«القصر المسكون».. قصة قصيرة ج2

نبدأ من حيث انتهينا في الجزء السابق..

هل سبق لك أن شعرتَ أن أعينًا تراقبك حتى وأنت وحدك؟ أنفاسٌ باردة تلامس عنقك، وخطوات خفيفة تتردد في أذنيك، لكنك عندما تستدير، لا تجد أحدًا؟ نحن لم نكن نؤمن بمثل هذه الأمور، لكن بعد أن أقمنا في هذا القصر، تغيرت نظرتنا إلى كل شيء. دخلنا المكان بثقة، ولكننا خرجنا منه ونحن نحمل ذكريات لن نستطيع نسيانها أبدًا.

كنا نعتقد أننا اخترنا قصرًا ملكيًا فاخرًا للإقامة، لكننا في الحقيقة كنا نعيش في قلب أكثر الأماكن رعبًا على وجه الأرض!

لم أتمكن من النوم تلك الليلة. كنتُ مستلقيًا في سريري، أراقب الظلال الطويلة التي ترسمها الأشجار عبر النافذة. كان كل شيء هادئًا... أكثر هدوءًا مما ينبغي. كنتُ أنتظر أن يحدث شيء، أي شيء يثبت أن أختي لم تكن تتوهم عندما رأت ذلك الشبح في الحمام. عند منتصف الليل تمامًا، سمعتُ صوتًا غريبًا يأتي من الطابق السفلي. لم يكن صوت الرياح ولا أصوات الحشرات الليلية، بل كان صوت خشخشة، وكأن أحدهم يسحب شيئًا ثقيلًا عبر الممر.

جلستُ في سريري، أنصتُ أكثر، فتأكدتُ أن الصوت قادم من أسفل، تحديدًا من الغرفة التي لم نستخدمها من قبل. تسللتُ خارج غرفتي بحذر، ولم أشعل الأنوار حتى لا ألفت الانتباه. كانت خطواتي خفيفة، لكن كلما تقدمتُ، شعرتُ وكأن الأرضية الخشبية تحت قدمي تصدر صريرًا متعمدًا، وكأن القصر نفسه يحاول منعي من التقدم. عندما وصلتُ إلى الطابق السفلي، وجدتُ الباب الذي كان الصوت يخرج منه مفتوحًا نصف فتحة، وكأن شخصًا ما تركه مفتوحًا عمدًا، ينتظر قدومي. دفعتُ الباب ببطء شديد، وقلبي يكاد يقفز من صدري.

في الداخل، كانت الغرفة شبه مظلمة، لكنني استطعتُ رؤية شيء غريب... كان هناك كرسي قديم يتأرجح وحده، كأن شخصًا غير مرئي كان يجلس عليه قبل لحظات!

اقتربتُ أكثر، محاولًا السيطرة على خوفي، لكنني شعرتُ فجأة بتيار هواء بارد يضربني، رغم أن النوافذ جميعها كانت مغلقة. عندها، وقع نظري على خزانة خشبية قديمة في زاوية الغرفة، بابها مفتوح قليلًا. مددتُ يدي لأفتحها بالكامل، ووجدتُ داخلها صندوقًا صغيرًا مغبرًا. كان يبدو وكأنه لم يُفتح منذ سنوات طويلة. عندما فتحته، وجدتُ بداخله دفترًا جلديًا، أوراقه صفراء ومتآكلة، وكأنه ينتمي إلى زمن بعيد. قلبتُ الصفحات، وبدأتُ أقرأ...

"في هذا القصر، وقعت جريمة لم يُكشف سرها أبدًا. كانت الضحية رجلًا نبيلًا يُدعى فيكرام سينغ، قُتل بوحشية داخل هذا المنزل، لكن جسده لم يُعثر عليه قط. منذ ذلك اليوم، يُقال إن روحه لا تزال تجوب المكان، تبحث عن قاتلها، وتنتقم من أي شخص يحاول كشف الحقيقة..."

شعرتُ بقشعريرة تسري في جسدي، لكن قبل أن أكمل القراءة، سمعتُ صوت خطوات قادمة من الممر! كان شخصٌ ما يقترب، لكنني لم أستطع رؤية أي أحد. فجأة، انطفأت الشمعة التي كنتُ أستخدمها للإضاءة، وأصبحت الغرفة غارقة في الظلام!

تسمرتُ في مكاني، غير قادر على الحركة. شعرتُ بأنفاس باردة خلفي، وكأن شخصًا ما يقف قريبًا جدًّا. استجمعتُ شجاعتي، استدرتُ ببطء، وهناك رأيته.

كان يقف هناك، طويل القامة، جسده مملوء بالندوب والدماء، ووجهه مشوه تمامًا، كأنما تعرض للتعذيب. عيناه كانتا مظلمتين، بلا حياة، لكنه كان يحدق بي مباشرة!

لم أستطع الصراخ، لم أستطع الهروب. شعرتُ بأنني مشلول تمامًا من الرعب. ثم، فجأة، رفع يده وأشار إلى شيء خلفي. التفتُ بسرعة، لكنني لم أرَ شيئًا، وعندما نظرتُ إليه مرة أخرى... كان قد اختفى!

في تلك اللحظة، سمعتُ صوت صراخ يأتي من الطابق العلوي. كان صوت أختي! ركضتُ بسرعة إلى غرفتها، ووجدتها جالسة على سريرها، ترتجف بشدة. قالت لي بصوت مخنوق:

"لقد رأيته! نفس الرجل الذي رأيته في الحمام! كان يقف عند باب الغرفة يراقبني، لكنه اختفى عندما اقتربتُ منه!"

لم يعد يوجد شك. هذا القصر ليس مكانًا طبيعيًّا، وكان علينا المغادرة فورًا. في الصباح التالي، أخبرنا العامل المسؤول عن القصر بما حدث. هذه المرة، لم يحاول إنكار الأمر. نظر إلينا بحزن، وقال بصوت منخفض:

"أنتم لستم أول من يرى هذا الشيء... كل من أقام هنا رأى ما رأيتموه، لكن ليس الجميع نجوا ليحكوا قصتهم..."

كلماته كانت كافية لإنهاء أي تفكير بالبقاء في المكان. حزمنا أمتعتنا بسرعة، وغادرنا القصر في ذلك اليوم نفسه. عندما نظرنا إليه للمرة الأخيرة، بدا هادئًا تحت أشعة الشمس، لكننا كنا نعلم الحقيقة.

غادرنا القصر المسكون، لكن روحه لا تزال فيه، تنتظر زوارًا جددًا... فهل ستكون أنت الضيف التالي؟

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة