ممَّا لا شك فيه أن الامتحانات تعد محطة حاسمة في المسيرة التعليمية للتلاميذ، بعدِّها أداة مهمة لتقييم مدى اكتساب المعارف والمهارات، لكنه مع الأسف، هذه المحطة غالبًا ما تكون مصحوبة بمشاعر سلبية تتراوح بين القلق والخوف الامتحاني، ولأن هذه الحالات النفسية لا تؤثر فقط على أداء المتعلم داخل قاعة الامتحان، بل تتجاوز ذلك لتشمل جوانب أخرى من حياته بما فيها الاجتماعية والنفسية والأكاديمية... هذا ما يستدعي فهمًا عميقًا لأسباب هذه الحالات واقتراح حلول فعالة ولو نسبيًا للتخفيف من وطأتها.
قبل أن نغوص في أسباب قلق الامتحان، وجب أولًا أن ندرك معناه، فالقلق هو حالة من الخوف الغامض الشديد الذي يتملك الإنسان، ويسبب له كثيرًا من الكدر والضيق والألم، والقلق يعني الانزعاج، والشخص القلق يتوقع الشر دائمًا، ويبدو متشائمًا، ومتوتر الأعصاب، ومضطربًا، ثم إن الشخص القلق يفقد الثقة بنفسه، ويبدو مترددًا عاجزًا عن البت في الأمور، ويفقد القدرة على التركيز «القلق، سيغموند فرويد، 1962 ص 3-4».
أسباب القلق الامتحاني.. نظرة نفسية
لا بد من الإشارة أولًا أن عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد يصنف القلق إلى ثلاثة أنواع، وما يهمنا في هذه الدراسة هو القلق الموضوعي «Objective anxiety» الذي يكون فيه مصدر القلق من الخارج، ويُعرف على أنه رد فعل لخطر خارجي معروف، وهذا ما يقع للتلاميذ عندما يكون الخوف عندهم متعلقًا بالامتحانات.
تتعدد العوامل المؤثرة في ظهور القلق لدى التلاميذ، ومن أبرزها العوامل المعرفية، التي تؤدي فيها الأفكار والمعتقدات دورًا محوريًا في تشكيل الاستجابة الانفعالية للامتحان، وغالبًا ما يعاني التلميذ من القلق نتيجة لأفكاره السلبية التلقائية التي تظل تحاصره، كأنه سيفشل لا محالة، وأنه ليس بمقدوره تذكر أي شيء، أو ربما أيضًا يُخيّل له أن كل زملائه في الفصل قادرون على الإجابة ما عداه.
هذه الأفكار تولد شعورًا بالضغط والتوتر، ما يعيق التركيز واستدعاء المعلومات، ثم إن التركيز المفرط على النتائج السلبية المحتملة يزيد حدة هذا القلق. ويشير كارل يونغ إلى أن القلق هو رد فعل يقوم به الفرد حينما تغزو عقله قوى وخيالات غير معقولة صادرة عن اللاشعور.
وأيضًا من بين تلك العوامل، نجد منها ما هو سلوكي، وتتمثل بعضها في مرحلة التحضير للامتحان وفي أثنائه كعوامل مؤججة للقلق، تتجلى في التسويف وتأجيل المذاكرة حتى اللحظات الأخيرة، وكذلك الدراسة بطريقة غير منظمة وعشوائية، هذا وأيضًا عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم والراحة، وتجنب الحديث عن المخاوف المرتبطة بالامتحان، هذا الأخير يؤثر تأثيرًا كبيرة في كبت ثنائية الخوف والقلق في نفس التلميذ، وهذا أمر شديد الخطر جدًا وعواقبه وخيمة على الحالة النفسية للمتعلم.
لهذا وجب على كافة الآباء وأولياء الأمور أن يتحدثوا إلى أبنائهم قبل الامتحان؛ لما في ذلك من تأثير محمود على نفسياتهم، فالتلميذ الذي علاقته بأهله مضطهدة وغير مستقرة، تكون نسبة القلق عنده مرتفعة. إذن فإن البيئة التي يعيش فيها الطفل تسهم إسهامًا إيجابيًا في نشأة القلق عنده لما بها من تعقيدات ومتناقضات.
فالقلق في نظر المحللة النفسية الألمانية كارين هورني يرجع بصورة أساسية إلى علاقة الفرد «التلميذ» بالآخرين، ويزداد هذا مع الزمن بسبب ما يسود المجتمع من تعقيد، لذا فإنّ العوامل البيئية تؤدي دورًا جوهريًا في تفاقم أو تخفيف القلق الامتحاني، فالضغط التنافسي الشديد بين التلاميذ، وتوقعات الآباء العالية وغير الواقعية في بعض الأحيان، ونقلهم لمخاوفهم وقلقهم بشأن نتائج الامتحانات، كلها عوامل خارجية تزيد الضغط النفسي على المتعلم.
إستراتيجيات التدخل.. التخفيف من وطأة القلق والخوف الامتحاني
يتطلب التعامل الفعال مع القلق والخوف الامتحاني اتباع إستراتيجيات نفسية متكاملة تستهدف مختلف جوانب المشكلة، كتعديل الأفكار السلبية؛ لأن تقنيات العلاج المعرفي السلوكي «CBT» فعالة في تحديد وتحدي الأفكار السلبية التلقائية المرتبطة بالامتحان، وعلى هذا يمكن للتلاميذ تعلم كيفية استبدال هذه الأفكار السلبية بأخرى أكثر إيجابية.
على سبيل المثال، بدلًا من التفكير «سأفشل بالتأكيد»، يمكن استبدالها بـ«لقد درست بجد وسأبذل قصارى جهدي وسأكون إن شاء الله من الناجحين».
- تنمية مهارات الدراسة الفعالة: يساعد تعلم إستراتيجيات تنظيم الوقت، وتحديد الأهداف، وكذلك استخدام تقنيات التذكر الفعالة، في زيادة شعور المتعلم بالسيطرة والكفاءة، ما يقلل من مستوى القلق.
- تعلم تقنيات الاسترخاء: يمكن لتقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق، والتأمل، والاسترخاء العضلي التدريجي، أن تساعد على خفض مستوى التوتر والقلق الجسدي والنفسي قبل وفي أثناء الامتحان.
- تحسين إدارة الوقت والضغط: تعليم التلاميذ كيفية إدارة وقتهم بصورة فعالة وتحديد أولوياتهم؛ لأن حسن إدارة الوقت يؤدي دورًا جوهريًّا في تقليل الشعور بالضغط والإرهاق، فضلًا على ذلك يسهم في رفع مستوى الدافع وجودة العمل.
ثم إن تعلم إستراتيجيات التعامل مع الضغوط الحياتية بوجه عام يعزز القدرة على مواجهة ضغوط الامتحانات، وتعزيز الثقة بالنفس وتقدير الذات، فعندما يكون لدى التلميذ شعور قوي بالثقة بقدراته وتقدير مهم لذاته، يصير أقل عرضة للشعور بالقلق المفرط بشأن نتائج الامتحانات، لكون الثقة بالنفس تشجع التلميذ على تذكر إنجازاته ونجاحاته السابقة والتركيز على نقاط قوته بدلًا من التركيز فقط على نقاط ضعفه.
وجب أيضًا على التلميذ تحديد أهداف واقعية، كوضع أهداف قابلة للتحقيق والاحتفال بالإنجازات الصغيرة لتعزيز الشعور بالكفاءة، وأيضًا عليه أن يتجنب المقارنات السلبية مع زملائه والعمل على تقدمه وتطوره الشخصي.
ختامًا، يمثل القلق والخوف الامتحاني تحديًا نفسيًا حقيقيًا يواجهه عدد من التلاميذ، فإن فهم الأسباب الكامنة وراء هذه المشاعر السلبية هو الخطوة الأولى نحو الوصول لحلول فعالة، وبتبني إستراتيجيات نفسية رصينة تركز على تعديل الأفكار، وتنمية المهارات، وكذا تعزيز الثقة بالنفس، وتوفير الدعم المناسب، يمكن أن يساعدهم على تجاوز هذه العقبة وتحقيق أقصى إمكاناتهم المعرفية والمهارية.
وأخيرًا، فإن خلق بيئة تعليمية داعمة ومتفهمة، تركز على التعلم والتطور بدلًا من مجرد التقييم، يسهم كثيرًا في تخفيف الضغط النفسي على المتعلمين وتعزيز تجربتهم التعليمية بإيجابية.
👍👍👍👍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.