العنوسة في المجتمعات الشرقية

مصطلح "عانس" من المصطلحات الشائعة في مجتمعاتنا الشرقية لوصف الفتاة التي تعدّت سنّ الزواج المتعارف عليه، وهو مصطلح ذميمٌ وعنصريّ يحمل في طياته كلّ أشكال الظلم والإهانة للمرأة، وكذلك الانتقاص من قدرها والتمييز بينها وبين الرجل الذي إن تأخر في الزواج لا يُطلق عليه هكذا مصطلح، بالعكس يلتمسون له كل الأعذار والمبرّرات الكثيرة وراء تأخره في الزواج.

فنجد أن الفتيات اللاتي تقدّمن في السنّ ولم يتزوجن يصبحن عانسات وفاتهنّ قطار الزواج في نظر المجتمع حتى وإن كان عزوفهن وانصرافهن عن الزواج باختيارهن وبمحض إرادتهن ويصبحن مدّعاة للشفقة حينًا وللسخرية حينًا آخر، ناهيك عن الزنّ والضغط النفسيّ الذي يمارس على الفتاة من قبل الأهل كي تجد الرجل المناسب خوفاً من أن يتقدّم بها العمر ويفوتها قطار الزواج ويطلق عليها بمحيطها لقب "عانس".

هذا الضغط الذي قد يقود الفتاة إلى قبول الزواج غير المتكافئ للخلاص من الكلام الذي تسمعه بشكل يوميّ، ثم ينتهي بها المطاف بالطلاق ورغم كل ذلك فإن واقع الحال يشهد بأن العنوسة في عصرنا الحالي هي "عنوسة اختيارية" فمعظم الفتيات أصبحن لا يؤمن بأسطورة الفارس الذي يمتطى جوادًا أبيض، ويأتي ويخطفهن من كل شيء إلى جنة الأحلام الوردية، ولكن يفضلن أن يعتمدن على ذاتهن في تحقيق طموحاتهن التعليمية والمهنية، ويرون أن الزواج ليس الطموح، ولا الهدف الأساسي، ولا من الأولويات التي يفكرن بها ويسعين إليها، بل يعتبرونه في بعض الأحيان عقبة أمام تحقيق أهدافهن والاستمتاع بحياتهن.

وفتيات اليوم قد نسفن المثل القائل: "ضل راجل ولا ضل حيطة" والذي رسخته ثقافة المجتمع في أذهان الجدات والأمهات، وأصبحن يرون أن الزواج ليس ضروريا للفتاة إن لم تجد الشخص المناسب وإذا لم يكلل الزواج بالسعادة والراحة والاستقرار، ولا يرتضين بأن يكن فرائس لغريزة الجنس ليقايضن بها عقولهن وإرادتهن في قبول ذكر، ويدركن جيدًا قدرهن فلا يقبلن ببعض التنازلات ولا يخفضن سقف طموحاتهن في الزواج والعزوف الاختياري عن الزواج من قِبل الفتاة غالبًا ما يرتبط بقوّة شخصيتها ونضجها الفكريّ والإدراكيّ والعاطفيّ فيكون من الصعب استمالتها عاطفيًا أو مساومتها على مشاعر مقابل التنازل عن الشروط التي ترصدها في شريك المستقبل.

ولذلك فإن العنوسة الاختيارية وبقاء الفتاة بدون زواج أفضل مائة مرّة من الزواج الفاشل الذي ينتهي بالطلاق والنحيب والصراخ في ساحات القضاء للحصول على نفقة مطلقة أو نفقة الأبناء، وأعتقد أنه قد حان الوقت ليتدخل المجلس القومي للمرأة لإدراج مصطلح "عانس" و"العنوسة" ضمن أشكال العنف والتحرش اللفظيّ ضد المرأة ولا بدّ من محاسبة كل من يحاول تهديد المرأة أو يبتزها مجتمعيًا وعاطفيًا وجنسيًا بفزاعة عدم الزواج وشبح العنوسة وإشعارها بأن أهميتها وقيمتها مرتبطة بوجود رجلٍ في حياتها وبنوع علاقتها به.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

مارس 8, 2022, 11:47 م

الأستاذة شيرين. تمنيت لو انك كتبت هذا المقال وانت مرتاحة. حقاً كنت أبدعت. رغم أنه رائع في الأسلوب والسرد والمضمون.. قال رسول الله صلب الله عليه وسلم عن البنت التي لم تتزوج بأن لها الجنة، أو بهذا المعنى، فلا يحضرني الحديث.أعرف بنتا عيونها خضراء و بشرتها بيضاء وتحمل الماجستير وموظفة براتب يزيد على الألف دولار امريكي ومن بيئة محافظة وعمرها 31 سنه.وجاءها عشرات الخُاطببن ورفص أبوها. يريد مهرا لها 65 ألف دولار. وهي تبكي بكاء مرا.فهل هذه عانس؟ في اليمن، من يصل عمرها إلى 17 سنة وهي بدون زواج، تعتبر كبرت على سن الزواج. في أوروبا، يتزوجن(بمفهوم الزواج عندنا)في الثلاثينات من العمر — وعندهم الزواج شيئ والجنس والمواعدة شيئ آخر .لكل مجتمع ثقافته. فأنت تتكلمبن عن العادات في مجتمع ضيق. وانا أخالفك بشدة في أن لا تتنازل البنت عن طلباتها مهما بلغت من السنين. ان كان للبنت خبار، يجب وضروري ان تتنازل بما لا يمس كرامتها. مثال آخر. طبيبة عربية بمنتهى و الأخلاق والجمال. كانت تريد طبيبا أو رجل أعمال وهي في ال25. ثم مهندساً وهي في 30. ثم معلم مدرسة وهي في 38.ثم جاءها من هو في سنها ويحمل دكتوراة (ثم تبين أنها مزورة)وأنجبت طفلين حمل صناعي .وهذا الكلام على لسانها، وقالته لي من فمها إلى أذني. برأيي، أن تدفع البنت القادرة وتشتري زوجا محترما خير من ان تظل وحيدة في هذا المجتمع الذي لا يرحم.

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

نبذة عن الكاتب