العنف في المجتمع المصري وثقافة التوكتوجان (1)
روع المجتمع المصري قبل أشهر قليلة بجريمة بشعة بالإسماعيلية، والتي شهدت عنفًا بالغًا في عز النهار، حيث تم قطع رقبة المجني عليه وحمل القاتل رأسه، ودار بها في الشوارع قبل أن يلقي الناس القبض عليه! وتساءل الجميع ماذا حدث للمجتمع المصري؟ بعدها بأيام قليلة تابعنا حادث مجرم الفيوم الذي قتل زوجته وحماته! ثم انتحار شابين في أحد فنادق الإسكندرية وبدا كل ذلك كأنه انفجار للعنف في وجه المجتمع كله، عنف موجه للآخرين أو حتى عنف موجه للذات في حالة الانتحار.
لكن هل فعلًا تغير المجتمع المصري من الوداعة والتسامح إلى العنف الصارخ؟ هل زادت معدلات الجريمة فعلًا؟ وهل كان للمخدرات تأثير في زيادتها؟ أم أن وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية قصرت المسافات وأصبح تداول الخبر يسري كالنار في الهشيم؟
دعونا في البداية نعترف أن اكتظاظ السكان يشكل أحد العوامل الخفية لزيادة التنافس والصراع، ومن ثم الجريمة حيث تعتبر مصر ثالث أكثر الدول اكتظاظًا بالسكان في أفريقيا (بعد نيجيريا وإثيوبيا)، منهم حوالي 95٪ من سكان البلاد البالغ عددهم 100 مليون نسمة (عام 2019م) يعيشون على ضفاف النيل وعلى طول قناة السويس، هذه المناطق هي من بين أكثر مناطق العالم اكتظاظًا بالسكان، وهو ما يزيد معدلات العنف قطعًا، كما أنه من العوامل المؤثرة التي لا نستطيع إغفالها هي التحولات الاقتصادية، وما نتج عن الخصخصة من ارتفاع نسبة العمل خارج المؤسسات، خاصة بين الشباب كقيادة عربات (التوك توك) وعدم استغلال طاقاتهم في نشاط رياضي بناء، كذلك غياب الضبط الاجتماعي من خلال التسرب من التعليم الذي أصبح مكلفًا، هذه الشريحة من الشباب كونت لها ثقافة ومزاج خاص جدًا، فأغانيهم المفضلة هي نغمات عنيفة وكلمات غريبة، وأطلقوا عليها مهرجانات، وأصبح لهم نجوم ينتمون لنفس الشرائح الثقافية والاجتماعية، فتكون نمط حياتي ما يمكن أن نطلق عليه "ثقافة التوكتوجان"؛ وهو مصطلح أصيغه الآن من دمج كلمتي (توكتوك/ مهرجان). وأخيرًا وليس آخرًا انتشار مشاهد العنف بشكل متفاقم في العالم أجمع.
بينما تلعب العوامل النفسية دورًا كبيرًا في توجه العنف نحو الذات، كحالات الاكتئاب والفصام وبعض الاضطرابات الشخصية، وفيها يلوح لنا فقدان الدافعية، وعدم الرغبة بالحياة، والتشاؤم الشديد، مع فقدان الثقة بالنفس.
وعلى الضفة الأخرى من النهر تلعب أنواع المخدرات الجديدة دورًا هامًا في زيادة العنف، فاستعمال مادة (الشبو) أو (الآيس)؛ وهو نوع من الميثامفيتامين (الكريستال ميث) وهي من المنبهات المخلقة معمليًا، تعمل على زيادة في حالات الاندفاعية والعدوانية نتيجة تأثيرها المهيج، أما المشكلة الأكبر فهي القنابيات المخلقة أو المواد المصنعة في المعامل، وتشبه تأثير الحشيش والماريجوانا، حيث يتم رش مادة القنب الصناعي على المواد النباتية، ويتم تسويقها في أمريكا وأوروبا على أنها بخور عشبي، أو "مزيج عشبي للتدخين"، وبيعت تحت أسماء شائعة مثل K2، والتوابل، والماريجوانا الاصطناعية، أما في مصر فهي تباع تحت مسمى (الإستروكس) الذي يسبب حالات من الذهان الحاد، ويشك الكثيرون بأنه يتم إضافة القليل من هذا المخدر على الحشيش المتداول حاليًا مما يسبب ارتفاع معدلات العنف، والاضطرابات النفسية الناتجة عن تدخين الحشيش والذي لم يكن سببًا رئيسًا لها منذ عقدين من الزمن.
في مقال تالي سوف نتناول دور المجتمع المصري في التصدي الفعال لواحدة من أخطر التحديات الاجتماعية التي تواجه المجتمع بعد التصدي الناجح للعنف السياسي المتمثل في جماعات الإسلام السياسي خلال العشر سنوات الماضية، فإلى لقاء.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.