ليست العين الكلمة والحرف، بل إحدى حواس الإنسان الخمس، وأساس خلقه، تقول أولى آيات القرآن الكريم: {خلق الإنسان من عَلَق}، بل إنها شريكة الليل في الأسطورة الشهيرة عين وليل.
اقرأ أيضاً سر الخلق في وصف العين.. تغازل الشعراء والفلاسفة للعين
العين ناقلة الإحساس والكلام من القلب
وهي إلى ذلك صديقة السهارى والحيارى، وعشاق المواويل ومؤلفيها، وواصلة العشق والهيام والغرام في الأيام والليالي الطوال، ليس فقط في أفلام الخمسينيات والستينيات من القرن المنتهي ولايته، بل إنها العين ناقلة الإحساس والكلام من القلب والورق والشفاه المطبقة وشبيهة الهمزة لا سيما أعلى الألف أولى الحروف.
اقرأ أيضاً احذروا العائن والحاسد تفلحوا
أشهر أبيات الشعر التي قيلت في العين
من أشهر أبيات الشعر التي قيلت في العين بيت ذي الرمة:
وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولان بالألباب ما تفعل الخمر
وشكا من العين وأفعالها ابن الرومي، لكن على طريقته العذبة:
ويلاه إن نظرت وإن هي أسبلت ... وقع السهام ونزعهن أليم
وعين العراق نطق بها السياب شاعر العراق المغدور من هذا وذاك:
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
وعين الغَلّة بتفخيم الغين، جملة يطلقها بعض العرب في محافظة المنيا، وأظنها لا تزال تُستعمل في الفيوم وأسيوط وقنا، وتطلق على أبناء العائلات ذوي الحسب والنسب.
اقرأ أيضاً أجزاء وأمراض العين.. تعرف عليها الآن
العين كريمة الغياب كاملة الحضور
والعين أيضًا تقع في مقدمة أحد أحياء مصر القديمة، وهي عين شمس وأولى جامعاتها أيام المصريين القدماء (أون)، وثاني جامعاتها في العصر الحديث، وغنّى المصريون:
(قولوا لعين الشمس ما تحماشي)، في وداع البطل الشعبي إبراهيم الورداني، وهو الفلكلور الذي أعادت إنتاجه الفنانة الراحلة شادية.
والعين كريمة إن غابت، كاملة إن حضرت، فإننا نقول على من فقد عينه أو وُلد كفيفًا: «عينه كريمة» تجنبًا للمكروه من الكلام، وتكريمًا للفعل والفاعل والمفعول لا سيما إن كان الفعل ربانيًا.
عين العقل الحامية والمنتصرة
أما العين الكاملة فهي عين أودجات الحامية؛ عين انتصار النور على الظلام (عيني عليك باردة)، عين حورس اليسرى هي عين القمر المكتمل في تمامه (قمر أربعتاشر).
وترتبط العين جزئيًا وكليًا عند قدماء المصريين بالوعي والحكمة، فهي وسيلة الشوف والرؤية الروحانية التي تنبع من الداخل، ولم يعتقد المصريون أن الضوء يتجه نحو العين.
ولازمت العين العقل في المقولة الشهيرة «عين العقل»، هذا التراث الكبير الذي يظهر، ونستعمله وقت الحاجة، وارتبطت كذلك بالقلب ارتباطًا وثيقًا رغم بعدهما العضوي في جسد الإنسان؛ وهو ارتباط البصر بالبصيرة التي منبعها القلب، فهي أول العلم دون «أل» التعريف، والعالمة -لا تقف عند المعنى الذي تراه سيئًا لهذه الكلمة- والعلوم والعلو والارتفاع.
العميد وعين القلب
طالب عميد الأدب العربي طه حسين، أستاذ الشوافين العظام في عصرنا الحديث بوصوله لتلك الدرجة من العلم التي تربط بين البصر والبصيرة «العين والقلب»، وبين الرؤية الداخلية والخارجية للأشياء، ولقد كتب الأبنودي أجمل أغاني نجاة «عيون القلب».
وتقارن العين بمركبي الصباح والمساء في إشارة إلى رحلتي الصباح والمساء في النصوص المصرية القديمة، فحورس عندما يفتح عينيه ينير الكون كله، وحين يغلقهما يحل الظلام؛ لذلك فإننا نقول العين عليها حارس بقلب حرف العلة الواو ألفًا، وهو القلب المتعارف عليه في اللغة العربية، فيصبح أصل المقولة «العين عليها حورس».
أسطورة عين حورس
تقول الأسطورة: «إن ست اقتلع عين حورس، وبعد أن عثر عليها، ابتهلت أمه الإلهة إيزيس لروح أبيه أوزير، فأعاد العين إلى مكانها، ووضع لعابه على جرح ابنه حورس فشفاه، فقال حورس لأبيه: لقد رفعت رأسي، وها أنا أرى وأعيش من أجلك، ومن يومها أصبح من المعتقد في مصر القديمة أن حورس اكتسب عينه اليسرى من القمر واليمنى من رع».
ولا يزال المصريون حتى اليوم ينفخون في العين بواسطة الفم حين يطالها أذى، لكن يضعون عازلًا من الشاش أو القماش بين الفم والعين.
تميمة العين التي لا تعلو وتعلو على الحاجب
ولا تعلو العين على الحاجب أبدًا، فلطالما أدى الحاجب دوره كاملًا في حمايتها وحراستها من أي أذى، أما إذا لم يؤدِّ مهمته فإنها تتورم وتعلو عليه معلنة احتجاجها الرسمي والفعلي عليه.
وتستحق العين أن تصبح طلسمًا أو تميمة ليس فقط لأننا نخاف من العين، ونضع فيها «عود عين الحسود، أو حصوة في عين اللي ما يصلى ع النبي»، «العين صابتني ورب العرش نجاني»، وللحديث بقية.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.