في «يوم سعيد»، وعلى ما يبدو في «المنزل رقم 13» بحي عابدين، كانت السينما المصرية على «موعد مع السعادة»، إثر الصرخة الأولى التي تعلن قدوم «سيدة القصر» إلى عالمنا، ليس «في أول الشهر» من مايو، لكن في آخره من عام 1931م.
في ذلك اليوم، استعدت السينما المصرية لتكتب سطورًا ذهبية، تفجرت سبائكها من خزائن إبداع «المليونيرة الصغيرة» التي كانت لوالديها بمثابة «نور من السماء».. وانتشر خبر مولدها في الأرجاء المحيطة، فوّاحًا كعبير «الأزهار الفاتنة» التي تسحر العين وتسكر الإحساس، فعمَّت الفرحة، وتملَّك السرور من «قلوب الناس»، فأتوا إليها من كل صوب مهللين ومهنئين -أمها «ست البيت»، وأبيها «ابن الحلال» الخلوق- بمولدها؛ فهذه «عائشة»، وهذا «بيومي أفندي»، وذلك «بابا أمين»، أم «اليتيمتين» «خلود» و«دنيا» و«كل بيت له رجل»، الجميع جاءوا يحتفلون معًا بمولد «بنت الهوى» «دعاء الكروان» فاتن حمامة.
وكـ «الخيط الرفيع» الذي بدأ يشتد ويقوى في وقت غدت فيه رفات فتيانه أطلالًا «بين الأطلال»، بلغت «الهانم» الصغيرة سن الخامسة عشرة من عمرها، في زمن قيل عنه «زمن العجايب». وخطوة تلو الأخرى، تتقدم هذه الطفلة «المعجزة» «نحو المجد»، لتفتح «الطريق المسدود»، وتمد «طريق الأمل» نحو «نهر الحب» بفنها الراقي الجميل!
وعلى أرض الكنانة مصر حيث أمر الله الطبيعة أن «لا تطفئ الشمس»، أخذ يلمع نجم الفاتنة «ملاك الرحمة» على شاشات السينما، وبدأت «أيامنا الحلوة»، ونُكِّست رايات الجفاء السوداء، وعبارات «لا وقت للحب» و«أخلاق للبيع» التي روج لها قساة القلوب، وارتفعت رايات المحبة والوفاء مكتوب عليها «دايمًا معاك» وحب في النور و«حب في الظلام»، رايات قد غُمِر ساريها في «رمال من ذهب» حتى أصبح لكل «موعد غرام» آثار على الجدران و«آثار في الرمال».
وكـ«أبو زيد الهلالي» في شجاعته، طفقت «الأستاذة فاطمة» تفتح «أسرار الناس» المكتومة، وكل حائر مستغيثًا: «أشكي لمين؟» وعزمت سيدة الشاشة في قلبها قائلة: «لا أنام» ولن أنام حتى أفضح بأعمالي «المهرج الكبير» و«عبيد المال»، المرابي منهم والمرتشي والمجرم، وكل «إمبراطورية ميم» الفاسدة، الذين يأكلون «أموال اليتامى» ويستحلون «الحرام» حتى يسقط من على وجوههم «القناع الأحمر» وينالوا «العقاب»، إيمانًا بعبارة «لك يوم يا ظالم»، مدافعة عن أبرياء عاشوا كـ «ملائكة في جهنم»، في معركة فنية قوية أشبه بـ «صراع في الوادي» بين الخير والشر.
«سلوا قلبي» واجلسوني على «كرسي الاعتراف» إن شئتم، لتعرفوا كم كان عشقي لفنها واحترامي لأدوارها، فهي لم تكن «شيء في حياتي» فقط، بل هي «حكاية العمر كله»؛ ففي فيلم «أنا بنت ناس» كنت أراها «حبيبتي»، فأتفاخر بأني «ابن النيل» المكافح، آكل خبزي «من عرق جبيني»، وعندما أشاهد «الزوجة العذراء» أراها «الحب الكبير»، وحينما أشاهد حيرتها في فيلم «أريد حلًا» أراها «الملاك الظالم»، وعندما شاهدتها في «أفواه وأرانب» شعرت أنني أمام سيدة عظيمة تستحق الاحترام، «ولا عزاء للسيدات» اللواتي لا يضطلعن بمسؤولياتهن.
وتمر الأيام، «يوم مر.. ويوم حلو»، في «حياة حائرة»، وفي زمن يتجرَّع فيه كل حبيب مخلص «كأس العذاب»؛ لأن الحكاية السعيدة أشرفت على نهايتها، وفي «الليلة الأخيرة» من عمرها، بعد أن قدَّمت للسينما ما يقرب من ثلاثة وتسعين فيلمًا، أقربها إلى قلبي «لن أعترف»، «ارحم دموعي»، وكـ «رصاصة في القلب»، جاءت «ليلة القبض على فاطمة»، وفي لحظات «حب ودموع»، تنطلق روح «الملاك الأبيض» إلى باريها، وصوتها الرقيق في مسمعنا يقول: «الآن، أنا الماضي، لم أعد معكم بعد، فقد سافرت إلى «أرض الأحلام»، المكان الذي تمنيت، فتذكروني بالخير إن كنت لا أزال في ذاكرتكم».
فودِّعي، أيتها البشرية، مَن «كانت ملاكًا».. وسامحيني يا دموعي على نقض عهدي بأن «لا أبكي أبدًا»، اليوم أخلف وعدي وأحنث عهدي لأبكي فنانة لها في القلوب كثيرًا.. فوداعًا «من بعد الوداع» يا «لحن الخلود»، إلى جنة الخلد يا فاتن، و«حتى نلتقي».
جيد
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.