ما الفرق بين الفرض والنظرية وماذا يشترط لقبوله؟

يختلف الباحثون في التعبير عن تعريف النظرية اختلافًا شديدًا، حتى إنه يختلف التعريف الواحد في كتاب واحد، فعرفها أحدهم مرة بأنها: «تأمل اختصاصي تفسيري للظاهرة التي لم تفهم بعد، أو تستند على مبادئ معروفة»، قم عرفها في موضع آخر بأنها: «نتيجة بحث علمي؛ فمن ثم تكون قادرة على التفسير السليم للمشكلة، أي الكشف عن العلاقات الوظيفية بين ظواهر معينة وتفسيرها وتوضيح القوانين المنظمة لها».

ففحوى ما عرفت به أنها أفكار منطقية، مترابطة، مستنبطة بعد البحث والدراسة، تفسر بها ظاهرة من الظواهر، وفالتفسير أهم وظائفها، ومعناه معرفة الأسباب التي بمقتضاها تحدث الظواهر، فيتوقع حدوثها، وتعرف أسبابها حين تقع، وقد شبه كارل بوبر أهمية النظرية للبحث العلمي بالشبكة التي نرميها لنلتقط فيها العالم، لنعقله، لنفسره، ولنتحكم فيه.

النظرية العلمية وغير العلمية

وقسمها بعضهم إلى نظرية علمية، وهي التي تستمد فروضها من الواقع الذي تعنى به، وتنتج بعد تحقيق صحتها بالتجريب بناء ذهنيًّا تجريديًّا في صيغة عامة، ونظرية غير علمية، تستلهم فروضها من مبادئ عامة جارية أو أفكار شائعة، أو من مسلمات لا تقبل التمحيص بالتجريب أو بطبيعتها، أو لم تكن قد محصت حقًّا تمحيصًا تجريبيًّا.

المفهوم ضمنًا أن مصطلح (نظرية) يعني تفسير ظواهر عدة في إطار معين

وقد يسمى (نظرية) كل ما تسفر عنه الدراسة من نتائج، والمفهوم ضمنًا أن مصطلح (نظرية) يعني تفسير ظواهر عدة في إطار معين، أما (الاستنتاج) فقد يصدق على نتائج البحث، أو نتائج إحدى خطوات البحث.

ما هو الفرض؟

لا يختلف ما قيل في الفرض عما قيل في النظرية، من حيث كون الذين عرفوها نظر بعضهم في تعريفها إلى ماهيتها، ونظر بعض إلى وظيفتها، فكان بين تعاريفهم من التخالف، وأكثر من تعرضوا للفرض، من غير الباحثين في فلسفة العلوم ونظرية المعرفة، انصب اهتمامهم في تعريفه على فائدته الإجرائية للبحث.

ويمكن تعريف الفرض بإيجاز بأنه نظرية لما تثبت، والفرق بينه وبين النظرية، أن النظرية هي ما ينتهي إليه البحث، والفرض هو البداية التي يبدأ منها، بعد تحديد قضيته.

فوائد الفرض

وللفرض فوائد، أهمها:

  • وضع البحث في إطار فكري محدد.
  • تخير الأسلوب الذي يجب اتباعه في البحث.
  • تحديد وجهة الباحث في جمع المعلومات، وعصمته من تشتت الاهتمام.
  • توضيح فكرة البحث وغايته.

وإذا كان الفرض نظرية لما تثبت، فإن ما يقال في أهميته للبحث هو ما قيل في أهمية النظرية له.

شروط قبول الفرض والقبول به

وليس الفرض تفسيرًا اعتباطيًّا للظواهر، بل هو تفسير منطقي مبني على معلومات دقيقة، ترجحه على غيره من الفروض، ولولا ذلك ما أدى إلى نتيجة، ولا كانت له تلك الفوائد المتقدمة، بل لكان ضرره أكثر من نفعه؛ لأنه يوجه البحث وجهة غير صحيحة، تبعده عن الحقيقة بقدر إمعانه في تطلبها، من أجل ذلك اشترط له:

  1.  ألا يعارض قانونًا طبيعيًّا.
  2. أن يتقيد بالوقائع المجربة.
  3. أن يكون واضح الدلالة، واضح اللغة.
  4. أن يرتبط بما سبقه من معارف.
  5. أن يكون قابلًا للقياس والإثبات.

ليس الفرض تفسيرًا اعتباطيًّا للظواهر بل هو تفسير منطقي مبني على معلومات دقيقة ترجحه على غيره

غير أن منبع الفرض -مع هذا كله- هو الخيال العلمي، وعلى قدر قوة التخيل والحدس يكون تميز الفرض ونفعه، ذلك بأن المعلومات المبعثرة التي لا رابط بينها، في الظاهر، لا يؤلف بينها إلا الخيال والحدس.

والخيال والحدس بهذا المعنى أثر من آثار العبقرية، فكلما اشتد الذكاء كان لصاحبه من لطف النظر وقوة الإدراك ما يجعله أقدر من غيره على الفرض، بهذا المعنى، ومن ثم كانت الفطنة لما يمر عليه أكثر الناس وهم عنه معرضون أبرز ما يميز بحوث العباقرة، على حين تتسم بحوث البسطاء بالتوقف عند وصف ظواهر الأشياء، وعدم النفاذ إلى بواطنها.

إن سعة العلم ومعرفة حقائق الأشياء وقوانينها معينة على إدراك علائقها بغيرها، واصطفاء احتمال دون احتمال، والظواهر الوجودية بينها من العلائق والروابط ما يمكن من معرفة بعضها من بعض، ولا سيما الظواهر التي تنتمي إلى حقل معرفي واحد.

ومن المفيد وضع أكثر من فرض للدراسة؛ لأن التمسك بفرض واحد، وإن كان يوفر وقتًا وجهدًا؛ يوقع في خطر جسيم، فهو حصر للبحث في احتمال واحد، قد ينتهي إلى نتيجة سلبية، من غير أن يثبت غيرها، والفروض المتعددة -ما توافرت فيها الشروط السالفة- يغلب على الظن أن تنتهي إلى نتيجة غير السلب فقط، هذا إلى أن الخضوع لفرض واحد قد يحمل الحقائق أكثر مما تحتمل، فيكون ما يكتبه (الباحث) غير معبر عن الحقيقة، بل يكون معبرًا عن لون تفكيره ونزعته وهواه، وهو تحيز ترفضه النظرية العلمية. 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.