العلاج النفسي المعرفي من عقدة الفقد والإحساس بالاحتياج والفضول المرضي بقصة «خضرة الشريفة»

نُشرت قصة «خضرة الشريفة» للكاتب «حميد المصري» بالعدد الثالث 2020 صفحة 35 من مجلة «أوراق ثقافية» الصادرة عن إقليم شرق الدلتا الثقافي، الهيئة العامة لقصور الثقافة.

وقد تعددت أزمنة ومواقيت القصة. فالجملة الأولى بها (بعد منتصف الليل بقليل)، وفي منتصفها (بعد أقل من أسبوع، وفي جلسة زار ليلية خريفية ممنهجة وقرب نهايتهابعد عدة جلسات علاجية شتوية).

وهذا راجع لأن القصة ترصد رحلة العلاج النفسي الوجداني لاضطرابات نفسية عدة مصابة بها السيدة بطلة القصة، وكما هو معروف فبرامج تعديل السلوك وبرتوكولات العلاج النفسي تستغرق شهورًا طويلة.

اقرأ أيضًا الرسم بالكلمات في مجموعة همس الحرير للكاتبة ميرفت السنوسي

عنوان القصة

وحتى نفهم عنوان القصة «خضرة الشريفة»، ولماذا اختارها الكاتب تحديدًا لتكون بطلة رمزية تراثية لقصته وهو في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، كان لا بد لنا أن نتساءل عن الصفات الشخصية لخضرة الشريفة كما جاءت في التراث الشعبي؟

وهل تنطبق تلك الصفات على أخلاقيات وسلوكيات بطلة قصة القاص حميد المصري؟ فالمقارنة التي هنا هي مغزى قراءتنا النقدية للقصة، وفي اعتقادي هذا ما كان يهدف إليه المؤلف، فقد استطاعت شخصية خضرة الشريفة:

- أن تفرض عفَّتها على الناس والتاريخ.

- وأن تصاحب الشاعر والربابة والسهر، فتظل متربعة على عرش الحكايات والمواويل حتى يومنا هذا، على خلاف كثير من حكايات السير الشعبية التى اندثر أغلبها وفقدتها ذاكرة الحكى.

- وأن تتصدر المشهد الشعبى لأكثر من ألف عام بين حكايات الرجال، فإن الأكثر دهشة من ذلك هو حضورها الطاغى داخل حكايتها ذاتها، فرغم وجود شخصيات ثقيلة لرجال فى الملحمة الهلالية مثل «أبوزيد» و«دياب» و«الزناتى خليفة»، فـ «خضرة» تظل هى المحرك الحقيقى للأحداث..

أضحى الاتصال البشري سهلًا الآن عبر وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي الافتراضية، بداية من تحديد موعد أو دون، فلقاء وحديث وتبادل للكلام والصور والفيديوهات.

وتظهر السلوكيات الحميدة والشاذة للأشخاص خلالها، وبذلك وضوح الأمراض النفسية والسلوكية ثم علاجها أيضًا إلكترونيًّا أوافتراضيًّا.

وكما هو معروف في ظل هذا الانفجار المعلوماتي والمعرفي أصبحت الخصوصية في مهب الريح، أو بالأحرى انعدمت أو تلاشت الخصوصية، فلم يعد سر خاص لأي شخص يستخدم تلك الوسائل الحديثة والمتجددة على مدار الساعة.

ففكرة قصة «خضرة الشريفة» ترصد لنا إحدى الشخصيات المعاصرة المصابة بمجموعة متنوعة من الاضطرابات النفسية وتدَّعي عكس ذلك (أنها خضرة الشريفة)!

اقرأ أيضًا ما مقومات الكتابة في الفئة الروحانية؟

التشوهات السلوكية بين الأبطال

(أشارت له بوميض الماوس الأحمر، فالتقطها من على قارعة الطريق الإلكتروني الدائري، روحًا معذبة، تغلف بؤسها بالمرح المصطنع واللجاجة الفارغة والموسيقى الصاخبة والصور المبهجة ليلًا، بعد أن تستهلك جسدها بالسعي وراء لقمة العيش بين أروقة الحياة القاسية نهارًا)

فبدلًا من إضاءة كشافات السيارة كان وميض ماوس الكمبيوتر الأحمر، وبدلًا من انطلاق السيارات على الطريق السريع الدائري الحقيقي، كان طريقًا دائريًّا إلكترونيًّا.

وكانت تلك اللقاءات كما أوضحنا في بداية تلك الدراسة ليلًا، أي لقاءات ليلية، فالبطلة مشغولة بالنهار بالعمل الشاق في سعيها وراء كسب العيش.

ومن الواضح أن الطرف الثاني في أحداث القصة كان رجلًا، يظهر أنه مختص في الطب أو الصحة النفسية أو على أقل تقدير أحد المتخصصين في علوم النفس البشرية، على دراية جيدة بتحليل الشخصيات نفسيًّا، ويستطيع تقديم البرامج العلاجية المعرفية لتعديل السلوكيات غير السوية.

وذلك بعدما أفصحت له بجميع أسرارها الكامنة التي لا يعلم بها أحد ولم تتفوه بها من قبل. (أفضت إليه بمغاليق صندوقها الأسود، قرَّر علاجها، ألحقها بعنبر متميز في مصحته الروحية المشتركة، ورغم رفضها لذلك وولعها المفتعل بالخصوصية، لكنها كانت تستسلم لبرنامج العلاج حين يقنعها بأنها حالة استثنائية خارج التصنيف)

يركز العلاج المعرفي السلوكي على تحدي وتغيير التشوهات المعرفية غير المفيدة (مثل الأفكار والمعتقدات والمواقف) والسلوكيات، وتحسين التنظيم العاطفي وتطوير استراتيجيات المواجهة الشخصية التي تستهدف حل المشكلات الحالية.

(بعد أقل من أسبوع، وفي جلسة زار ليلية خريفية ممنهجة، قامت بفتح جميع مساماتها الوجدانية والحسية بين يديه، بدأت الجلسة بالمساج الروحاني وانتهت بإطفاء حريق شب بين دهاليز قلبها)

اقرأ أيضًا دراسة نقدية في مجموعة أحزان لا تجد من يكتبها للقاص جمال فتحي

العلاج المعرفي السلوكي

في الذهان طويل الأمد يُستخدم العلاج المعرفي السلوكي لتكملة الدواء ويُكيَّف لتلبية الاحتياجات الفردية.

تشمل التدخلات المتعلقة بهذه الحالات استكشاف اختبار الواقع، وتغيير الأوهام والهلوسة، وفحص العوامل التي تؤدي إلى الانتكاس، وتدبير الانتكاسات.

(كان يدرك من اللحظة الأولى طبيعة عقدة مرضها بالفقد وإحساسها بالاحتياج، رغم قناعها المرقش بالتعالي الزائف وادعاء الأصولية الاجتماعية وتكلف المظهرية البائسة، في تناقض حاد بين مقتضى الحال وأمنيات الخيال)

صُمِّم العلاج المعرفي السلوكي في الأصل، لعلاج الاكتئاب، ولكن توسَّع استخدامه ليشمل علاج عدد من حالات الصحة العقلية، بما في ذلك القلق.

(تعايش معها بصدق شديد، احترامًا وتعاطفًا مع حالة الضعف البشري الطبيعي الذي اعتراها ويعتري الجميع، والذي كانت كثيرًا ما تكابر ولا تعترف به)

وهنا يبحث المعالج (البطل) عن المعنى اللاواعي وراء السلوكيات ثم يصوغ التشخيص، فهو أثناء العلاج «يركز على المشكلة» وهو «عملي المنحى»، ما يعني أنه يستخدم علاج مشكلات محددة تتعلق باضطراب عقلي مشخص.

(بعد جلسات علاجية شتوية عدة، تقمص فيها دور رجل المطافئ، اكتشف داءً إضافيًّا عارضًا لديها، وهو «الفضول المرضي»، فقد كانت مهتمة بمشاهدة الآخرين والتفتيش في ذواتهم والبحث عن خباياهم، سواء أكان ذلك بدافع ذاتي من داخلها أم استخدامًا لها من آخرين نافذين، أسعده اعترافها في ليلة ما بأنها تعيش أجمل أيام حياتها في مصحته ومعيته)

يتمثل دور المعالج (البطل) في مساعدة العميلة (البطلة/ المريضة/ خضرة الشريفة) في إيجاد وممارسة استراتيجيات فعَّالة لمعالجة الأهداف المحددة وتقليل أعراض الاضطراب.

اقرأ أيضًا "الملاح وجزيرة العجائب".. أول قصة خيال علمي في التاريخ

الشخصية الفضولية

إن أصحاب الشخصية الفضولية كبطلة قصتنا يغلقون هواتفهم ويركزون على المحادثات، ما يكون له تأثير في مختلف الأنشطة التي عليهم القيام بها- والتي كانت كثيرًا ما تكابر ولا تعترف بها- كما يحافظون على أن يكون لديهم كثير من الأصدقاء، فإنها وسيلة يمكن عن طريقها معرفة وفهم كثير من المعلومات الإضافية.

(روحًا معذبة، تغلف بؤسها بالمرح المصطنع واللجاجة الفارغة والموسيقى الصاخبة والصور المبهجة ليلًا، بعد أن تستهلك جسدها بالسعي وراء لقمة العيش بين أروقة الحياة القاسية نهارًا)

إن الشخص الفضولي يزعج جميع المحيطين به وحتى نفسه أيضًا، يتحول الفضول إلى مرض عندما يكون لدى هذا الشخص رغبة دائمة في معرفة تفاصيل حياة الآخرين، فيتحول الموضوع إلى إدمان لاكتشاف تفاصيل حياة الآخرين.

وفي هذه الحالة لا بد من علاج الشخص المصاب، ويكون هذا عن طريق معرفة وإدراك معنى الفضول جيدًا، فهل صحيح كانت خضرة الشريفة شخصية فضولية؟

بالنهاية يقول عمر الخيام: «وأسعدُ الخلقِ قليلُ الفضول، من يهجرُ الناسَ ويرضى القليل».

كاتب، باحث، محاضر، مهندس زراعي، قاص، ناقد أدبي، صانع محتوى تليفزيوني على العديد من تطبيقات السيوشيال ميديا.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
سبتمبر 25, 2023, 8:55 ص - رايا بهاء الدين البيك
سبتمبر 24, 2023, 7:04 م - أسماء خشبة
سبتمبر 24, 2023, 11:40 ص - حسن محمد قايد
سبتمبر 24, 2023, 11:24 ص - رشا محمد صلاح الدين عبدالله
سبتمبر 23, 2023, 2:32 م - بومالة مليسا
سبتمبر 23, 2023, 2:19 م - بومالة مليسا
سبتمبر 23, 2023, 10:50 ص - مدبولي ماهر مدبولي
سبتمبر 21, 2023, 5:25 م - ليلى امير
سبتمبر 21, 2023, 1:47 م - أنس بنشواف
سبتمبر 21, 2023, 12:47 م - إياس فرحان الخطيب
سبتمبر 21, 2023, 12:26 م - آسيا نذير القصير
سبتمبر 21, 2023, 8:50 ص - وليد فتح الله صادق احمد
سبتمبر 21, 2023, 8:11 ص - أمل محمود قشوع
سبتمبر 21, 2023, 7:37 ص - خلود محمد معتوق محمد
سبتمبر 18, 2023, 4:01 م - رايا بهاء الدين البيك
سبتمبر 18, 2023, 2:57 م - بوعمرة نوال
سبتمبر 18, 2023, 12:30 م - إيمان عبدالباري قائد
سبتمبر 18, 2023, 6:20 ص - زينب هلال
سبتمبر 17, 2023, 4:00 م - عبدالرحمن أحمد عبدربه الصغير
سبتمبر 17, 2023, 9:58 ص - وصال وداعه علي
سبتمبر 17, 2023, 6:26 ص - مني حسن عبد الرسول
سبتمبر 16, 2023, 1:31 م - ميساء محمد ديب وهبة
سبتمبر 15, 2023, 12:45 م - سهيلة يحيى زكريا
سبتمبر 14, 2023, 9:01 ص - صفاء السماء
سبتمبر 14, 2023, 8:40 ص - شروق محمود محمد علي
سبتمبر 14, 2023, 6:14 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 13, 2023, 9:27 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 13, 2023, 6:19 ص - حسام عبدالله الساحلي
سبتمبر 12, 2023, 2:19 م - حنين عبد السلام حجازي
سبتمبر 12, 2023, 8:05 ص - ميساء محمد ديب وهبة
سبتمبر 12, 2023, 6:47 ص - رايا بهاء الدين البيك
سبتمبر 11, 2023, 5:33 م - سعاد عبدالحفيظ أحمدين
سبتمبر 11, 2023, 2:57 م - مبدوع جمال هند
سبتمبر 11, 2023, 10:04 ص - محمود سلامه الهايشه
سبتمبر 11, 2023, 7:07 ص - مصطفى جاد ابو العز
سبتمبر 11, 2023, 6:24 ص - سهيلة يحيى زكريا
سبتمبر 10, 2023, 9:19 ص - شادى محمد نجيب
سبتمبر 9, 2023, 8:54 م - محمود سلامه الهايشه
سبتمبر 9, 2023, 1:14 م - هشام بوطيب
سبتمبر 9, 2023, 11:14 ص - صفاء السماء
سبتمبر 9, 2023, 11:10 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 9, 2023, 9:51 ص - وصال وداعه علي
سبتمبر 7, 2023, 6:48 م - بومالة مليسا
سبتمبر 7, 2023, 1:07 م - بومالة مليسا
سبتمبر 6, 2023, 7:07 م - مجانة يمينة
سبتمبر 6, 2023, 5:59 ص - عزام جمعة سعيد
سبتمبر 5, 2023, 10:31 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 4, 2023, 6:31 م - محمود سلامه الهايشه
سبتمبر 4, 2023, 5:19 م - صفاء السماء
سبتمبر 4, 2023, 6:12 ص - صفاء السماء
سبتمبر 3, 2023, 1:31 م - مجانة يمينة
سبتمبر 3, 2023, 9:52 ص - هاني ميلاد مامي
سبتمبر 3, 2023, 9:40 ص - صفاء السماء
سبتمبر 3, 2023, 5:23 ص - صفاء السماء
سبتمبر 2, 2023, 7:05 م - صفاء السماء
سبتمبر 2, 2023, 2:41 م - محمود سلامه الهايشه
سبتمبر 2, 2023, 2:24 م - فضل الله يوسف فضل الله الشاعر
سبتمبر 1, 2023, 10:51 ص - ناصر مصطفى جميل
أغسطس 31, 2023, 8:21 م - ميساء محمد ديب وهبة
أغسطس 31, 2023, 11:12 ص - رايا بهاء الدين البيك
أغسطس 31, 2023, 9:57 ص - عادل عبدالستار العيلة
أغسطس 30, 2023, 5:32 م - محمود سلامه الهايشه
أغسطس 30, 2023, 3:48 م - ميساء محمد ديب وهبة
أغسطس 30, 2023, 8:19 ص - بوعمرة نوال
أغسطس 30, 2023, 7:56 ص - لؤي نور الدين الرباط
أغسطس 29, 2023, 8:54 م - صفاء السماء
أغسطس 29, 2023, 8:40 م - صفاء السماء
نبذة عن الكاتب

كاتب، باحث، محاضر، مهندس زراعي، قاص، ناقد أدبي، صانع محتوى تليفزيوني على العديد من تطبيقات السيوشيال ميديا.