العروض موسيقى الشعر العربي وأسرار الوزن والإيقاع

الشعر العربي ليس كلمات موزونة، بل موسيقى خفية تنبض في كل بيت، تصنعه أنغام الحروف ونبض التفعيلات. ومن هنا وُلد علم «العَروض»، ليكشف عن النظام الصوتي الذي يُنظِّم هذا الإيقاع الساحر. فكما يُحلِّل الموسيقي اللحن والنغمة، يقوم العَروضي بتقطيع الأبيات إلى وحداتٍ صوتية دقيقة تُبرز جمال الوزن وانسجام النَّغَم.

في هذا المقال، نغوص في جوهر هذا العلم العربي الأصيل، لنتبيَّن كيف تحوّل الشعر إلى موسيقى مكتوبة بالعربية.

العروض موسيقى الشعر العربي

الموسيقى هي أهم ما يميز الشعر عن غيره من الأجناس الأدبية الأخرى، والعَروض هو العلم المنوط به دراسة هذه الموسيقى وبيان ألوانها ونغماتها.

تعريف علم العروض

وإذا كان علم الموسيقى يُعنى بالناحية الصوتية التي تُقسِّم الكلام إلى مقاطع صوتية متناسقة تُكوِّن وحدات موسيقية متوافقة، بصرف النظر عن بداية الكلمات ونهايتها، فإن هذا ما يُعنى به علم العَروض أيضًا، حيث يعمد إلى حصر أوزان الشعر العربي وجعلها بحورًا يتكون كل منها من أجزاء أو تفعيلات، وهذه التفعيلات هي وحدات صوتية موسيقية لا يدخل في حسبانها بداية الكلمات أو نهايتها، فهي تنتهي أحيانًا في آخرها، وأحيانًا في وسطها، وأحيانًا تبدأ في نهاية الكلمة، وهكذا.

وتتكون هذه الوحدات الصوتية «التفعيلات» التي يُنبنى عليها البحر الشعري من الحروف التي اتخذها الصرفيون ميزانًا لهم، وهي: «الفاء والعين واللام» مضافًا إليها بعض الأحرف الأخرى، وتجمعها عبارة: «لمعت سيوفنا»، ويبلغ عدد التفعيلات المشتقة من هذه الأحرف عشر تفعيلات، منها اثنتان خماسيتان، أي تتكون كل وحدة منهما من خمسة أحرف، وهما: «فعولن، فاعلن».

أما الثماني الباقية فسباعية، أي تتكون كل منها من سبعة أحرف، وهي: «مفاعلتن، مفاعيلن، متفاعلن، مفعولاتُ، فاعلاتن، مستفعلن، فاعْلاتن، مستفْعلن».

والمهم المعتبر في هذه التفعيلات هو مقابلة الحرف المتحرك في بيت الشعر بحرف متحرك في التفعيلة دون النظر إلى خصوصية الحرف أو الحركة، ومقابلة الحرف الساكن في بيت الشعر بحرف ساكن في التفعيلة، مع مراعاة أن كل تفعيلة من هذه التفعيلات تتكون في مجموعها من عدد من الوحدات الصغرى تُسمّى «مقاطعًا».

ممّ تتكون مقاطع العروض؟

وتتنوع هذه المقاطع وتختلف أشكالها تبعًا لما يتضمنه كل مقطع من الحركات والسكنات، والمقطع يتكون في أبسط صوره من حرفين. وقد اصطلح العروضيون على تسمية هذه المقاطع خاصة، وهي:

1- الأسباب: وهي نوعان:

  • سبب خفيف: وهو ما تكوَّن من حرفين أولهما متحرك وثانيهما ساكن، مثل: «قدْ، لمْ، منْ».
  • سبب ثقيل: وهو ما تكوَّن من حرفين متحركين، مثل: «بِكَ، لَكَ، هُوَ، هِيَ».

2- الأوتاد: وهي نوعان أيضًا:

  • وتد مجموع: وهو ما تكوَّن من ثلاثة أحرف: متحركين بعدهما ساكن، مثل: «نَعَمْ، إلى، على».
  • وتد مفروق: وهو ما تكوَّن من ثلاثة أحرف: متحركين أوسطُها ساكن، مثل: «كيْف، مِنْكَ، قال».

3- الفواصل: وهي أيضًا نوعان:

  • فاصلة صغرى: وهي ما تكوَّنت من ثلاثة أحرف متحركة بعدها ساكن، مثل: «عملوا عملًا حسنًا».
  • فاصلة كبرى: وهي ما تكوَّنت من أربعة أحرف متحركة بعدها ساكن، مثل: «مَنَحَهُمْ مَلِكُهُمْ فَحَمِدُوا وَشَكَرُوا».

المقاطع العروضية

وبمعرفة هذه المقاطع نستطيع أن نفهم ما يعنيه العروضيون بقولهم: إن «فاعلن» تتكون من سبب خفيف ووتد مجموع، وإن «متفاعلن» تتكون من سبب ثقيل وسبب خفيف ووتد مجموع وسبب خفيف.

وقد جمع بعضهم هذه الأسباب والأوتاد والفواصل في عبارة واحدة هي: «لمْ أرَ على ظهر جبل سمكة».

كيفية الوزن الشعري

لكي نزن الشعر وزنًا عروضيًا نتبع الخطوات الآتية:

1- نقابل الحرف المتحرك في بيت الشعر بحرف متحرك في الميزان، ونقابل الحرف الساكن بحرف ساكن.

2- نتبع قاعدة الكتابة العروضية، وهي: «ما يُنطَق به يُكتب، وما لا يُنطَق به لا يُكتب بل يُهمل».

فمثلًا، الكلمات: «لكن، هذا، هؤلاء، ذلك، الله، الرحمن»، تُكتب عروضيًا هكذا: «لاكن، هذا، هاؤلاء، ذالك، اللاه، الرحمان».

ونقابل الألف المنطوقة الناشئة من مدّ الحرف بحرف ساكن في الميزان العروضي، وكذلك يُكتب الحرف المشدد في الميزان حرفين أولهما ساكن وثانيهما متحرك، مثل «حدَّث، مدَّ» تُكتب هكذا: «حدْدَثَ، مدْدَ». ويُكتب الحرف المنوَّن حرفين أولهما متحرك وثانيهما ساكن، مثل: «عالمٌ» تُكتب هكذا «عالمُنْ»، و«قلمٌ» تُكتب «قلمُنْ»، ويُقابل التنوين في الميزان بحرف ساكن.

3- الحرف الذي لا يُنطَق به لا يُقابل بشيء في الميزان، وإن كان له وجود ظاهر في الخط الإملائي. فمثلًا «الواو» في كلمتي «عمرو، أولئك» لا تُقابل بشيء في الميزان، لأنه لا أثر لها في النطق، وكذلك ألف الوصل في درج الكلام، سواء أكانت في الأسماء مثل: «ابن، امرؤ»، أم في الأفعال مثل: «اسجدْ، اقتربْ».

4- للتسهيل في الخط العروضي يُقابل الحرف المتحرك المنطوق به بشرطة مائلة هكذا «/»، ويُقابل الحرف الساكن المنطوق به بسكون «ْ».

5- نُقسِّم البيت أو نُقطِّعه إلى أجزاء (بعد مقابلة المتحرك بحركة والساكن بسكون)، كل جزء منها يُكوِّن تفعيلة من التفعيلات العروضية.

6- بعد تكوين التفعيلات نحاول استحضار صورة بحور الشعر في أذهاننا ونُقابل هذه التفعيلات بما هو موجود في ذاكرتنا، وبذلك نتوصل إلى اسم البحر الذي تُنسب إليه الأبيات.

وبالأخذ بتلك الخطوات، مع استمرار قراءة الشعر ومداومة سماعه وتقطيعه، نستطيع بسهولة ويُسر أن نُحدِّد تفعيلات البحور وأن نُنسب الأبيات إلى بحورها الشعرية بسرعة ودون عناء.

يبقى العَروض أحد أرقى علوم العربية، لأنه يجمع بين دقة العلم وسحر الفن، فكما لا تكتمل الأغنية بلا لحن، لا يكتمل الشعر بلا وزنٍ يربط كلماته بخيطٍ موسيقي خفي. وإذا كان الخليل بن أحمد قد وضع الأساس الرياضي لهذا الجمال، فإن الشعراء عبر العصور هم الذين نفخوا فيه الروح. وبين ضبط الميزان وتحرير الخيال، يبقى الشعر العربي فنًّا يُغنِّي لغتنا كما تُغنّي الموسيقى قلب الإنسان.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة