قد يتبادر إلى الذهن أن الفضاء فراغ شاسع ومظلم، لكن الحقيقة تكشف عن عالم مملوء بالمكونات المتنوعة والمدهشة. في هذا المقال ننطلق في رحلة استكشافية للإجابة على سؤال محوري: ماذا يوجد في الفضاء حقًا؟ سنتعرف على الغازات التي تكوِّن الجزء الأكبر منه، والغبار الكوني المحفز للتفاعلات، والأجرام السماوية المتنوعة من نجوم وكواكب ونيازك، ونكشف النقاب عن المادة المظلمة الغامضة التي تحافظ على تماسك هذا الكون الهائل.
ماذا يوجد في الفضاء؟
إن الفضاء يتكون في أكثر من 90% منه من الغازات، ويمثل غاز الهيدروجين أكبر نسبة من الغازات؛ نظرًا لأنه الأخف وزنًا والأبسط تركيبًا، فهو يتكون من بروتون واحد، وحتى في الكون، يتوفر الهيدروجين بدرجة أوفر من باقي الغازات.
يليه غاز الهيليوم ولكن بنسبة أقل، وهذه الغازات غير موزعة في الفضاء بالترتيب، بل إنه يوجد نسب عالية من الهيليوم مثلاً في مناطق معينة عن غيرها، بالإضافة إلى بعض العناصر النادرة الأخرى مثل الإيريديوم.
ويمكن تقسيم الغازات في الفضاء كالتالي:
- السُّدم: وهي تشبه الغيوم أو السحاب منخفضة الحرارة، وتتكون من ذرات الهيدروجين، ويصدر منها نسبة إشعاع ضئيلة، وهي مصدر نشأة النجوم.
- الهيدروجين المؤين: وهو ينشأ بسبب كميات كبيرة من الأشعة فوق البنفسجية الناتجة عن النجوم حديثة النشأة.
الغبار الكوني جزيئات صغيرة ذات تأثير كبير في التفاعلات
وهو مكون أساسي من مكونات الفضاء، ويتكون من مجموعة من الغازات والعناصر، منها الأكسجين والكربون والحديد، لكنه لا يمثل إلا نسبة ضئيلة جدًا من الفضاء، لكنه يُعد محفزًا لحدوث التفاعلات الكيميائية داخل الفضاء بسبب كمية العناصر الموجودة داخله.
وقد تتجمع ذرات الغبار مع بعضها لتكوين كواكب جديدة أو نجوم، ويحتوي الفضاء بعض الإشعاعات الكونية المتبقية من حدوث الانفجار العظيم، ولمن لا يعلم ما هو، يمكنه الرجوع إلى مقال ما الفضاء؟ وكيف تكون؟
أجرام سماوية جسيمات متحركة في الفراغ الكوني
وهي جسيمات متحركة في فراغ الفضاء، بعضها يدور حول الشمس، وبعضها يدور حول نفسه، والجزء الثالث يدور حول الاثنين معًا مثل كوكبنا منها:
النجوم
هي أجرام سماوية تتكون من غازي الهيدورجين والهيليوم، وكلما زاد حجم النجم؛ دل ذلك على صغر عمره؛ لأن النجوم لها دورة حياة قد تمتد لمليارات السنين.
الكواكب
هي أجسام تدور حول الشمس يحمل كل منها مدارًا مستقلًّا به، وجاذبية منفصلة عن جاذبية الشمس، والفرق بين القمر والكوكب أن القمر يدور حول جسم آخر، في حين أن الكوكب يدور حول الشمس.
النيازك
هي مجموعة من الصخور المتناثرة في الفضاء عن طريق انفجار أحد النجوم، وتختلف أحجام هذه الصخور فمنها العملاق بحجم الجبل أو بحجم كوكب الأرض كله، ومنها الصغير بحجم حبة الرمال، وفي كل الأحيان يعمل غلافنا الجوي على تفتيت هذه الصخور وإذابتها قبل الوصول للأرض لتظهر كأنها خيط من الضوء في السماء.
والعجيب أن تلك الأجسام تتحرك بطريقة دقيقة ومنظمة حول محورها، دون أن تسقط في الفراغ مثلًا، أو تهوي إلى أعماق الفضاء، ويعزو العلماء هذا إلى وجود المادة المظلمة.
المادة المظلمة اللغز الخفي الذي يحافظ على تماسك الكون
إنها المادة اللاصقة التي تربط كل الأجسام في الفضاء ببعضها، فكما تمنعنا الجاذبية من الطيران وتقف بنا على أرض صلبة، فإن المادة المظلمة تربط كل تلك الأجسام في مكانها، فلا يسقط أحدها على الآخر ولا يرتطم به، وتمثل نحو 75% من الفضاء.
إن المادة المظلمة مادة خفية لا تمتص الضوء ولا يمكن رؤيتها بأي وسيلة. فأنت ترى قطعة الملابس مثلًا قطعة كاملة، ولا ترى الخيوط الدقيقة التي تربطها، وترى حائط منزلك كاملًا مكتملًا دون أن ترى ما وُضع من مواد أسمنتية وخرسانة لتربط كل طوبة بمثيلتها، فالمادة المظلمة لا تُرى، إنها كقطعة النسيج السوداء التي تتناثر عليها جسيمات الكون.
انتشرت تلك النظرية للمرة الأولى عام 1984 عبر بعض العلماء والفيزيائيين الأمريكيين، فهي تُعد نظرية ولم تصل لمرحلة اليقين بعد، في حين تكشف بعض الدراسات الحديثة أن المادة المظلمة غير موجودة، فعدم رؤية الشيء لا يعني أنه غير موجود ببساطة، وأن ثبات الأجرام السماوية داخل الفضاء وحركتها الدقيقة يعود إلى أسباب أخرى.
لماذا الفضاء مظلم؟ تفسير غياب التشتيت الضوئي
إن هذا سؤال منطقي، فبينما تغمرنا الشمس بالضوء والحرارة وهي على تلك المسافة البعيدة، لا بد أن يكون الفضاء متألقًا ومنيرًا بوجود الشمس نفسها.
لكن هذا لا يحدث لأن ضوء الشمس ينتقل في خط مستقيم ولا يوجد ما يشتته كما يحدث عندنا، فهو يتشتت قبل وصوله إلى الأرض بفعل الغلاف الجوي وما به من غازات، لذا نرى السماء زرقاء. أما في الفضاء، فلا يوجد ما يشتت ذلك الضوء، فيظهر الفضاء باللون الأسود.
لذلك، أيضًا، لا يوجد في الفضاء ليل أو نهار؛ لأنه لا يوجد هواء، وبذلك لن يتشتت شعاع الشمس وينتشر كما يحدث في غلافنا الجوي. فالظلام هناك دامس مع صمت تام ومرعب، فلا يمكنك إلا أن ترى قرص الشمس يتألق وسط هذا الظلام.
الفضاء والحرارة والزمن بيئة قاسية وقوانين نسبية
الفضاء بارد جدًّا، حيث تصل درجة الحرارة إلى أكثر من 270 درجة تحت الصفر، وهي لا تصلح لمعيشة أي كائن حي، ثم إن الزمن في الفضاء يختلف تمامًا عن مقاييس الزمن المعروفة، فهو يسير بشكل أبطأ بكثير مما هو على الأرض، وهذا مما فسرته النظرية النسبية الشهيرة للعالم "ألبرت أينشتاين".
هل الشمس هي أكبر جسم في الفضاء؟
إن الشمس هي المركز لكل ما حولها، لكنها ليست أكبر جسم في الفضاء؛ لأن الشمس جزء من نظام شمسي كبير ومعقد يتكون من مجموعة كواكب تدور حولها، تتخللها بعض النيازك والمذنبات من حين لآخر، وكل هذا سنتعرف عليه في المقالات القادمة بالتفصيل.
الفضاء ليس فراغًا مثلما تتصور بل هو نسيج غني بالغازات والأجرام والمكونات الخفية التي تضمن اتزان الكون وديمومته. ومع استمرار العلماء في اكتشاف مزيد من أسراره؛ تزداد دهشتنا من هذا الامتداد الهائل الذي يظهر عظمة الخالق. ترقبوا مقالاتنا القادمة لنخوض معًا أعماقًا جديدة من الفضاء وعجائبه.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.