الفاكويتا البحرية، أصغر الحيتان في العالم، لا يقطن سوى خليج كاليفورنيا، يواجه خطر الانقراض الوشيك، ويعد رمزًا حيًّا للأزمات البيئية التي تهدد التنوع البيولوجي في محيطاتنا، هذا الحيوان الفريد يطلق عليه بعض الباحثين اسم خنزير البحر، في هذا المقال سوف نكتشف معًا عالم الفاكويتا، وسنلقي الضوء على الأسباب التي أدت إلى تدهور أعداده، والجهود المبذولة لإنقاذه من الانقراض، وغيرها من المعلومات المهمة، فتابع معنا عزيزي القارئ.
حيوان الفاكويتا خنزير البحر
حيوان الفاكويتا أو كما يلقب باسم خنزير البحر، اسمه العلمي (Phocoena sinus) والمعنى الحرفي للاسم هو البقرة الصغيرة، وهو نوع نادر من خنازير البحر يستوطن فقط الطرف الشمالي من خليج كاليفورنيا (بحر كورتيز) في المكسيك؛ لذا يعد أحد أكثر الثدييات البحرية تهديدًا بالانقراض في العالم.
تعيش هذه الكائنات (الفاكويتا) في مياه غنية بالأسماك والروبيان (الجمبري)، وهي بيئة تجذب الصيادين الذين يعتمدون بصفة أساسية على الشباك الخيشومية، ما يعرضها لخطر الصيد العرضي والتشابك في هذه الشباك.
تعد الفاكويتا أصغر أنواع الحيتان والدلافين وخنازير البحر، إذ يبلغ متوسط طولها نحو 150 سم للإناث و140 سم للذكور، وقد اكتشفت لأول مرة في عام 1958، والذي اكتشفها اثنان من علماء الحيوان هما (كينيث س. نوريس) و(ويليام إن ماكفارلاند)، واكتشفاها استنادًا إلى الوصف الأولي لها، عن طريق دراسة عينات الجمجمة التي جرفتها الأمواج إلى الشاطئ.
ولكن على الرغم من ذلك؛ فإن العلماء لم يتمكنوا من وصف مظهرها الخارجي بالكامل إلا في عام 1985، بعد العثور على عينات جديدة منها.
يعرف هذا النوع من الحيتان بخجله وصغر حجمه، إلى جانب قدرته على المراوغة جيدًا، إلا أنه معرض لخطر الاختفاء بسبب النشاط البشري غير القانوني، مثل الصيد الجائر، خاصة استخدام الشباك الخيشومية في صيد الأسماك.
وصف وسمات الفاكويتا
تتميز حيتان الفاكويتا الصغيرة بعدة خصائص فريدة تجعل من السهل تمييزها عن أي نوع آخر من الحيتانيات أو (الحوتيات) في موطنها، ومن أبرز هذه السمات شكله وحجمه الصغير جدًّا مقارنة بباقي أنواع الحيتانيات الحية، إذ تمتلك هذه الكائنات البحرية جسدًا صغيرًا وقويًّا برأس مستدير خالٍ من المنقار المميز، ويبلغ طول الذكور الناضجة منها نحو 140 سم، في حين يصل طول الإناث إلى 150 سم، فيظهر هذا النوع ازدواجية الشكل الجنسي، فتكون الإناث الناضجة أطول من الذكور.
تبرز حول عيون الفاكويتا وشفتيها بقع سوداء واضحة، ما يمنحها مظهرًا مميزًا، ويراوح لون الفاكويتا بين الرمادي الداكن على الظهر والرمادي الفاتح على الجوانب، أما بطنها فهو أبيض اللون مع علامات رمادية طويلة.
بينما تمتلك الفاكويتا حديثة الولادة لونًا أغمق مع هامش رمادي عريض يمتد من الرأس إلى الزعانف، وصولًا إلى الزعانف الظهرية والصدرية. كما أنها تمتلك زعنفة ظهرية مثلثة الشكل، وتكون أطول وأعرض من زعانف الحيتانيات الأخرى، ما قد يساعدها في تنظيم درجة حرارة جسمها في المياه الدافئة.
ما يميز ذكور خنازير البحر وجود زعانف ظهرية أطول مقارنة بالإناث، إضافة إلى ذلك، تمتلك الفاكويتا أسنانًا صغيرة على شكل مجرفة تساعدها في صيد فرائسها، وغالبًا ما تعيش في المياه الضحلة بالقرب من الشواطئ، لكنها معروفة بطبيعتها الخجولة، فهي تسبح بعيدًا بسرعة عند اقتراب القوارب منها.
أماكن توزيع حوت الفاكويتا
توجد الفاكويتا بصفة أساسية ومقتصرة على نطاق جغرافي صغير للغاية، حيث تعيش هذه الكائنات في الجزء الشمالي من خليج كاليفورنيا في المكسيك، في بحر كورتيز بالتحديد، وتفضل هذه الحيتان الصغيرة سكن المناطق الواقعة شمال خط العرض 30º45'N وغرب خط الطول 114º20'W.
وتفضل حيتان الفاكويتا المياه الضحلة والعكرة التي لا يتجاوز عمقها 150 مترًا، ويمتد نطاق انتشارها الحالي على مساحة تقارب 4000 كيلومتر مربع، وتتركز الآن في منطقة صغيرة بالقرب من مدينة سان فيليبي في الجهة الشرقية.
تهديدات بقائه على قيد الحياة
يرتبط وجود الفاكويتا عمومًا بوجود سمكة التوتوبا، إذ يواجه حيوان الفاكويتا تهديدًا وحيدًا يتمثل في الوقوع في الشباك الخيشومية المستخدمة في الصيد بسبب اصطياده عن غير قصد، نتيجة الصيد المفرط لأسماك التوتوبا الذي بدوره أدى إلى تعرض الفاكيتا لفقدان أعداد كبيرة من صنفها.
أدرك العلماء أن مصايد الأسماك سواء التجارية أو الصغيرة كانت تصطاده في بين الثلاثينيات والسبعينيات، وعلى الرغم من إغلاق هذه المصايد عام 1975، فقد استمرت عمليات الصيد غير القانونية باستخدام الشباك الخيشومية في تهديد الفاكويتا، سواء في أثناء صيد أسماك التوتوبا أو الجمبري والأسماك الأخرى.
ومع بقاء نحو 10 أفراد فقط من الفاكويتا، يواجه هذا النوع خطر الانقراض الوشيك، ما لم يُفرض حظر كامل على الشباك الخيشومية في موائله.
وعلى الرغم من الجهود الحكومية -بما في ذلك الحظر الجزئي عام 2015- وإنشاء منطقة حظر دائمة في 2017، لا يزال الصيد غير القانوني تهديدًا مستمرًّا لبقاء الفاكويتا، فهو السبب الرئيس لانخفاض أعدادها، ما يجعلها على حافة الانقراض، ويستدعي تدخلًا عاجلًا لحمايتها من الانقراض.
الجهود المبذولة لإنقاذ الفاكويتا من الانقراض
تبذل كثير من الجهات الدولية والوطنية جهودًا مكثفة لحماية حيوان الفاكويتا واستعادة أعداده المتناقصة، إذ تلتزم إدارة مصايد الأسماك التابعة للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، بالتعاون مع الحكومة المكسيكية والفريق الدولي لاستعادة الفاكويتا (CIRVA)، بالقضاء على الصيد بالشباك الخيشومية داخل موطنه.
ومن بين الإجراءات المتخذة لحماية هذا الكائن المهدد بالانقراض فرض حظر دائم على استخدام الشباك الخيشومية، ومكافحة الصيد غير القانوني، واستخدام تقنيات الرصد الصوتي لمتابعة جهود الحفظ.
وقد أُنشئت لجنة دولية من الخبراء لتطوير بديل آمن للصيد يحل محل الشباك الخيشومية، وتشمل شباك الجر الصغيرة والفخاخ الخاصة بصيد الروبيان والأسماك.
وأطلقت المكسيك عام 2008 برنامج PACE-VAQUITA لتشجيع الصيادين على تغيير معداتهم واستخدام شباك صيد آمنة للفاكويتا، وعلى الرغم من هذه الجهود، لا يزال الفاكويتا مدرجًا ضمن القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، كونه أكثر الثدييات البحرية عرضة للانقراض، ما يستدعي اتخاذ تدابير عاجلة لحمايته قبل فوات الأوان.
انتهت رحلتنا الشيقة في عالم الفاكويتا البحرية التي تعلمنا فيها أن هذا الحيوان يواجه خطر الانقراض الوشيك، وعلى الرغم من الجهود المبذولة لحمايته؛ فإنه لا يزال في مواجهة مع مصيره؛ لذا أتمنى أن تسهم يا صديقي في التنبيه على أهمية هذا الحيوان الفريد من نوعه، وأنه يستحق أن تراه الأجيال القادمة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.