العقل الباطن (أو اللاواعي) من أكثر المفاهيم إثارة للاهتمام في علم النفس؛ فهو يمثل الجزء الخفي من العقل الذي يخزن المشاعر والذكريات والعادات التي تؤثر في سلوك الإنسان دون وعي منه. وقد تناول كثير من العلماء والفلاسفة هذا الموضوع نظريًا وتطبيقيًا لما له من دور كبير في تشكيل شخصية الإنسان وتحديد استجاباته المختلفة.
مفهوم العقل الباطن
العقل الباطن هو ذلك الجزء من العقل الذي يعمل دون أن يكون الشخص واعيًا به. ويخزن العقل الباطن التجارب السابقة، والمعتقدات، والعادات، والانفعالات، وكل ما لا يدركه العقل الواعي مباشرة، ويوجِّه الأفعال والسلوكيات بناءً على هذه المدخلات.
ويقابله العقل الواعي، وهو الجزء الذي نتخذ فيه القرارات، ونقوم فيه بالتفكير المنطقي والتحليل. لكن العقل الواعي لا يمثل سوى 5% من نشاط العقل الكلي، في حين يُعتقد أن العقل الباطن يمثل الـ 95% المتبقية.
مفهوم العقل الباطن في نظريات علم النفس
تعددت مفاهيم العقل الباطن عند علماء النفس، ومنها:
1. سيغموند فرويد (Sigmund Freud)
فرويد هو أول من قسَّم العقل إلى ثلاثة أقسام:
-
الهو (Id): يمثل الرغبات الغريزية.
-
الأنا (Ego): الجزء الواعي الذي يتعامل مع الواقع.
-
الأنا الأعلى (Superego): يمثل الضمير والأخلاق.
ويرى سيغموند فرويد أن العقل الباطن يحتوي على رغبات ودوافع مكبوتة قد تؤثر في سلوك الفرد على نحو غير مباشر.
2. كارل يونغ (Carl Jung)
اقترح يونغ مفهوم اللاوعي الجمعي، وهو لاوعي مشترك بين البشر جميعًا، ويحتوي على صور وأفكار موروثة من الأسلاف.
3. جون واتسون والسلوكيون
ركَّز السلوكيون على أثر البيئة في تشكيل السلوك، وعدُّوا السلوكيات كلها مكتسبة ومخزنة في اللاوعي بالتكرار والتجربة.
بعد أن تعرفنا على مفهوم علم النفس بالتفصيل من وجهة نظر بعض الفلاسفة الذين اجتهدوا في تفسيره وشرحه، حان الوقت أن نتعرف على وظائفه، وكيف يمكننا برمجته.
وظائف العقل الباطن
- تخزين الذكريات والمعلومات: يخزن العقل الباطن جميع التجارب التي يمر بها الإنسان حتى تلك التي لا يتذكرها عن وعي.
- التحكم في العادات والسلوكيات: تنبع كثير من سلوكياتنا تلقائيًا نتيجة برمجة العقل الباطن، مثل قيادة السيارة أو ردة الفعل عند الخطر.
- تنظيم الوظائف الحيوية: يتحكم العقل الباطن في العمليات الجسدية التلقائية مثل التنفس، نبض القلب، والهضم.
- الاستجابة للعواطف والمشاعر: يتفاعل العقل الباطن مع المشاعر مباشرة ويؤثر في الحالة النفسية للإنسان.
طرق برمجة العقل الباطن
كيف يمكننا برمجة عقلنا الباطن والتحكم به قدر الإمكان وتوجيهه على نحو لا يؤذي مشاعرنا؟
- التكرار: تكرار العبارات الإيجابية (التوكيدات) يساعد في ترسيخ أفكار جديدة في اللاوعي.
- الصور الذهنية: التخيل الإيجابي وتحفيز المشاعر المرتبطة بالنجاح يُسهم في تغيير البرمجة الداخلية.
- التنويم الإيحائي: يستخدم للوصول إلى اللاوعي وتعديل المعتقدات أو العادات السلبية.
- التأمل والاسترخاء: يساعد في تهدئة العقل الواعي وفتح الباب للوصول إلى العقل الباطن.
- الكتابة اليومية: تسجيل الأهداف والرغبات بانتظام يساعد في تركيز العقل الباطن نحو تحقيقها.
أمثلة على تأثير العقل الباطن فينا
-
شخص يعاني من رهاب اجتماعي قد يكون تعرض لمواقف محرجة في طفولته دون أن يتذكرها، لكن العقل الباطن يظل يتفاعل معها.
-
النجاح المهني في بعض الأحيان يرتبط بمعتقدات لا واعية حول الاستحقاق والكفاءة.
-
العادات الغذائية أو التدخين ترتبط بسلوكيات مبرمجة في العقل الباطن منذ سنوات.
وغيرها كثير وكثير من الأمثلة التي توضح مدى تأثير العقل الباطن في حياتنا اليومية. ولكن يجب علينا توجيهه على نحو إيجابي، والانسياق وراء الأفكار والمعتقدات المثمرة، وتصحيح والابتعاد عن كل ما هو سلبي يمكن أن يؤذينا ويوجهنا توجيهًا خاطئًا.
ختامًا.. العقل الباطن قوة هائلة غير مرئية توجه الإنسان في حياته اليومية على نحو أكبر مما نتصور؛ لذا ففهم هذا الجانب من العقل، وتعلم كيفية التعامل معه، يمكن أن يُسهم في تحسين جودة الحياة، سواء على الصعيد النفسي، المهني، أو الشخصي، ومن خلال برمجة العقل الباطن على نحو إيجابي يمكننا إعادة تشكيل مستقبلنا وفقًا لما نطمح إليه.
مقال روعة
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.