والفنون التشكيلية والسيرة الذاتية، إضافة إلى المؤلفات الفكرية، وتُرجمت كثير من أعماله إلى أكثر من 20 لغة، وهو ما جعل كثير من النقاد يتحدثون عن قيمة عبد الرحمن منيف على مستوى المشهد الروائي العربي.

الأعمال الأدبية

فيُقال إن نجيب محفوظ هو عميد الرواية العربية، ثم يأتي بعد ذلك عبد الرحمن منيف الذي استطاعت رواياته أن ترصد التحولات الكبيرة على مستوى الحضارة والثقافة العربية في النصف الثاني من القرن الـ20، واستطاعت أن تظهر كثيرًا من التحولات السياسية والاجتماعية في منطقة الخليج العربي، لا سيما بعد ثورة النفط والتحولات التي تبعتها في بنية المجتمعات العربية الخليجية.

حصل عبد الرحمن منيف على جائزة العويس الثقافية عام 1989، كما حصل على جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي عام 1998، كما حملت الدورة الثالثة لملتقى القاهرة للإبداع الأدبي اسم عبد الرحمن منيف تكريمًا له وتخليدًا لأعماله عام 2005.

أعمال عبد الرحمن منيف

  • الأشجار واغتيال مرزوق رواية عام 1973
  • قصة حب مجوسية رواية عام 1974
  • شرق المتوسط رواية عام 1975
  • النهايات رواية عام 1977
  • حين تركنا الجسر رواية عام 1979
  • سباق المسافات الطويلة رواية عام 1979
  • عالم بلا خرائط رواية عام 1982
  • التيه رواية عام 1984
  • الأخدود رواية
  • تقاسيم الليل والنهار رواية
  • المنبت رواية
  • بادية الظلمات رواية
  • الآن هنا رواية عام 1991
  • الأرض السوداء رواية عام 1999
  • أم النذور رواية عام 2005
  • لوعة الغياب عمل غير روائي عام 1989
  • الكاتب والمنفى وآفاق الرواية العربية عام 1991
  • سيرة مدينة: عمان في الأربعينات عام 1994
  • الديمقراطية أولًا الديمقراطية دائمًا عام 1995
  • القلق وتمجيد الحياة عام 1995
  • مروان قصاب باشي: رحلة الحياة والفن عام 1996
  • عروة الزمان الباهي عام 1997
  • جبران علوان: موسيقى الألوان عام 2000
  • ذاكرة للمستقبل عام 2001
  • العراق: هوامش من التاريخ والمقاومة عام 2003
  • أسماء مستعارة قصص قصيرة عام 2006
  • الباب المفتوح قصص قصيرة عام 2006

مقتبسات من أعمال عبد الرحمن منيف

  • (لولا النسيان لمات الإنسان لكثرة ما يعرف، لمات من تخمة الهموم والعذاب والأفكار التي تجول في رأسه)

من رواية الأشجار واغتيال مرزوق.

اقتباس من رواية الأشجار

  • (إن الإنسان في هذه الأيام يمتلك روحًا شريرة لا تمتلكها الذئاب أو أي حيوانات أخرى، ولهذا السبب نواجه اليوم الجوع، وسيكون الجوع غدًا أشد وأصعب. إنني أرى ذلك كما أراكم الآن، وإنني أخاف من الغد أكثر مما أخاف اليوم الذي أعيش فيه. هذا ما صنعناه بأيدينا.)

من كتاب النهايات.

  • (إن أغرب شيء في هذه الحياة يا صاحبي أن الناس السيئين لا يموتون، بل يعيشون أكثر مما يجب لكي يفسدوا حياة الآخرين.)

من رواية الأشجار واغتيال مرزوق.

  • (قناعتي أننا نحن الذين خلقنا الجلادين، ونحن الذين سمحنا باستمرار السجون. لقد فعلنا ذلك من خلال تساهلنا وتنازلنا عن حقوقنا، ومن خلال استسلامنا لمجموعة من الأوهام والأصنام. ثم لما أصبحنا الضحايا، لم نعد نعرف كيف نتعامل مع هذه الحالة.)

من رواية شرق المتوسط.

  • (أشياء كثيرة يتعلمها الإنسان في وقت مبكر، ويتصورها يقينًا لا يقبل الشك، لكن الحياة علمته أن ذلك اليقين مجرد وهم.)

من كتاب مدن الملح.

اقتباس من مدن الملح

وفاة عبد الرحمن منيف

توفي الروائي الثائر والأديب العربي الكبير عبد الرحمن منيف في مدينة دمشق يوم 24 يناير عام 2004 نتيجة إصابته بأزمة قلبية، بعد رحلة طويلة من الإبداع والترحال والثورة.

وفي نهاية هذا المقال الذي تضمن جولة سريعة في تجربة الأديب السعودي الكبير عبد الرحمن منيف، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة