هذا هو الجزء الثاني والأخير من محاولة في تعريف الفن بصحبة تولستوي، أتحدث فيه عن موقف تولستوي من الفن المزيف، وملاحظات أخرى تتعلق بمحددات الفن الحقيقي وأسباب انتشار الفن المزيف ونماذج عن ذلك، مع تعليقات وتحليلات أسجلها حسب رؤيتي الشخصية.
تعريف ليو ما له وما عليه
يقول ليو: "الفن هو نشاط إنساني يكمن في أن ينقل إنسان ما بِوَعْيٍ وبوساطة إشارات خارجية معروفة الأحاسيس التي يشعر بها إلى الآخرين، والآخرون يُعْدَوْن بهذه الأحاسيس ويُعايشونها". فالمؤلف يركز على مسألة انتقال الأحاسيس من الفنان إلى غيره عن طريق الإعداء، ويختصر مفهوم الفن في هذين العنصرين: الإحساس والعدوى، فوجود إحساس ما داخل الفنان وقدرته على إعداء غيره به بحيث يصبح هذا الآخر حاسًّا بما انتقل إليه من أحاسيس؛ هذا هو الفن عند تولستوي.
وفي الحقيقة هو يكرر هذه المعاني عشرات المرات في جدالاته الواسعة مع الأوروبيين، بما يعني أنه يعتمد العبارة الآنفة تعريفًا حقيقيًّا في نظره، ويمكننا بناءً على هذا أن نُحاجِجَهُ ونتفق بعد ذلك أو ننقُضَ ما يراه، فبدايةً يُلاحظ على التعريف أنه جاء بصيغة مطاطية غير دقيقة ولا مضبوطة، وهو أمر غير متوقع بصراحة من المؤلف الذي أدى مجهودًا كبيرًا في نقد ماهية الفن في عصره ورصد نشوء وتطور الفنون وتاريخ علم الجمال منذ عصور أوروبا الأولى، فكيف لم يبذل جهدًا مخصصًا ووقتًا محددًا لتقديم تعريفه الخاص للفن الذي أقام عليه كل كتابه من بدايته إلى نهايته؟
لقد أشرتُ في مقدمة مقالتي الأولى "قراءة في كتاب «ما هو الفن؟» بصحبة تولستوي" إلى وجود نوع من الغموض أو التردد في عمل تولستوي عند إنجازه لهذا الكتاب وعند متابعته وتحليله ونقده لعشرات التعريفات التي قدَّمها الألمان والفرنسيون والإنجليز في علم الجمال وماهية الفن، وهو كان من ضمن الطبقة الأرستقراطية التي صار ينتقدها فيما بعد، وقد تحوَّل بقناعة ما إلى صوفي وإنسان بسيط تاركًا ملذَّات الدنيا وزخارف الطبقات العليا في روسيا وراءه، ولكن في الوقت ذاته بدا أنه لم يتخلص تمامًا من آثار تلك المرحلة التي عاشها في شبابه، فقد قال بجلاءٍ في هامش (ص: 211) تعليقًا على ضربِهِ أمثلةً للفن الحقيقي: "إنني إذْ أقدم نماذج من الفن الذي أعُدُّه أفضل فن؛ لا أعطي أهمية خاصة لانتقائي، لأنني إضافة إلى كوني غير خبير في كل الأنواع الفنية؛ [فإني] أنتمي إلى فئة من الناس ذوي الأذواق الفاسدة والمنحرفة، ولذلك فبإمكاني حسب العادات القديمة التي تربيت عليها أن أخطئَ وأن أثمن عاليًا تلك الانطباعات التي تركتْها الأشياء في نفسي في أثناء شبابي..".
هكذا يصارحنا الكونت ليو تولستوي بأنه وهو يؤلف كتابه عبر حلقة في مجلة "مسائل الفلسفة وعلم النفس" بين عامَيْ 1897 و 1898 أنه قد يكون ما زال تحت تأثير تربيته الباذخة ونشأته الأرستقراطية، وهذا الاعتراف يفسر كثيرًا في نظري ذلك التردد الذي كرره عشرات المرات تقريبًا وهو يطرح سؤال: "ما الفن؟" في كل مرة يورد فيها تعريفًا لأحد علماء علم الجمال الأوروبيين، والقارئ يلاحظ بكل سهولة تكراره لذلك السؤال حتى إنه يُخَيَّلُ إليَّ أن ذلك السؤال لم يكن ضمن أصل الكتاب بل كان كأنه سؤال داخلي وجدال ذاتيٌّ بين تولستوي الجديد الصوفي أو المتصوف الزاهد وبين تولستوي الشاب الكسول المُشبَّع بالمَلَذَّات والمُحاط بالشهوات، كان هذا الجدال عنيفًا بحيث يطفو على السطح دائمًا فيلمسه القارئ في هذا التكرار الساذج، هذا التردد الداخلي الذي كان يطبع المؤلف هو ما أثَّر مباشرة في عملية انتقاله من تمجيد الفن المُزيَّف إلى الخضوع للفن البسيط الصادق (وسيأتي الكلام على هذين المصطلحين)، وبذلك: التأثير في مفهوم تولستوي للفن ومحاولاته توضيح رأيه الجديد لأصدقائه الفنانين ولقُرائه من كل جيل، من أجل ذلك جاءت عبارته في تعريفه مطاطية غير دقيقة، فلماذا يكتب عبارة كهذه "الفن هو نشاط إنساني يكمن في أن يقوم إنسان ما بِوَعْيٍ وبوساطة إشارات خارجية معروفة"؟.
قلق تولستوي في عملية التعريف.. ما وراءه؟
كيف يكرر معنى واحدًا في لفظين متتاليين "نشاط إنساني - يقوم إنسان"؟ هذا التكرار لا لزوم له أبدًا، ثم ما هذا الغموض في عبارته "وبوساطة إشارات خارجية معروفة"؟ ما المقصود بالإشارات هنا؟ ولماذا يصفها بالمعروفة إذا كانت معروفة فعلًا؟ هنا يكمن قلقٌ كبيرٌ انتابَ الكاتب وهو يحاول تقديم تعريفه الخاص. وإذا سألنا تولستوي أو أي إنسان آخر يعرف أدنى حد من الفنون عن المقصود بتلك الإشارات فسوف يقول مباشرة: إنها الأعمال التي يمارسها الفنان سواء بصوته أو بحركاته أو بنُطقِهِ وغير ذلك، أليس هذا هو نفسه حين نقول "نشاط إنساني"؟ ونفسه حين نقول: "يقوم إنسان"؟ هذا التكرار لمعنى واحد في عبارة تعريفية هو دليل تردد واضح جعل الكاتب غير قادر على ضبط ما يختلج في نفسه من رؤية للفن، بين ما عايشه في شبابه من جهة مع الكم الهائل من التعريفات الواردة في كتابه التي راح فيما بعد ينسِفُها نسفًا، وبين نَقْلَتِهِ النوعية التي جعلت منه رجلًا متدينًا متصوفًا رافضًا لزخارف الدنيا؛ من جهة أخرى، وها هو أسلوب التكرار نفسه يظهر ثانيةً في نهاية تعريفه فنقرأ قوله: "بنقل الأحاسيس التي يُعاني منها إلى الآخرين، والآخرون يُعْدَوْن بهذه الأحاسيس ويُعايشونها"!
هنا يحاول تولستوي تأكيد شيء طارئ على ذهنه ولم يكن مستقرًا بما يكفي، وهو عنصر "الإعداء" في مفهوم الفن، لأنه أراد أن يتملَّصَ تمامًا من زيف الفنون الذي كانت الطبقات الغنية في أوروبا تتظاهر بأنها تتأثر به، في حين كان واقع الحال حسب تولستوي أنهم لم يكونوا يشعرون بأي شيء من أحاسيس الفنان أولًا لأنه لم تكن ثمة أحاسيس أصلًا وثانيًا؛ لأن ما كان يظهر على هؤلاء الأثرياء والدُّوقات والأمراء وكبار التجار ليس سوى مظاهر الانفعال العصبي التي كانت تُنتجها تزويقات "الفن المزيف" على مستوى أعصابهم لا أحاسيسهم من قَبيل: العبارات الأدبية الغامضة والجوفاء، والألوان والأصوات والنوتات الشاذة، الفارغة مما يعانيه الفنان.
قلت: كان المؤلف يهرب من تلك المناطق المتجمدة إلى المناطق الدافئة للفن الحقيقي، الفن الذي ينشأ في روح الفنان ويخلق لديه أحاسيس خاصة جدًّا يَقْدِر به على أن ينقلها إلى غيره ببساطة ودون أي تكلف، بل بمنتهى الصدق الذي يجعل المتلقي والفنان على مستوى واحد وقدْرٍ واحد من الإحساس، وهي الوحدة الإنسانية التي كان يرومها تولستوي في مذهبه الفني الجديد، من أجل ذلك نجده يكرر مسألة انتقال الأحاسيس وإعداء الآخرين بها، فيُعدَى الآخرون بها ويعايشونها! وكأنه يريد التأكيد على "توبته" من المذهب الأرستقراطي واعتناقه المذهب "الديني".
ومع هذا التكرار لثلاثة عناصر (النشاط، الإحساس، العدوى) عبر عدة كلمات؛ فإنه قد أضاف عنصرًا رابعًا قد لا ننتبه إليه كثيرًا وهو "الوعي" أي إن عملية نقل الأحاسيس تلك تكون عملية إرادية من تمام وعي الإنسان، ويبدو لي أنه باستعماله لعنصر "الإحساس" و"العدوى/ النقل" يمكن الاستغناء في تعريفه ذلك عن مفردة الوعي؛ لأنها متضمنة في ذينك العنصرين ولا بد، ولكن من جانب آخر هناك قصور في التعريف يتحدد بما قدَّمتُهُ سابقًا عن "المواد الاستهلاكية"، وأنها لا تدخل في مفهوم الفن مهما كانت جاذبيتها وجماليتها التي تفتن الناظرين؛ لأن الفن هو عَرَضٌ قائم بمادة معينة وليس هو المادة نفسها، فاللوحة الفنية هي "فنٌّ" بما تحمله من معنى لا بتلك المواد المُشَكَّلة منها؛ لأن تلك المواد متاحة لكل أحد في الطبيعة والإمكان البشري، والكتاب هو "فن" بما يحمله من معاني النص المطبوع بداخله لا بتلك الأوراق والأغلفة الآيلة للتمزُّق والزوال، وهذا شديد الوضوح، لكن يجب في نظري في الأقل استثناؤه داخل أي تعريف للفن حتى ينفصل الفن الحقيقي عن المواد المستهلكة التي قد تورث بعض الشعور أو شبيهًا بالشعور الذي يورثه شيءٌ من الفن الحقيقي.
ويجب أن أنبه إلى أن تولستوي في مُبتدأ سِجالاته مع أُولى التعريفات التي أوردها عن الأوروبيين قد انتقد بشدة ما تؤول إليه تلك التعريفات من تشبيه الفن بالطعام والشراب، إذْ يرى كثير منهم أن الفن هو ما يورث اللذة والمتعة للحواس، وهو ما يجعل الفن بمستوى واحد مع أنواع الأطباق والمشروبات، وهذا التوجه من التفاهة بمكان؛ لأنه يُطيح بمنزلة الفن ويجعله بمنزلة الشهوات البطنية والجنسية، وهذا ليس مُبالغة من أديب روسيا أبدًا، بل إن معظم اللوحات والتماثيل والروايات التي ظهرت في فرنسا خاصةً أصبحت تعرض مشاهد عُرِيِّ النساء والمشاهد الجنسية بكل صفاقة على أنها فن عظيم.
ولما كان مُنتجو هذا الهراء هم سادة أوروبا في عصورهم ومدعومون من الطبقات الحاكمة والبابوات والأمراء وأرباب المال، فإن كل ذلك بات هو الصورة المنتشرة التي يروج لها الإعلام على أنها الفن، حتى إن كانت لا تصور سوى تلك النزوات الجنسية الأكثر حِطَّةً والأوضح فجاجة لدى الناس، وأصبح كل من يتنكف عنها ما هو إلا عدو للفن، متشدد، رجعي، متخلف، بدوي، لا ينتمي للعالم المتحضر!
ومن المرعب أن هذا المظهر الاستهلاكي الجنسي للفن لا يزال رائجًا في الوطن العربي أنه هو الفن الأصيل والعظيم، وبات من يوصفون بأنهم كبار الأدباء والفنانين والنقاد يروجون لذلك بأوضح العبارات، وبات "تصوير مشهد جنسي بكامل تفاصيله" في رواية أو لوحة أو عمل سينمائي؛ هو نجاح وجرأة وقوة يتميز بها الكاتب والممثل والرسام تجعله في مصافِّ العظماء التاريخيين، حتى وإن كان لم يفعل أي شيء في عمله ذلك سوى التركيز على ذلك المشهد التافه، والإعلام الغربي غالبًا مملوكٌ لجهات تدفع الأموال الضخمة لتأكيد هذا المذهب الذي كان تولستوي قد جعله من أحطِّ المذاهب وكشف عن أصوله وتاريخيته بقدرة مذهلة، سنذكر وذكرنا سابقًا بعض ملامحها.
لقد بينتُ إذن؛ ضرورة أن يحضر في أصل تعريف الفن كونه منفصلًا عن أن يكون مُنتَجًا مادِّيًّا للاستهلاك، وهو ما لم يشر إليه المؤلف في تعريفه، وإن كان ذكره صراحة في حواراته قبل ذلك وبعده ولذلك اخترتُ أن أوظفه في تعريفي المقترح سلفًا.
الدين والفن الديني عند تولستوي
عمد تولستوي في تضاعيف كتابه إلى الحديث عن مسألة تاريخية شديدة الأهمية والارتباط في بناء ماهية الفن، وهي المسألة الدينية. فقد سرد موجزًا حقيقيًّا لتاريخ المسيحية منذ ظهور السيد المسيح عليه السلام إلى تبني الإمبراطورية الرومانية للدين المسيحي، وكيف بدأ التحريف الذي مس جوهر الدين التوحيدي فجعله مزيجًا من الوثنيات التي كانت روما تسيطر على شعوبها، ومن منطلق هذين الوجهين المتناقضين للمسيحية: الوجه الأصلي التوحيدي الحر، والوجه المُحرَّف الوثني الكَنَسي؛ راح المؤلف يُكوِّن عمليته الذهنية التحليلية والنقدية لما هو الفن في أوروبا المسيحية.
فالفن الحقيقي هو الفن المبني على الوعي الديني وهو يفسر الوعي الديني ليس بمجرد إقامة الشعائر الشكلية بل بوجود روحانية الدين الحقيقي في نفوس الناس، تلك الروحانية التي تربطهم بالخالق الأوحد الذي تنبعث منه كل الأحاسيس الجيدة القادرة على إنشاء أفكار فنية في الفنانين.
أما الفن المزيف فهو الصادر عن أنفس لا تعيش ذلك الوعي الديني ولا ترتبط بالخالق الأوحد، بل إما أنها تمتلك عقائد وثنية مثلما هو الحال في المسيحية المحرفة أو تمتلك عقائد مختلطة غير واضحة أو يغيب عنها الوعي الديني بكامله، وهو ما عليه سادة أوروبا الأرستقراطيون الذين على أيديهم نشأ الفن الحديث المملوء بالزيف؛ لأنهم لا يمتلكون أحاسيس مشتركة مع معظم الناس البسطاء، بل يمتلكون شيئًا زائفًا ينفعلون به انفعالًا سطحيًا عابرًا ينتهي بانتهاء آخر مشهد من العرض أو آخر صفحة من الكتاب.
وهذا هو حجر الأساس في البناء الجديد الذي شاده الأديب الروسي للفن، ويبدو دون شك عجيبًا جدًا ومُثيرًا للاستغراب في عصر كان عنوان الثقافة والتقدم في عموم أنحاء أوروبا هو التخلي عن الدين، يقول ليو: "ليس هناك ما هو أقدم وأتفه من المَلَذَّات، وليس هناك ما هو أكثر جِدَّةً من الأحاسيس التي ظهرت على أساس الوعي الديني في وقت معين، والأمر لا يكون إلا على هذا النحو: هناك حدود لِمَلَذَّات الإنسان وَضَعَتْها له طبيعته، أما حركة الإنسانية إلى الأمام -تلك الحركة التي يعبر عنها الوعي الديني- فلا حدود لها، وفي أثناء كل خطوة تخطوها البشرية إلى الأمام، وتكون هذه الخطوات عبر استجلاء الوعي الديني أكثر فأكثر، ولذلك فإنه فقط على أساس الوعي الديني الذي يُبين أعلى درجات فهم حياة الناس في مرحلة معينة؛ يمكن أن تنشأ أحاسيس جديدة لم يحس بها الناس من قبل.." (ص: 95).
وفي مواضع عدة أخرى (وأنا لا أريد أن أنقل كل شيء لأنها ليست مقالة قراءة في كتاب أو تلخيص؛ بل مقالة رأي تهميشًا على كتاب) أقول: يكرر في مواضع عدة أخرى مسألة الدين وضرورتها في تكوين الفنان، وفي إنشاء الأفكار الفنية الجديدة التي لا تنتهي، وبفضل الوعي الديني فقط حسب تولستوي ينشأ الفن الحقيقي الذي يوحد الناس جميعًا في أحاسيس صادقة ومشتركة فيما بينهم، ومع أن تولستوي بحكم أنه روسيٌّ وأوروبي يركز على الديانة المسيحية، لكنه في مواضع أخرى كثيرة يَجهر بأنه يقصد بالوعي الديني ليس المسيحية التوحيدية فقط؛ بل كل وعي ديني لأي مجموعة من البشر كانت.
ومهما يكن من أمر فإني أحببت أن أنقل هذا الكلام الأشد صراحةً في الكِتاب تجاه الفن الأرستقراطي: "إن الأغنياء والمُتَنَفِّذين الذين ما عادوا في وضع يسمح لهم بالديانة الكَنَسية التي بان خَطَلُها، وما عادوا في وضع يسمح لهم باعتناق العقيدة المسيحية الحقيقية التي ترفض حياتهم برُمَّتِها؛ فقد ظلوا دون أي فهم للحياة، ورجعوا دون إرادة منهم إلى وجهات النظر الوثنية تلك التي تفترض الحياة في المَلَذَّات الشخصية، وحصل بين الطبقات العليا ما يسمى بـ(بعث العلوم والفنون) الذي لا يعد من حيث الجوهر رفضًا لأي ديانة فحسب؛ بل واعترافًا بعدم الحاجة إليها". (ص: 76).
الفن الحقيقي والفن المزيف
وفي استطرادات ليو في انتقاد الفن كما هو عند الطبقات العليا في أوروبا؛ يبدأ في استعمال مصطلحين متقابلين: الفن الحقيقي/الفن المزيف. الفن الحقيقي هو المبني على الوعي الديني والفن المزيف هو المصطنع من غير وعي ديني واضح، وللكشف عما هو مزيف في الفن يضع تولستوي معيارًا محسوسًا واحدًا لقياس ذلك هو: العدوى، أي مدى تأثير الفن في الآخرين، فإذا تحققت العدوى كان الفن حقيقيًّا، وإذا انعدمت كان الفن مزيفًا: "إذا عانى الإنسان من هذا الإحساس وتأثر بحالة المؤلف الروحية وشعر باندماجه مع الآخرين؛ فإن الموضوع الذي أثار هذه الحالة هو الفن، وإذا لم تكن هذه العدوى ولا هذا الاندماج مع المؤلف ومتلقي النتاج؛ فليس ثمة أي فن، ولكن فضلًا على أن العدوى هي دون ريب سمة من سمات الفن؛ فإن مقدار هذه العدوى هو المقياس الوحيد للفن". (190).
المحددات الثلاثة للفن الحقيقي
وعن كيفية تحقق هذه العدوى وعن قوتها وضعفها يطرح ثلاثة محددات هي:
- المزايا الكبيرة أو الصغيرة للإحساس الذي ينقله.
- الجلاء الكبير أو الصغير في نقل هذا الإحساس.
- مصداقية الفنان، ويمكننا التعبير عنها كما يلي: التميز - الوضوح - الصدق، (عبَّر عنها الكاتب فيما بعد باختصار هكذا: الخاصِّيَّة، الجلاء، الصدق).
فالتميز هو مدى الخصوصية التي يتصف بها ذلك الفن عن غيره، والوضوح يقصد به الوضوح في التعبير عن أحاسيسه بأسلوب ينتقل بسلاسة للمُتَلَقِّين على اختلاف مستوياتهم التعليمية والثقافية وتنوع انتماءاتهم وأعمارهم، وأما الصدق فهو تطابق ما يريد الفنان التعبير عنه بما هو في نفسه تمامًا. وإذا كان المحددان الأول والثاني ماديين قابلين للقياس؛ فإن المحدد الثالث هو أمر معنوي غير محسوس، لكنه من جانب آخر يمكن أن يتجلى في قوة الانفعال الذي يظهر على الفنان، غير أن هذه المصداقية إذا أمكن أن تتجلى في أعمال بعض الأصناف الفنية كالتمثيل والموسيقى والمسرح، فإنه من الصعب القبض عليها في الأعمال الفنية الأخرى التي لا يشترط فيها تقابُلُ المبدع مع المتلقي مثل الكتب واللوحات.
كيف يمكننا قياس مصداقية الكاتب في ما يكتب؟
هذا يطرح مشكلة كبيرة في محاولة تولستوي ضبط الفروق بين الفنون الحقيقية والفنون المزيفة، بل كذلك كيف يمكن تفسير محدد "المصداقية" في فن التمثيل؟ أليس التمثيل بالأصالة تقمُّصًا لشخصية اخترعها كاتب السيناريو فيعمل الممثل على التظاهر بكل عواطفها وأحاسيسها وأفراحها وأتراحها المطلوبة منه وهو ليس صادقًا في أي من تلك الأحاسيس؟ قد يجيب بعضهم: بأن بعض الممثلين يؤدون أدوارًا عظيمة ومن شدة مصداقيتهم فإن التأثر يظهر عليهم كما لو كانوا حقيقة يُعانون من تلك المشاعر، لا سيما في مشاهد الحزن على الفقدان أو اللقاء بعد الفراق أو بعض مشاهد الانبهار، ربما علينا أن نميل قليلًا إلى ذلك المصطلح "الصدق الفني" وليس: الواقعي، أي مصداقية الفنان في التعبير عما أسند إليه من دور أو عما يرغب في ابتكاره من قصص ومشاهد، وليس بالضرورة أن يكون هو نفسه يعاني شخصيًا تلك الأحاسيس.
هنا وفي هذه النقطة إذا جرى التسليم بموضوع الصدق الفني سوف نكون عملنا انقلابًا مكتمل الأركان على رأي تولستوي في مصداقية الفنان؛ لأن مذهب تولستوي هو أنه لا يكون لدينا فنٌّ إلا إذا عبَّرَ شخصٌ ما عن شيء يحس به حقيقةً، وينقله إلى غيره بإحدى الصور التعبيرية، وهذا الصدق هو أهم المحددات عند تولستوي، يقول: "ولذلك فإن الشرط الثالث: الصدق؛ هو من أهم الشروط الثلاثة، ويتوافر هذا الشرط دائمًا في الفن الشعبي لأنه يؤثر تأثيرًا فعالًا، ويغيب تقريبًا كلية في فَنِّنَا، فن الطبقات الغنية الذي يصنعه دون انقطاع الفنانين من أجل أهدافهم ومطامعهم أو إشباعا لغرورهم.." (ص: 192).
أما المسار الآخر: الصدق الفني فهو قدرة الفنان على تقمص أي شيء أوكل إليه أو ابتكره هو، وهنا بالضبط ينفصل المذهبان عن بعضهما، ولا نصل إلى أي نتيجة بخصوص المحدد الثالث الذي رأى تولستوي أنه يحدد قوة العدوى التي هي معيار الفن الحقيقي في مذهبه، وسنتكلم بعد هذا عن صور التزييف الأربع التي يستعملها "فنانو أوروبا الأرستقراطيون" في بناء أعمالهم التي بواسطتها يؤكد تولستوي أنه يرفض فعلًا الفن غير الصادق مهما كان عظيمًا ومهما بذل أصحابه في إنشائه، ووجهة نظر الأديب الروسي جديرة بالمباحثة في عصرنا هذا؛ لأنه يرفض عبرها أن يصف بالفن الحقيقي أيًّا من الأعمال التي عدَّها الناس في وقته ويعدونها في وقتنا: أعظم الأعمال الفنية تاريخيًّا في الموسيقى والأدب والرسم والمسرح، وبسبب ذلك كان الأديب البريطاني جورج أورويل -بِحِسٍّ قومي- يتشدد في انتقاد تولستوي ويصفه بالمتعجرف سيِّئ الخُلُق!
إن تولستوي ومع تشديده على أن الفن الحقيقي لا ينبثق إلا من الدين حتى إنه بات يسميه الفن الديني؛ غير أنه يضطر في مكان آخر إلى تقسيم الفن الحقيقي إلى صنفين:
- الفن الذي ينقل الأحاسيس النابعة من الوعي الديني.
- الفن الذي ينقل أبسط أحاسيس الناس الحياتية التي يفهمها كل الناس في كل العالم.
ولكنه يوطِّئُ لذلك بأن القسمين معًا نابعان من الوعي الديني، ولكن هذا قد لا يُوافَقُ عليه؛ لأن الأحاسيس الطبيعية اليومية البسيطة قد لا تكون نتيجة للوعي الديني بل نتيجة للطبيعة البشرية نفسها، للاحتياجات الإنسانية في التعبير عن خيالاتها وأحاسيسها، وهذا قد ينشأ حتى في أشد حالات الإنسان انفصالًا عن الله وعن الأديان كلها، وربما بسبب هذه الحقيقة جاءت عبارة تولستوي قلقة بعض الشيء، إلا إذا رحنا نطالب تولستوي بتقديم رأيه الشخصي عمَّا هو الدين؟ وهو يرى أن كل المجتمعات في كل الأزمنة تمتلك وعيًا دينيًا ما، وينتقد في الوقت ذاته الفن المزيف الناشئ عن العقائد الوثنية، فهل كان يرى أن الدين السليم هو فقط الدين التوحيدي؟
في الواقع؛ كان صريحًا إلى أبعد حد في أنه عدَّ المسيحية الحقيقية هي مسيحية توحيد الله وعدم تأليه السيد المسيح عليه السلام، وأن تحريف المسيحية الذي حدث بعد ذلك أنتج لنا مسيحية باطلة مصابة بالخطل، مسيحية وثنية كَنَسيَّة بابوية لا علاقة لها بالدين المسيحي الصحيح، وهذا يساعدنا كثيرا في ترجيح القول إن تولستوي كان مُوَحِّدًا، وأنه مع ذلك كان يقدس جميع الأديان التوحيدية ويرفض جميع العقائد الوثنية والتعددية: "وينحصر جوهر الفن المسيحي في اعتراف كل إنسان بانتمائه إلى الله، وما يترتب على ذلك من وحدة الناس مع الله ومع بعضهم بعضًا، مثلما جاء في الإنجيل (ليكون الجميع واحدًا، كما أنك أنت أيها الأب فيَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا).." (ص: 201- 202، أنا أنقل العبارات كما هي مترجمةً من دون تدقيق لغوي، وإلا فهي زاخرة بالأخطاء اللغوية والركاكة التعبيرية).
إذن؛ جوهر الفن الحقيقي عند تولستوي هو توحيد الله، ومنه تنبثق كل الأحاسيس الصادقة وكل الأفكار الجيدة التي تنتج لنا فنًّا صادقًا وحقيقيًّا. وفي هذا المسار الديني يحاول كما أوضحنا قبل قليل أن يُدمِج الفن الناتج عن طبيعة البشر كذلك في الفن الديني التوحيدي، والحقيقة أن محورية الدين في تفسير ماهية الفن عند أديبنا الروسي تبدو شخصية ذاتية أكثر منها موضوعية، تأكيدًا منه على ما يبدو على انتمائه الديني التوحيدي وسلوكه الصوفي الذي سلكه بعيدًا عن حياة الترف، وإلا فالفن هو "صناعة إنسانية" نابعة من طبيعة الإنسان وتعبر فقط عن كونه إنسانًا يختلف عن سائر المخلوقات بخياله وأحاسيسه كما يختلف بعقله وكلامه، وذلك الخيال وتلك الأحاسيس موجودة لدى الملحد كما هي لدى المؤمن، ولا يمكن أن ننفيَ عن الملحد أنه إنسان ذو خيال وأحاسيس لأن هذا منتهى السفسطة، ولا يمكن أن ننفيَ أنه قادر على نقل تلك الأحاسيس إلى أشد الناس إيمانًا وأكثرهم تسليمًا لله بالتوحيد، وقد يكون الملحد في نقل أحاسيسه أصدقَ من مؤمن ما، وليس لهذا أي قاعدة سوى ذلك الصدق الذي يجعلنا نندمج تمامًا مع النص الذي نقرأه أو الموسيقى التي ننصت لها أو اللوحة التي نشاهدها.
الأساليب الأربعة لتلميع الفن المزيف
لقد سعى تولستوي إلى رصد الأساليب التي استخدمها أصحاب الفنون المزيفة لتبدو إنتاجاتهم شبيهة إلى أبعد حدٍّ بالفن الحقيقي الذي جعل منبعه الوحيد هو الدين التوحيدي ومعيار قوته الوحيد هو العدوى، فذكر أربعة أساليب جعلها هي الطرق التي ينفُذُ بها هؤلاء إلى قلوب الناس ويخدعوهم لتلقِّي إنتاجاتهم:
- الاقتباس
- التقليد
- إثارة الدهشة
- التشويق.
وراح يشرح كل ذلك بالتفصيل ويضرب الأمثلة حتى يبين مكامن الخلل في الأعمال الفنية المزيفة، وأنها اعتمدت أحد تلك الأساليب أو بعضها أو كلها معًا، قال شارحًا أسلوب الاقتباس: "يكمن الأسلوب الأول في أن يقتبس الفنان من النتاجات الفنية القديمة، إما أعمالًا كاملة أو بعض السمات المعينة من النتاجات الشعرية القديمة المعروفة ويعيد صياغتها، بحيث تصبح مع بعض الإضافات كما لو أنها نتاجات جديدة" (ص: 132).
أما أسلوب التقليد فقد شرحه بنحو مطول ويبدو لي حسبما فهمته أنه يعني به تقليد الواقع في الأعمال الفنية تقليدًا حرفيًّا يهدم أي فرق بين الفن وبين الواقع، وقد شرح كيف يكون ذلك في الرواية والمسرح والموسيقى والرسم، واستنكر تمامًا أن تصبح لوحة الفنان مطابقة تمامًا لمشهد في الحياة الواقعية؛ لذا فإن تولستوي يشترط لتتحقق فَنِّيَّة الفن أن تكون متميزة عن الواقعية المباشرة، تلك الواقعية التي لا يُحِسُّ القارئ أو المُشاهد أو المستمع معها سوى أنه بإزاء جزء عادي جدًا من حياته اليومية، فأصحاب الفن المزيف يلجأون إلى تقليد الواقع ليبدو أمام المتلقي أن عملهم "صادق" جدًا حتى يمتلكوا التأثير المنشود من عملية إنتاج الفن.
وعن الأسلوب الثالث "إثارة الدهشة" الذي عَبَّر عنه مرة أخرى بـ: التأثير في الأحاسيس الخارجية فهو بحسبه: استعمال المؤثرات الصوتية والشكلية والتصويرية عند إنتاج الفن للتعبير عما لا يمكن إظهاره من المشاعر أو لتصوير النزوات الجنسية وعذابات الموت ونحوها، ولكنه يضيف أسلوبًا آخر يستعمله الفن المزيف في عملية إثارة الدهشة وهو الخلط بين الفنون كخلط الموسيقى بالتصوير، وهذا الذي أضافه تولستوي يوحي بأنه يرى أن الفنون يجب أن تكون منفصلة بعضها عن بعض، وأن الفن الواحد حين يكون حقيقيًا قادر على التعبير عن أحاسيس الفنان دون اللجوء إلى التركيب بين اثنين أو أكثر من أجناس الفنون، ونحن لا يمكننا الاتفاق مع ليو في هذا الأمر مطلقًا؛ لأنه ما من مانع لاجتماع الفنون كلها أو بعضها في عمل واحد، بل هذا يعبر عن قدرة فائقة للمبدعين على تقديم مزيج متناسق، ويدل من جهة أخرى على أن كل الفنون قادرة على الوحدة المعبرة عن أحاسيس البشر، وأن اختلاف الفنون ليس إلا شبيهًا باختلاف اللغات البشرية في التعبير عن المعنى الواحد.
وفي الأخير يشرح تولستوي الأسلوب الرابع "التشويق" بكلام يُفهَم منه أنه يقصد به: الإلغاز وإثارة الغموض عبر سرد التفاصيل وإنشاء حبكة معقدة تجعل المتلقي يسرح في عملية تخمين طويلة لمعرفة الجزء الناقص، ويضرب أمثلة على ذلك بالروايات الإنجليزية في وقته وبالدراما والكوميديا الفرنسية، فهل كان تولستوي يرى في الروايات البوليسية "فنًّا مُزَيَّفًا"؟ يبدو ذلك قريبًا من التأكيد حسبما يُفهَم من مجمل كلامه خلال طول هذا الكتاب الذي يرى فيه أن الفن يجب أن يكون واضحًا؛ لأنه إنما يعبر فقط عن الأحاسيس البشرية المشتركة في الأصل، فلِمَ الغموض وإثارة الألغاز؟
ويختم شرحه لأساليب التزييف الأربعة بقوله: "غالبًا ما يرددون أن النتاج الفني جيد جدًا لأنه شاعري أو واقعي أو مؤثر أو ممتع؛ في الوقت الذي لا تكون الصفة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة ولا الرابعة مقياسًا لجودة الفن، بل ولا تملك أي شيء مشترك معه"! (ص: 137).
ومقصوده من كلمة "شاعري" هو أنه عمل مقتبس من الفنون القديمة، فالشاعرية هنا -والتي كررها فيما بعد عدة مرات لوصف بعض الأعمال المزيفة في نظره- هي الأعمال التي تستثير حنين القارئ والمتلقي إلى الزمن الماضي عبر استحضار الفن القديم الذي له مكانة عاطفية كبيرة في قلوب الناس، فهو يستخدم كلمة "الاقتباس" للحديث عن الأسلوب وكلمة "الشاعرية" للحديث عن العمل بحد ذاته، ولكن إذا كان تولستوي يرفض المذهب الواقعي في الفنون، ويرى أن الفن يجب أن يكتسب خصوصية تجعله مختلفًا عن الحياة اليومية (أو ما يمكن أن نعبر عن باللمسة الفنية)؛ فلماذا يرفض أسلوب "التشويق" في إنتاج الفن، وما هو إلا ارتقاء بالعمل الفني من الواقعية الخرقاء إلى التخييل الذي يدلل على بصمة الفنان وقدرته على ألا يكون مجرد صورة طبق الأصل عن الواقع؟ يبدو لي أنه يوجد نوع من التنازع.
حتى يواصل تولستوي إجهازه على مظاهر انتشار الفن المزيف في أوروبا؛ يخصص فصلًا كاملًا (بدءًا من ص: 147) للأدوات الخارجية التي ساعدت في انتشار مثل هذا الفن، فيذكر ثلاث أدوات هي: 1) المكافآت، 2) النقد الفني، 3) المدارس الفنية، ويقدم رؤيته الخاصة في كل واحدة منها وأنها جميعًا أسهمت بفظاعة في تقبل الناس للفن المزيف بدل الفن الحقيقي، ويضاف إليها في وقتنا المعاصر: 4) الإعلام التقليدي المُرَوِّج للرداءة، 5) وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت لها الكلمة الأولى في شهرة التافهين.
نشكر الكاتب على هذه المقاربة الثرية والماتعة، التي يجد فيها القارئ عمقًا فكريًا ورؤيةً نقدية وإضافة نوعية تحمل بُعدًا فنيا راقيًا.
وإذا سمح لنا الكاتب بطرح سؤال حول فكرته المثيرة للاهتمام، الواردة في الجزء الثاني، حيث يفترض أن الوعي كعنصر رابع متضمَّنٌ بالضرورة في الإحساس و النقل، أو ما اصطلح على تسميته بـ"العدوى"، وبالتالي يمكن الاستغناء عنه في تعريفه. وهنا نتساءل: هل الوعي دائمًا متضمَّنٌ و لا بد في الإحساس و العدوى، أم أنه عنصر متغيِّر الحضور يعتمد على طبيعة التجربة الفنية ودرجة إدراك الفرد لها؟
وهل يؤدّي الاستغناء عن ذكر الوعي كعنصر مستقلٍّ إلى جعل التعريف أكثر دقة، أم أنه يختزل أحد الأبعاد المهمة في فهم كيفية تفاعل الإنسان مع أحاسيسه ونقلها إلى الآخرين؟ لا سيما إذا علمنا أن العديد من العمليات النفسية تتم بشكل لا واع، كما أن العدوى قد تنتقل تلقائيًا دون وعيٍ من الفرد أو إدراك مباشر، فهل يكون الوعي متضمَّنًا فقط إذا كان النقل إراديًا موجَّهًا باعتباره المحرك الذي يسمح لنا بالتحكم في هذه العمليات والتفاعل معها؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.