مع تطور علم النفس والفهم العميق للطبيعة البشرية ظهر مصطلح التلاعب النفسي بهدف التحكم في سلوك الآخرين وأفكارهم ومشاعرهم. وغالبًا يكون لتحقيق مكاسب شخصية أو التأثير في قرارتهم دون وعيهم بالكامل، ويُستخدم على نطاق واسع وفي سياقات متنوعة مثل العلاقات الشخصية والبيئات المهنية حتى السياسة والإعلانات التجارية.
التلاعب النفسي هو مصطلح يشير إلى استخدام أساليب خفية ومهارات متقدمة للتأثير في السلوك البشري، ويكون ذلك بمزيج من الخداع والإقناع والتحكم واستغلال العواطف والمشاعر الإنسانية. حسب البساطة والتعقيد وحسب التقنيات المختلفة، ولكن القاسم المشترك في كل تقنيات التلاعب النفسي هو اعتمادها على استغلال نقاط الضعف البشرية.
ويمكن استخدام التلاعب والخداع واستخدامهما للتأثير في الآخرين، بأساليب غير أخلاقية لتدمير الثقة بين الأشخاص، أو خلق شعور دائم بالقلق والشك في الحالات الأكثر تطرفًا، ويمكن أن يتسبب في مشكلات نفسية عميقة مثل الاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس.
ويُعد فهم تقنيات التلاعب النفسي مهارة لا بد أن يتسلح بها الإنسان لحماية نفسه من التلاعب النفسي الذي أصبح شائعًا في عالمنا الرقمي المعاصر، ودفاعًا فعالًا ضد محاولات السيطرة.
ومن أهم تقنيات التلاعب النفسي للجماعات هو تكنيك القصف بالحب، وهو موضوع المقال الذي أسعى فيه إلى تبسيط المفهوم، وبيان تأثير هذه التقنية في النفس والعاطفة، وكيفية حدوثها.
تقنية التلاعب النفسي.. القصف بالحب
ببساطة هو محاولة للتأثير في شخص ما عن طريق إظهار الاهتمام والمودة، ويمكن استخدامه بأساليب مختلفة ولأغراض مختلفة قد تكون إيجابية أو سلبية. ولكن حدَّد علماء النفس القصف بالحب بوصفه جزءًا محتملًا من دورة الإساءة، لأنه يخلق شعورًا بالوحدة ضمن مجموعة ضد مجتمع يُنظر إليه على أنه معادٍ.
ظهر مفهوم القصف بالحب في الستينيات والسبعينيات، ويرتبط بالطوائف والجماعات، وهو تقنية من تقنيات التلاعب النفسي للانضمام والإخلاص لمبادئها، فتم استخدامه من قبل كنيسة التوحيد في الولايات المتحدة وأعضاء العائلة الدولية، وناقشته أستاذة علم النفس "مارغريت سينجر" في كتابها "الطوائف في محيطنا 1996".
ونقتبس منه التالي:
"بمجرد إظهار أي اهتمام من قبل المجندين قد يتعرضون لقصف الحب من قبل المجند أو أعضاء الطائفة الآخرين. وكانت تلك العملية تتظاهر بالصداقة والاهتمام بالمجند، مرتبطة بالأصل بأحد الطوائف الشبابية المبكرة، لكن سرعان ما اعتمدتها مجموعة من الجماعات بوصفها جزءًا من برنامجها لجذب الناس. وهو جهد منسق عادة تحت إشراف القيادة يشمل غمر المجندين والأعضاء الجدد بالمدح والإغواء اللفظي واللمس العاطفي غير الجنسي، في حيلة خادعة تفسر كثيرًا من الحملات الناجحة للتجنيد".
ونستخلص من ذلك أنه يتم إغراق العضو الجديد في الجماعة بكمية مفرطة من الاهتمام والمديح والعاطفة؛ ليشعر بالقبول والاحترام والتقدير والارتباط العميق بالمجموعة أو القائد، ويُخلق اعتماد عاطفي وولاء، وهو وسيلة لغرس الأفكار في عقول الأفراد ضمن الجماعة أو الطائفة للسيطرة عليهم.
لذا فالقصف بالحب هو نوع من أنواع التلاعب النفسي عن طريق تقديم الحب والقبول غير المشروط، ويُمكِّن الطوائف من أن يكسروا الحواجز النفسية للمجندين الجدد؛ وما يجعلهم أكثر تقبلًا لتبني نظام معتقدات المجموعة والخضوع لسلطة القائد.
السمات الرئيسة للقصف بالحب
1- الاهتمام والمديح المفرط
غالبًا ما يتم الإشادة بتميزهم، وحظ المجموعة بوجودهم كأعضاء ينتسبون لها.
2- خلق إحساس الانتماء
يشعر العضو المستهدف أنه وجد أخيرًا من يفهمه ويتقبله، ويشعر بتميزه؛ فيُخلق فيه الشعور بالأمان العاطفي.
3- روابط عاطفية سريعة
عن طريق الاهتمام الشخصي بالعضو الجديد وبناء الثقة والألفة.
4- الاعتماد على موافقة المجموعة
بعد تعود العضو الجديد المستهدف على العاطفة والاهتمام يسعى للبحث عن التقدير من المجموعة والقائد، ويصبح معتمدًا عليها لتقدير الذات.
5- الحب المشروط
يرتبط التقدير والاهتمام بطاعة الفرد وولائه للمجموعة والقائد، وأي انحراف عن توقعات المجموعة يؤدي إلى سحب الحب والعاطفة؛ ما يخلق دورة من التلاعب العاطفي.
الآثار النفسية والعاطفية لتقنية التلاعب النفسي.. القصف بالحب
تبرز تقنية التلاعب النفسي "القصف بالحب" وتستهدف في المقام الأول العاطفة التي تؤدي دورًا محوريًّا في العلاقات الإنسانية ودورها في المجتمع، وتشكيل روابطه، ومدى استمراريتها، فتتحول من وسيلة للتواصل الحقيقي الفعال إلى أداة للسيطرة والاستغلال، فيكون ثمن الإغراق العاطفي هو الولاء الكامل والطاعة. ومن الآثار النفسية والعاطفية لتقنية القصف بالحب هي:
1- تعزيز الاعتماد العاطفي
عندما يتلقى الشخص جرعات مكثفة من الاهتمام والحب يبدأ في ربط سعادته ورضاه العاطفي بالطرف الآخر.
2- تشويش الهوية الذاتية
يتقلص الحب والاهتمام على نحو مفاجئ؛ ما يخلق شعورًا بالذنب والقلق لدى الشخص المستهدف.
3- التشويش العاطفي
يسعى الشخص المستهدف باستمرار لإرضاء الجماعة أو الطرف الآخر لاستعادة الاهتمام والإطراء.
4- انخفاض تقدير الذات
تستخدم الجماعة أو الطرف الآخر المسيطر النقد والتلاعب العاطفي لزرع الشك في الشخص المستهدف عندما يخالف التوقعات؛ ما يؤدي إلى انخفاض الثقة بالنفس تدريجيًّا.
5- القلق والاكتئاب
من أهم أعراض القصف بالحب هو شعور الشخص المستهدف بالتوتر والقلق، فيصبح في حالة يقظة دائمة لنيل رضا الجماعة أو الطرف الآخر ليتعاطى جرعات الاهتمام والحب والمديح باستمرار.
التعامل مع تقنية التلاعب النفسي.. القصف بالحب
المبالغة في أي علاقة إنسانية أو تواصل هو مدعاة للشك، فمن الطبيعي أن ينمو كل شيء تدريجيًّا، وليس على نحو مبالغ فيه وسريع. فالعلاقات الإنسانية الصحية تعتمد على التوازن المتبادل، فيكون لكل طرف احتياجاته وإسهاماته. فالعلاقة التي تدور بالكامل حول طرف واحد تكون علامة على تلاعب عاطفي؛ لذلك توجد بعض المبادئ التي يجب على الشخص الالتزام بها في تكوين العلاقات الإنسانية حتى لا يقع ضحية لأي أسلوب من أساليب التلاعب النفسي أو العاطفي وهي:
1- التأني في العلاقة.
2- التوازن في العلاقة.
3- تعلم الحدود الشخصية والعاطفية.
في حياتنا اليومية نتفاعل اجتماعيًّا ونفسيًّا مع كثير من الأشخاص والجماعات، وقد تكون تلك التفاعلات إيجابية ومثمرة، وقد تحمل نيات خفية؛ لذلك علينا أن نكون حذرين وذوي عقول يقظة لحماية النفس من الاستغلال والسيطرة، وتكوين علاقات مبنية على الاحترام المتبادل والوعي الذاتي. إن فهم تقنيات التلاعب النفسي ليس فقط مجرد مهارة لحماية النفس، ولكنها تطوير لوعي عميق في عالم معقد مثل عالمنا الذي نعيش فيه، ونحن بحاجة إلى وعي ذاتي ومجتمعي.
راااائع جدا
اشكرك
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.