«العوامل الذاتية».. خواطر فلسفية

للإنسان في باحات حياته مواقف تقيمه فيها أسباب شتى، ولكل موقف منها لوازم تستولي على فؤاده وتتسلط على عواطفه، فتجبره على سلوك السبيل الملائم لها الموافق لمراميها رغم أنفه.

الإنسان كائن مفكر تقع عليه الحوادث، فلا يدعها تمر بدون أن يتعقلها على وجه ما، وقد يقع في تعقله وإدراكه الغلط والقصور. والعوامل التي تدفع الإنسان بقواها ومؤثراتها فتقف به في ساحات وجوده في المواقف المختلفة، كثيرة متنوعة متداخلة في بعضها.

إذا كان الذي يقعد الإنسان عن الالتفات لمصالح ذاته وبني نوعه هي هذه العلل الاصطلاحية لوجب أن يكون الكسلان كسلانا في كل أعماله ومحاولاته وعن جميع ما يرتبط بأمور حياته.

إن قيل إن تأثير الشهوات، وفعل النزغات هي التي تذهب بالنفوس مذاهب الخور والضعف أمام معالي الأمور وشريف الأعمال، وتميل بها نحو السفاسف والدنايا، قلنا: ما الشهوات؟ وما النزغات؟ هل هذه كلها ألفاظ مجملة قنعنا بها في تعليل أعمالنا التي نرى أنفسنا مدفوعين لها رغم أنفنا.

إذا كانت أمراضنا هي مدلولات هذه الألفاظ، وعلاجاتها ما نطالعه في الكتب وما نسمعه من قراء الخطب على المنابر وفي المحافل، فلماذا لم يظهر لها أثر في تقويم الملكات؟

لم يبق فينا رجل إلا وأحسَّ بشرِّ منقلبه، وضلال مذهبه ومرارة مشربه، وتحقق أنه مأخوذ به إلى حتفه، ومقود بأنفه إلى تلفه، وليس فينا رجل إلا وهو يتنسم روح الخلاص بمجموع قوته.

أليس المصاب أكثر شعورًا بآلام دائه، وأحسَّ به من أفصح خطبائه؟ فإن كانت تلك الآلام لم تهده إلى وسائل النجاة منها، فكيف تهديه أوصافها ونعوتها؟ 

وإذا كانت جميع جوارحه ألسنة طالبة الخلاص منها، وإرادته شرهة إلى الفكاك عنها، ومع ذلك فلم يستطع التفصي من حبائلها، ولا النجاة من شراكها، فكيف يكيفيه أمر من الواعظ بتركها وعدم إتيانها؟ 

نقول: ما العوامل المؤثرة في الإنسان؟ ما طبيعتها؟ ما حدودها وما وظيفتها؟ هل هي داخلة تحت إرادة الإنسان ويمكن له تغييرها وتحويلها لتفعل عليه فعلًا مناسبًا لمصالحه، أم هي خارجة عن إرادته لا يستطيع لها تحويلًا ولا تبديلًا؟

إن كان الأول فكيف يسلط عليها إرادته ليغير مجاريها على مقتضى مصالحه، ويحول قوتها على حسب منفعته؟ وإن كان الثاني فهل هو متمتع بما يخرجه من دائرة سلطانها ليدخل تحت نفوذ فواعل أليق منها بحياته؟

إن العوامل الذاتية فطرية طبيعية لا يمكن تبديلها ولا تغييرها، أي أنه ليس للإرادة الشخصية سلطان عليها من جهة الملاشاة أو التعطيل، ولكنها مثل كل شيء في الإنسان قابلة للتهذب والترقي، ورقيها وتهذبها متعلق برقي الإنسان في معارج العلم والمعرفة.

إن الدوافع الذاتية دوافع إلهية، وبواعث ربانية، طُبعت في جِبلة هذا الإنسان لترفعه إلى المكانات العلا، والمنصات السامية، ولتنشر من سلطان روحه على الكائنات الأرضية.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.