القطة والسنجاب.. في مكر الصداقة وموازين الثقة

مما يُحكى أن قطةً وسنجابًا سكنا غابة واحدة، وكان بينهما وُد ظاهر، وكلام لطيف، وزيارات متكررة، حتى ظنّ أهل الغابة أنهما كالأخوين في الرضاعة، أو كصاحبين في الدرب والمزارعة.

وكانت القطة تُظهر التودد، وتُكثر من الثناء على السنجاب، وتقول له:

- يا سنجاب، إنك لأحكم من رأيت من السناجب، وأفطن مَن جمع الجوز، وألطف من قفز من غصن إلى غصن، ولولا حيائي لقلتُ إنك أحقُّ بالغابة من ملكها.

فكان السنجابُ يطرب لسماعها، وينتفخ فخرًا، ويقول في نفسه: ما أحسن هذا الوفاء من أختي القطة، وما أصفى مودتها، حتى صارت تفضّلني على الأسود والنمور.

لكن القطة لم تكن إلا ذات طبع خفي، وميلٍ إلى المكر إذا اشتد بها الجوع، وكانت ترى أن في السنجاب سمين اللحم، طيب الطعم، فيشتد بها الطمع، ثم تكفّه بمكرها حتى تأتي الفرصة.

وذات يومٍ اجتمع أهل الغابة في سوق الطعام، وكان في الموعد قحطٌ شديد، وندرة في الأقوات، ونزلت القطة إلى السوق متظاهرةً بالشكوى، فقالت للسنجاب:

- يا سنجاب، قد ضاقت بي الأرض، ولم أجد ما يسدّ رمقي، وإني لأخشى أن أموت جوعًا،

فهل لك أن تعين أختك بجزءٍ من مخزونك الذي جمعتَه بجهدك؟

فأجابها السنجاب بغير تردد:

- خُذِي يا أختاه من جوزي ما تشائين، فهذا لكِ دون منٍّ ولا أذى، فأنا أعرف حسن نيتك، وأثق بودك.

ففرحت القطة بما نالت، ثم عادت في اليوم التالي تطلب فأعطاها، وفي الثالث فأعطاها، حتى ضاق السنجاب، فقال لها:

- يا أختاه، إن مخزوني قد قارب على النفاد، وها قد آن لك أن تبحثي عن قوتك كما أفعل،

فأظهرت القطة الحزن، وولّت عنه، وهي تقول في نفسها: قد آن أوان الشِباك، فالود لا يُشبعني، والنُّبل لا يسدّ جوفي.

فمكرت له مكيدة، فجعلت نفسها مريضة، وادّعت الضعف، وبعثت إليه برسالة تقول فيها:

«يا سنجاب، لقد أوشكت أن الهلاك، وجسدي لا يقوى على الحركة، فإن كان لك قلب، فهلمّ إلي، فإن موتي قريب، ووداعك آخر ما أرجوه».

فأسرع السنجاب عبر غصون الشجر، حتى بلغ جحرها، فلما اقترب منها، وثبت عليه وثبة الفهد، وأمسكته بمخلبها، وقالت:

- يا سنجابي العزيز، قد أعطيتك من المدح ما أطربك، ومن الكلام ما خدعك، فأمّنت لي، وما عرفتَ أنني قطة، وطبع القطط لا يتغيّر في الجوع ولا في الشبع.

فقال السنجاب وهو في قبضتها:

- ويحك يا أختاه، أين المودة التي كنت تبنين؟ وأين تلك الألفاظ التي كنتِ تسقينني إياها صباح مساء؟

فقالت القطة بضحكةٍ صفراء:

- الكلام يُقال للغرض، والصداقة تُنسج بالعقل، لا بالعاطفة، وقد غلبني طبعي، وما كان للقط أن يتّخذ سنجابًا أخًا.

فقال السنجاب:

- إن لم تكن لك شفقة، فدعي عنك الخيانة، فإن الغدر يُعيب من أظهر الرفعة، ويكشف الخبيئة مهما طال ستارها.

وقبل أن تنقضّ عليه، إذا بنسرٍ كان يمر فوق الشجرة، فرأى ما جرى، فانقضّ على القطة بمخالبه، وطار بها بعيدًا قبل أن تذوق لحم السنجاب، فنجا بأعجوبة.

ثم عاد السنجاب إلى جحره، وقال لأهل الغابة:

- يا معشر الغافلين، لا تنخدعوا بالكلام اللين، ولا تغتروا بالمظاهر، فإن في الأنياب سكاكين، وفي الحكايا سمًّا زعافًا، والثقة لا تُمنح إلا لمن اختبر الزمانُ طبعَه.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

👍👍👍 جمله وبها العبرة
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة
بقلم طارق السيد متولى
بقلم محمد احمد الهواري
بقلم محمد احمد الهواري
بقلم محمد حلمى عطيه