العطاء

قبل أيام طلب مني شخص عزيز جدًا على قلبي أن أكتب عن العطاء، ووعدته بذلك..

وقررتُ اليوم أن أفي بالوعد وأكتب، أولاً لأجل هذا الشخص..

وثانيًا لأن العطاء من الموضوعات التي يتوجب علينا الحديث عنها وبكثافة..

لأننا نحتاجه في علاقاتنا الإنسانية مع الناس، كوني أرى دائمًا أن العلاقات يجب ألا نشعر فيها بالواجب بل بفكرة العطاء..

فعندما نقول الكلمة اللّطيفة الطيبة علينا أن نقولها لأننا نُحبُّ شعورها الذي سينجلي في قلب غيرنا، لا لأنه يجب علينا قولها..

وكذلك عندما نُساعد الآخرين ليس لأننا فقط نُلبي طلبًا، بل لأننا نشعُر أولاً بحاجتنا لأن نكون جزءًا من تسهيل أمر ما كان عصيًا على شخص نُحبّه أو حتى شخصًا لا نعرفه..

لأن العلاقات لم تكُن يومًا بالمساومة أو بشرط ردها، إنما بطيب أثرها ووقعها في نفوسنا.

للعطاء أبعاد مُتكاملة، شأنه شأن كل سلوك وقيمة إنسانية..

فمن العطاء ما هو إضافة قيمة أخلاقية أو سلوكية تُغنِي رأس المال الإنساني الخيري، الذي يستهدف مستقبل نمو العلاقات الاجتماعية إيجابية المردود على الجميع.

العطاء والإحسان مفهومان متلازمان لا ينفصلان، فإذا كان الإنسان يفعل المعروف ثمّ يَمُنّ به فهذا لم ينل من معروفه شيئًا يُذكر..

ولكن من كمال العطاء أن يكون فيه إحسان، والإحسان لا يكون مع المِنّة في العطاء..

لذلك الوفي لا يندم على العطاء مهما قُوبِل بنُكران أو أيّ شعور آخر يجعله نادم على ما فعله، فمن تأصّل فيه طبع أو لازمته سجيّة يحتفظ بها وتكون معه حتى وفاته، ولا يتأثّر بجحود المحيط الخارجي..

ومن يتسم به يصعب عليه التوقف عنه مهما كانت الظروف، ومهما كان رد فعل من حوله، لأنه يستمد طاقته الإيجابية بما يُقدم ويُعطي، وهذا ما يُحقق له الرضا النفسي والسعادة، حتى وإن كانت سعادة نسبية

النفس السَّخية تجد لذتها في العطاء أكثر من الأخذ، وأحيانًا الطريقة في العطاء تسعد أكثر من العطاء نفسه، وله طرق عديدة: نفسية، ومادية، وجسدية، حسية، ومعنوية.

ومن الضروري أن نكون ممتلئين جدًا حتى وإن أخذوا من حولنا منا ما أخذوا يجب أن نكون قادرين وجاهزين على العطاء من جديد.

فهو لا يتوقف أبدًا حتى وإن كثُر الجحود والنكران، لأنه درجة عالية جدًا من الوعي الإنساني خاصةً حين يرافقه استمتاع دون شعور بالتعب، أو التمنن، أو التفاخر..

يبقى فقط انتظار الطرف الآخر أن يُشعِرك بقيمة ما تفعل، وإن لم يفعل يجب ألا يقلل ذلك من الرغبة في تقديمه مرة أخرى، فمن يُعطي عليه أن يُعطي لوجه الله.

وفي تقديري أن الإنسان المِعطاء يصل إلى مرحلة لا ينتظر فيها سماع كلمة شكرًا، لأن من تعوَّد على العطاء يحتاج إليه..

وأنا ‏مؤمنة بأن شعور العطاء دائمًا أجمل بكثير من شعور الأخذ.

 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة