عانت جزيرة جربة، المدينة الواقعة جنوب شرقي البلاد التونسية، منذ القديم من شح المياه بسبب موقعها في بيئة شبه جافة. وقد فرض هذا الواقع على سكانها ابتكار وسائل للتغلب على مشكلة نقص المياه.
من أهم تلك التقنيات التي ابتكروها منذ قرون، الفسقية التي أصبحت مع مرور الزمن مصدرًا رئيسًا لتوفير مياه الشرب في الجزيرة.
اقرأ أيضًا: كيف يمكنك قضاء شهر العسل في جزر المالديف؟
ما هي الفسقية
الفسقية في جربة بنية معمارية متكاملة صممت لتجميع أكبر كمية ممكنة من مياه الأمطار، وهي تختلف عن النموذج المشهور في تونس (فسقية الأغالبة بالقيروان)، فهي ليست حوضًا مكشوفًا بل بناء تحت أرضي يُحفر ثم يُسطح.
من عادات العائلات في جربة عند بناء مسكن جديد البدء بحفر الفسقيات، وهي صهاريج واسعة تُعد مسبقًا لتخزين مياه الأمطار.
تتجمع المياه على سطح الفناء الخارجي للمبنى، قادمة عبر قنوات فخارية من الأسطح المحيطة. يُراعى عند تسطيح هذه الأسطح درجة ميلان مدروسة، تُقاس بوسائل بسيطة كانت متاحة في تلك العصور.
ترتبط وظيفة الفسقية بكل مجالات الحياة في المجتمع الجربي (نسبة إلى جربة)، فلا يقتصر وجودها على المساكن الخاصة فقط، بل يشمل كذلك المباني العامة والمؤسسات الدينية.
فقد تنافس أهل البر في حفر وبناء صهاريج كبيرة في الجوامع، يمتد الواحد منها على مئات الأمتار المربعة. لهذه الصهاريج فتحات ضيقة عدَّة يُستخرج منها الماء. تُفتح هذه الفساقي التابعة للجوامع أمام عموم الأهالي للحصول على مياه الشرب، وتُستعمل للوضوء المصلين وشرب طلبة العلم المقيمين في مدرسة الجامع. ودرج أثرياء الجزيرة على بناء فسقيات في أطراف منازلهم حتى على الطرقات، يلجأ إليها المارة وتُسمى "فسقيات السبيل" (عابري السبيل).
معماريًّا، مثلت الفسقية عنصرًا مهمًّا من التراث المعماري، وأثرت في هندسة البناء في الجزيرة.
اقرأ أيضًا: رحلة إلى أجمل الجزر في العالم
تأثير الفسقية على المعمار الديني
يظهر تأثير الفسقية على المعمار الديني عن طريق تسطيح كل الفناء المسيج خارج بيت الصلاة في الجامع بمساحته الشاسعة وتركه شاغرًا. وقد فرض ذلك صف المرافق من ميضاة وكتاب (قسم تحفيظ القرآن للصبية) حتى غرف طلبة المدرسة على جوانبه بشكل هلالي، وذلك لجمع أكبر قدر من مياه الأمطار لتخزينها. بهذا يتحول الفناء إلى عنصر رئيس من عناصر الجامع لا يُستغنى عنه.
يظهر بناء الفسقيات في جربة نمطًا معماريًّا مميزًا للجزيرة، ويُبيِّن قدرة أهل الجزيرة على التكيُّف مع الظروف الطبيعية القاسية. أصبحت الفسقية من التقاليد الراسخة عند أهالي جربة، يتوارثونها أبًا عن جد، ما يظهر أهميتها في الحياة اليومية والثقافة المحلية.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.