العلاج بالقراءة Bibliotherapy، هو أسلوب علاجي قديم استخدمه المصريون منذ آلاف السنين، ويتضح ذلك في الشعارات المكتوبة على جدران المكتبات المصرية التي كانت تقول: «هنا علاج الروح»، «هنا بيت علاج النفس».
اقرأ أيضًا لماذا ومتى وكيف تقرأ؟
تاريخ بداية العلاج بالقراءة
إن العلاج بالقراءة أو كما يسمى استخدام الكتب للشفاء، مفهوم يعود تاريخه إلى عصر الفيلسوف أرسطو، الذي آمن بأنَّ للأدب تأثيرًا شفائيًّا، وبأن قراءة الأدب القصصي (الخيال) كانت طريقة لتطهير المرض، وقد بدأت ممارسة العلاج بالقراءة منذ العصور القديمة.
ولعل الانغماس في الحياة والتعامل مع كثير من الحالات المزاجية كالحزن والاكتئاب وغيرها، بالإضافة إلى ضغوطات الحياة المختلفة، يجعل من الصعب إدراك الوضع النفسي والجسدي لدى الفرد، وخصوصًا إذا كانت خبرة الفرد السابقة في التعامل مع ضغوطات الحياة والتقلبات النفسية ضعيفة.
تقول ساندرا مارينيلا: القصة التي تريد أن ترويها كتابات الشفاء من الصدمة أو المرض أو الفقد، هي مصطلح العلاج القرائي، مما لا شك في أننا نلجأ دائمًا إلى الكلمات لمساعدتنا على الشفاء.
إنه حقًّا «فن استخدام الأدب والكلمات لمساعدتنا على إيجاد طريقنا في عالم محير ومتغير».
منذ مدة طويلة في مجال المكتبيين، وخاصة أولئك الذين يعملون في المستشفيات، تناول العلاج بالقراءة المتخصصون الطبيون مثل بنجامين راش وآنا وسيجموند فرويد في أوائل القرن التاسع عشر، عندما صِيغ المصطلح.
وسرعان ما ظهرت برامج التدريب، وبدأ استخدام العلاج القرائي في المستشفيات وفي أماكن الرعاية الصحية الأخرى، وأصبح موضوعًا للدراسات المنشورة في المجلات الطبية.
اليوم، يستخدمه على نطاق واسع الاختصاصيون الاجتماعيون وغيرهم من المعالجين، ويُدرَس بتزايد لقدرته على تخفيف الضيق المرتبط بكثير من الأمراض والسلوكيات التي أثبتت الدراسات فاعليتها.
وعلى سبيل المثال، يستخدم لمساعدة الأفراد المصابين بالاكتئاب والقلق والتوتر وتدني احترام الذات واضطرابات الأكل والإدمان والضعف الجنسي واضطراب الأعراض الجسدية واضطراب القلق المرضي.
اقرأ أيضًا فوائد القراءة.. تعرف على أهميتها فى الحياة
الشفاء من خلال القراءة والكتابة
إن هذا الأمر غير منطقي وغير مألوف، لكن ضع في اعتبارك أن كثيرًا منا قد شارك في هذا النوع من العلاج لمعظم حياته في أثناء قراءة الكتب، من خلال التعاطف مع الشخصيات أو التعرف إليها أو الحصول على معلومات واقعية حول مشكلاتنا، أو عندما نكتب للتعبير عن أنفسنا من خلال تأليف الرسائل أو الكتابة في دفتر اليوميات أو كتابة القصص والخواطر. وحتى القراءة من أجل المتعة دون دافع للشفاء، يمكن أن تكون علاجًا عميقًا لكثيرين.
يستخدم الاختصاصيون الاجتماعيون العلاج القرائي في أي وقت يوصون فيه الشخص بكتاب بطريقة استراتيجية، سواء أطلقوا عليها اسم العلاج بالقراءة أو أسموها عددًا من المصطلحات لممارسات مماثلة، إن لم تكن متطابقة، مثل العلاج بالشعر أو العلاج الموسيقى ونحو ذلك.
لتعريف العلاج بالقراءة يقول كابلان: «إن العلاج بالقراءة قد تطور من تقليد علم المكتبات المتمثل في وصف الكتب لمخاوف معينة، فإن العملية الآن تفاعلية وتتجاوز مجرد القراءة والمناقشة والتعبير.
اقرأ أيضًا فوائد القراءة والاستمتاع بالكتب
استخدام الأدب وأنواعه
وتشمل استخدام الأدب بجميع أنواعه، بما في ذلك الشعر ومقتطفات من الكتب والاقتباسات والأغاني ورواية القصص وحتى مقاطع الأفلام والفيديو، لمساعدة الشخص على التركيز على المعنى الذي يحمله الأدب إليه، ومن ثم التعبير عن نفسه من خلال كتابة اليوميات أو الكتابة عمومًا أو الرسم أو الرقص أو الحركة أو الفن، بطرق تساعده على الفهم العميق لنفسه».
يرى بارديك 1994، أن العلاج بالقراءة مفهوم يشير إلى استخدام الأدب عمومًا لمساعدة الناس على التكيف والتعامل مع المشكلات العاطفية، أو مع المرض العقلي، أو مع التغيرات في حياتهم عمومًا.
تقول مارينيلا: «يُظهر لنا عمل عالم النفس كيث أوتلي أن القصص يمكن أن تعمل كأدوات تدريب لمساعدتنا على التعامل مع مشكلاتنا».
وتقول أوتلي: «إننا نستخدم خبرتنا لمعرفة ما يفعله الآخرون أو ما يفكرون فيه، ويعمل الأدب بالطريقة نفسها».
العلاج بالقراءة متاح للجميع
العلاج بالقراءة له تطبيق واسع للاختصاصيين الاجتماعيين والمتخصصين في الرعاية الصحية والمعلمين وفقًا لكابلان، إنها طريقة «سهلة الاستخدام» يمكن استخدامها مع الأفراد أو المجموعات أو الأزواج أو حتى العائلات.
ويوضح كابلان أن القدرة على القراءة أو الكتابة ليست شرطًا مسبقًا للخضوع لهذا العلاج، فإن الأطفال وغيرهم ممن لا يعرفون القراءة والكتابة يمكنهم الاستماع وجعل الآخرين يكتبون لهم.
تقول صاحبة عيادة خاصة في بورتلاند-أوريغون، جانيت بارلو: «يمكن استخدام القراءة ورواية القصص العالمية عبر الطيف التنموي بوصفها علاجًا تعبيريًّا مرنًا وقابلًا للتكيف، ويمكن دمجها في العمل مع الأشخاص (العملاء) من جميع الأعمار».
كما يؤكد كابلان: «يمكن استخدام العلاج بالقراءة حقًّا مع الجميع تقريبًا، لأنه عملية إبداعية ويستفيد من هذا الإبداع كل من المعالجين والأشخاص الذين يخضعون للعلاج».
تقنيات العلاج في العمل الاجتماعي
لقد طبقت تقنيات العلاج في ممارسة العمل الاجتماعي مع المراهقين ومرضى السرطان ومتعاطي المخدرات والناجين من سوء المعاملة، والأشخاص الذين يعانون مشكلات جسدية، والعملاء الذين يعانون الاكتئاب والقلق.
وضحايا الصدمات والأشخاص الذين يعانون شعور الخسارة، والذين يمرون بفترات انتقالية مثل الأبوة للمرة الأولى أو الانتقال إلى مكان جديد أو التخرج، وغالبًا ما يسمح للأفراد برؤية كيف واجه الآخرون مشكلة معينة أو كيف مثَّل الآخرون مشاعرهم.
على سبيل المثال، تذكر مارينيلا طالبًا شابًّا كان مصابًا بالسرطان، وكانت لديه استجابة شديدة تجاه«أنا الثالث»، السيرة الذاتية لأسطورة كرة القدم جيل سايرز، وبمجرد انتهائه من قراءتها، أراد قراءتها مرة أخرى حتى يتمكن من تعلم الشجاعة وهو يواجه مرضه.
ويرى بارلو أن العلاج بالقراءة مفيد خصوصًا للعملاء القلقين، الذين استخدموا الفهم الفكري لقضية ما للمساعدة على تنظيم تجاربهم الشخصية وتأطيرها، تمامًا مثلما يشعر الطفل بمزيد من الحرية في التحدث والكشف عن نفسه في أثناء استخدام دمية للتحدث باسمها.
لذلك يمكن للبالغين استخدام خبرتهم في قراءة كتاب للتعبير عن أنفسهم بطرق غير مباشرة وأقل تهديدًا، وأيضًا يمكن أن تصبح آليات الرقابة الذاتية والحماية التي تنشأ في العلاج أقل بروزًا عندما يصف شخص ما ردود أفعاله أو آراءه حول صراع الشخصية مع قضايا مماثلة من منظور الشخص الثالث «الأبعد».
أهداف العلاج بالقراءة
يجمع بارلو من تلك المناقشة معلومات حول كيفية رؤية العملاء أنفسهم، كيف يرون أنفسهم فيما يتعلق بالآخرين والعالم وكيف يتلقون ويعالجون ويعبرون عن المشاعر والأفكار، وكيف يتعاملون مع المواقف الصعبة، وما إذا كان لديهم أمل أو إيمان بقدرتهم على التغير.
يقول بارلو: «إن قراءة الكتاب مفيدة في كل مرحلة من مراحل العلاج، من ذلك مرحلة التقييم والتقييم المستمر، واتخاذ قرار بشأن خيارات دورة العلاج، وتعزيز العلاقة العلاجية وتعميقها».
العلاج بالقراءة ليس مفيدًا فقط للمرضى الذين يعانون أمراضًا يمكن تشخيصها أو ذوي السلوكيات السلبية، بل يمكن أن يكون مفيدًا على مستوى أبسط أيضًا، ما يحسن قدرة المستفيدين على التعامل مع التجارب اليومية أو فهم القضايا الاجتماعية الأكبر.
إن العلاج بالقراءة يسعى إلى تحقيق عدد من الأهداف الأساسية التي تتضمن تقديم المعلومات وتهيئة الظروف للاستبصار الذاتي، وتهيئة الظروف لمناقشة أبعاد المشكلة والتحفيز الذاتي.
والوصول إلى قيم جديدة واتجاهات جديدة، وتعزيز الإحساس، ولفت الانتباه إلى أن الآخرين يعانون المشكلات نفسها، وإيجاد حلول للمشكلات التي تسبب الاضطراب، وربط الإنسان المريض بالواقع وإيجاد حلول واقعية لمشكلاته.
الكتابة للشفاء
ممارسة العلاج بالقراءة ليست الممارسة الوحيدة التي يتبناها هذا النمط من العلاج، الكتابة أيضًا مفيدة بالقدر نفسه، ولها تأثيراتها العلاجية التي تخلق التوازن.
أثبتت كثير من الأبحاث خلال العقود الثلاثة الماضية أن الكتابة أداة شفاء قوية أيضًا.
تقول اختصاصية العلاج بالفنون الإبداعية والاختصاصية الاجتماعية السريرية والمعالجة بالشعر المسجل، شيري رايتر: «إنني أستخدم مصطلح التصحيح الإبداعي للإشارة إلى تحقيق التوازن العاطفي». ووضحت أن الكتابة تحقق عدة أشياء: تحديد العاطفة ووضوحها، والتنظيم العاطفي، والتنفيس، وتعزيز التفكير والبصيرة.
تقول رايتر، مؤلفة كتاب الكتابة بعيدًا عن الشياطين: قصص التأقلم الإبداعي من خلال الكتابة التحويلية: «أحيانًا تكون الحقائق التي نتعلمها هي نقاط البداية للشفاء، في بعض الأحيان تظهر الكلمات بصورة غير متوقعة».
العلاج بالشعر
وتذكر المعالجة بالشعر التي تعمل في مركز علاج نهاري حينما قرأت قصيدة تشارلز سيميك «الحجر»، وأعطت كل شخص حجرًا وسألت: «إذا كان حجرك يتكلم، فماذا سيقول؟».
تقول رايتر: «تحدثت امرأة كانت صامتة صمتًا انتقائيًّا للمرة الأولى منذ عدة أسابيع، أذهلت كلماتها جميع الحضور، قالت: «أنا الحجر، لقد تحطمت، أتيت من شيء أكبر بكثير، لكنني الآن صغير، الآن أنا لا شيء» كانت هذه نقطة انطلاق العلاج».
من خلال هذا التعبير، أبلغت السيدة المجموعة بحاجتها فاستجابوا لها بتقديم الرعاية المناسبة.
العلاج بالقراءة هو أن تجعل الكتاب تربويًّا ثقافيًّا علاجيًّا مهاريًّا مساندًا نفسيًّا يستطيع أن ينسجم معه القارئ (المستفيد) ويتعايش معه.
نحاول بقدر المستطاع استكشاف «العلاج بالقراءة» ودراسته، فالعلاج داخل المكتبة ممتع ومثير للتفكير وملهم وأنيق وخلاق ومثير للاهتمام وفعال، بنظري أن له تطبيقات لا نهاية لها.
هذا ليس كل شيء عن العلاج بالقراءة، بل يوجد كثير وكثير في هذا العلم مما يخدم المكتبات والمستفيدين وأصحاب الحاجات الخاصة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.