جاءت تسألني عن الغُربة، الوحدة، والألم.
تعجبتُ كيف لهذه الصغيرة أن تختبر تلك الثلاثية الصعبة مبكرًا؟!
قلتُ لها: إن الأمر سلاح ذو حدَّين يا صغيرتي فانتبهي. فعندما تأتيكِ تلك المشاعر مجتمعةً فإما أن تُهلكك وتدمرك، وإما أن تُنقذك وتغيِّرك مدى الحياة.
نظرتْ بتعجب وتساءلت: وأنَّى للسُّم أن يُنقذ روحًا؟ وكيف للداء أن يكون الدواء؟
أجبتُها مبتسمة: أوَما علمتِ أن مِن بعض السموم تُصنع الأدوية؟!
وأن مِن رحم المعاناة يولد الإبداع؟!
وهل يولد الطفل الصغير إلا بعدما تذوق الأم مخاض الألم، وتكاد تكون على شفا الموت، ثم تبتسم وهي ترى صغيرها وتحتضنه للمرة الأولى؟!
مسحت دموعها، وجلست منتظرة أن أخبرها بالمزيد.
فتابعتُ وقد أسعدني ذاك التحول الذي اعتلى مُحيَّاها.
الأمر يتلخص في نظرتكِ لهذا الألم، فإما أن تريه درسًا قاسيًا نجوتِ منه وأصبحتِ أقوى وأكثر خبرة ودراية بتحديات الحياة، وإما أن تجلسي عنده وتوقفي حياتك، وتظلي باكية متألمة تتساءلين لماذا أنا؟ وكيف حدث؟ وإلى متى؟
وتستسلمين لذاك الجرح وتنزفين وتغرقين في شعورك بالألم والأسى، وتعتادين ذاك الشعور، وتظنين مخطئة أن تلك هي الحياة، ووالله ما هي بحياة أبدًا، ولم تكن.
ثُم ارتشفتُ من قهوتي وتابعتُ: دعينا نتخيل أن تحديات الحياة كالبحر، في حين الناس تُبحر في قواربها، فهل ستكون الرحلة ممتعة إن سارت الرحلة على وتيرة واحدة؟
أجابت: أتمنى لو قلتُ نعم، ولكن أظن أن الصواب أن أقول لا للأسف.
قلتُ: ولمَ الأسف. فأين دور الرياح في هذه الرحلة؟ إنها تجري كما شاء الإله لها.
ومن رحمته سبحانه أن الرياح ليست عاصفة على الدوام، وإنما تعصفُ حينًا وتهدأ حينًا.
وهي عندما تشتد فهي تأتي لتخبركِ أن انتبهي؛ فهناك في سفينتك مواطن ضعف أدركيها، وأصلحيها، لتصبح أمتن وأقوى، فإذا ما أتتك عاصفة أخرى قاصدة المكان نفسه ستتجاوزينها بنجاح وبسرعة وبلا أضرار بالغة.
أما حين لا تفهمين الدرس فستتوالى عليك العواصف، تاركة أضرارًا بالغة وأنتِ مكتوفة الأيدي لا تدرين ماذا تفعلين؟ أو لماذا أتت العاصفة أصلًا؟ أما كان من الأفضل لها ألا تأتي وتتركني أحيا في سلام؟
ولكن يا صغيرة، ما لهذا الهدف كانت الرحلة.
وهنا انتهت جلستنا، وأنتظركِ المرة القادمة لأخبرك بمزيد من الكلمات.
👍👍👍
😊😊😊
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.