يتربى الأبناء داخل الأسرة الواحدة بأكثر من طريقة، ولكن الهدف من كل هذه الطرائق هو تقويم سلوك الأبناء وتحسين أخلاقهم؛ لكي يكونوا مفيدين لأنفسهم ولمن حولهم. ولكن في كثير من البيوت يختلف الغرض من تربية الأبناء، ومع اختلاف الغرض توجد المشكلة، وهي مشكلة العنف الأسري.
العنف الأسري له أشكال كثيرة، وهو غير مقتصر على الأب أو الأم فقط، بل إن له أطرافًا أخرى، وله عدد من النتائج التي تؤثر في سلوك الابن سواء في محيط الأسرة أو على مستوى المدرسة أو الجامعة التي ينتمي إليها، أو حتى على مستوى المجتمع المحيط به مثل الشارع الذي يسكن فيه والشوارع المجاورة.
ما العنف الأسري؟
عندما تنحرف تربية الأبناء عن هدف تقويم السلوك وتخريج أبناء صالحين للمجتمع، يولد العنف الأسري، إذ يكون الغرض الأساسي حينها هو فرض السيطرة واستعراض القوة على الصغار، فالأب يريد أن يشعر بمكانته داخل الأسرة، وقد يتأثر بما يُملى عليه من كلمات في محيط عمله من الزملاء أو من الأصدقاء على المقهى، وربما أيضًا بسبب البيئة الاجتماعية التي تنتمي إليها الأسرة.
هناك العديد من البيئات الاجتماعية التي تعتمد مبدأ الضرب والتعنيف للأبناء؛ ظنًا منهم أن ذلك في مصلحتهم، وأنه يجب إخضاع الأبناء إلى السلطة الأبوية، إذ يجب أن يهاب الابن والده لكي يكون تحت سيطرته طوال الوقت لأن هذا في النهاية يصب في مصلحته.
ولكن بكل أسف، يتطور هذا الأمر إلى ما يُعرَف بالعنف الأسري، فقد يتم التعامل مع الأبناء بأشكال مختلفة من الضرب والإهانة والحبس والمنع من الاتصال بالآخرين، وهذا بخلاف العنف اللفظي الذي يترك أثرًا نفسيًّا بليغًا قد لا يكون أقل ضررًا من العنف الجسدي.
أشكال العنف الأسري
قلنا من قبل إن العنف الأسري له أنواع متعددة، فعند ذكر هذا المصطلح يخطر على البال صورة ذلك الأب المتجهم وهو يمسك بيد ابنه ويبرحه ضربًا إما بيده وإما باستخدام العصا أو أي أداة أخرى، وهذا مجرد نوع واحد من أمزاع العنف داخل الأسرة الواحدة، فهيا نتعرف على باقي الأشكال في النقاط التالية:
- إصابة الابن بالإحراج داخل الأسرة وسط إخوته أو في حضور أصدقائه، وهو نوع من أنواع العنف الأسري الذي يتجسد فيه التنمر، ولكنه يكون أشد قسوة من أنواع التنمر الأخرى لأنه يأتي من أقرب الأقربين.
- عندما ينجز الابن إنجازًا ما، مثل أن يحصل على الدرجة النهائية في امتحان مادة اللغة العربية، فلا تكترث الأسرة لهذا الإنجاز، بل ويسمع عبارات تقلل من شأن هذا الإنجاز، فيُصاب بالإحباط واليأس، وربما يتولد بداخله عدم المبالاة بمشاعر الآخرين أو بمستقبله بوجه عام.
- ضرب شخصية الابن في أعز ما تملك، وهي القدرة على اتخاذ القرارات، فتبدأ الأسرة بتوبيخ الابن بقسوة على قرار ما اتخذه حتى وإن كان خاطئًا، وهناك من الأبناء الذين لا يملكون المرونة الشخصية التي تعينهم على التعامل مع مثل هذه المواقف.
- تهديد الابن من أجل الانصياع لأوامر الأبوين، وقد يصل إلى التهديد بألوان شديدة القسوة من التعذيب، مثل اللسع بالشمعة أو الضرب المبرح بالعصا.
- إمساك الابن بقوة ودفعه بعنف عندما يُنهر بسبب فعل ما.
- لا يشعر الابن بأنه قادر على الاعتماد على ذاته لأنه لا فائدة فيه دون اللجوء إلى الأبوين.
- المنع من فعل ما يريده الابن، مثل التنزه مع الأصدقاء لأسباب غير معلومة، أو فقط بسبب فرض الرأي والسيطرة.
وهناك العديد والعديد من أشكال العنف الأسري. أما في السطور التالية سنتطرق إلى الأسباب التي خلقت هذه الظاهرة.
أسبابه
- أهم سبب يؤدي إلى العنف الأسري هو قلة الوعي الديني، فقد تحكمنا الآن العادات والتقاليد والأعراف على حساب الدين. ولكن بالرجوع إلى الدين سنتمكن من ضبط أمور التربية والعلاقة بين الأبناء والآباء.
- تنشئة الأبوين على نحو خاطئ تُغلغل في وجدانهم أفكارًا خاطئة عن التربية، ويبدؤون في تربية الأبناء على ما تربوا عليه هم.
- في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار الهواتف الذكية في أيدي الأبناء، أصبح الفرد في الأسرة في جزيرة منفصلة عن الآخرين. وفي خضم هذا، تندثر قيمة الحوار الأسري الذي يناقش فيه الأبناء مشكلاتهم داخل وخارج الأسرة دون خجل أو خوف.
- يوضع الأب في ظروف اقتصادية خانقة، ويدفعه ذلك إلى تفريغ الطاقة السلبية في الأبناء على هيئة عنف أسري.
علاجه
- تنمية الجانب الديني لدى الأبناء من حيث احترام الآباء، ومن جانب الآباء من حيث تربية الأبناء بغرض تقويم سلوكهم وليس من أجل فرض السيطرة.
- عدم تكرار الأخطاء التي ارتُكبت في حق الأبوين عندما تربوا صغارًا مع أبنائهم.
- تفعيل الحوار الأسري لمناقشة جميع المشكلات التي يمر بها كل ابن من أبناء الأسرة، حتى وإن كانت صغيرة وتافهة من وجهة نظر أحد أفراد الأسرة.
- تشجيع الأبناء عندما يفعلون أي إنجاز حتى وإن كان صغيرًا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.