العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات في المجتمعات

تُعد العدالة الاجتماعية حجر الأساس لأي مجتمع يسعى إلى الاستقرار والتقدم، فهي تضمن التوزيع العادل للثروات والفرص بين الأفراد دون تمييز. وفي ظل الأزمات الاقتصادية والتفاوت الطبقي المتزايد، تصبح العدالة الاجتماعية أكثر من مطلب فقط؛ إنها ضرورة لتحقيق السلم الأهلي والنهضة المستدامة. فما مفهوم العدالة الاجتماعية؟ وما مبادئها وأثرها في الفرد والمجتمع؟ هذا ما نستعرضه معك بالتفصيل.

يسخط الناس على من لا يعطيهم حقوقهم، فما حقوق الأشخاص داخل المجتمع أو داخل الدولة؟ لو بدأنا نعدد هذه الحقوق فسوف نخلص إلى قائمة طويلة من الحقوق التي ينادي بها الشعوب داخل مجتمعاتهم، لكن يمكننا تلخيص تلك الحقوق في عبارة واحدة، وهي العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات.

ترتكز العدالة الاجتماعية على مجموعة من المبادئ، ويجب تطبيق هذه المبادئ كلها؛ لكي يصنف المجتمع على أنه مجتمع صالح، ويمكنه التطور والترقي فيما بعد، فلا يوجد مجتمع مستقر على وضع واحد عبر السنين، بل إن المجتمع إما أن يتطور ويواكب التحولات والتطورات الحالية، وإما أن يسقط إلى الهاوية. 

ما مفهوم العدالة الاجتماعية؟

لا تنحاز العدالة الاجتماعية إلى طرف دون الطرف الآخر، فعند ذكر هذا المصطلح يطرأ على البال حقوق هؤلاء المهمشين في المجتمع، لكن هل يتكون أي مجتمع من هؤلاء المهمشين فقط؟ بلا شك لا، إذ نجد أن المجتمع يتكون من طبقة حاكمة ومحكومين، وينقسم المحكومين إلى مجموعة من الطبقات حسب وضعهم الاجتماعي والاقتصادي. 

لكن ما يهمنا الآن الطبقتين الرئيستين اللتين تكوّنا أي مجتمع مهما كان مختلفًا، وهما الطبقة الحاكمة التي تنفذ القوانين، وتوزع الثروات، وطبقة أخرى مكوّنة من المحكومين، فهل تنطبق العدالة الاجتماعية على طبقة المحكومين فقط؟ 

إن هذا هو الاعتقاد السائد، فعند الحديث عن العدالة الاجتماعية ننادي بحقوق المستضعفين، لكن حقوق هؤلاء المستضعفين هو جزء واحد فقط من أجزاء العدالة الاجتماعية، فترتكز على مبدأ الحقوق والواجبات، فإن كنت تنادي بحقوقك، فيجب أولًا أن تعرف الواجبات التي تلقى على عاتقك، ولا يعفى المرء من أداء تلك الواجبات تحت أي ظرف من الظروف. 

مفهوم العدالة الاجتماعية

لكن ما يحدث في المجتمعات الفاسدة هو إهدار الحقوق، وعلى هذا تُهدر الواجبات أو تؤدى على نحو غير لائق، أو ليس على النحو المطلوب، فتزيد المفاسد في هذا المجتمع، ويبقى السؤال الآن، ما مفهوم العدالة الاجتماعية؟

هو مصطلح يشير إلى العدالة في توزيع الثروات، فتوزع الثروات المادية والمعنوية على نحو عادل على كل أفراد المجتمع دون تمييز أو دون الانتصار لفئة معينة من المجتمع على حساب الفئات الأخرى. 

فمثلًا، نجد أنه من ضمن مظاهر عدم توفر العدالة الاجتماعية هي عمل قوانين ومبادئ توجه الثروات المادية والأموال لفئة معينة دون الفئات الأخرى بحجة أن هذه الفئة هي الفئة الأفضل للمجتمع من ناحية توفيرها فرص للعمل، أو تنشئ استثمارات تعود بالنفع على باقي فئات المجتمع.

لكن عند التفتيش عن الحقيقة تكشف أن هذه الفئة هي فئة مستفيدة فقط، وأن الفئات الأخرى هي التي تتحمل عواقب هذه الاستفادة؛ لذا ترتقي هذه الفئة وتسعى نحو الحفاظ على هذا الوضع حتى إن سخطت باقي الفئات ونادت بالتعديل.

ما أثر العدالة الاجتماعية في حياة الفرد والمجتمع؟

ذكرنا في السطور السابقة مثالًا على عدم تطبيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات، وقلنا إن الانحياز لفئة معينة لأي سبب من الأسباب يؤدي إلى شعور الفئات الأخرى بأن حقوقهم مهضومة، ما يؤجج الغضب داخلهم، لكن وفي السطور الآتية سوف نتحدث عن أثر تطبيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات على نحو سليم داخل المجتمع. 

  • عند تطبيق العدالة الاجتماعية لن تجد فردًا في المجتمع يخشى على إهدار حقه سواء في المعاملات اليومية مع مختلف الجهات أو مع الأفراد الآخرين، فيحصل على كامل حقوقه بعدالة، وبذلك يحرص على أداء واجباته على النحو الأمثل. 
  • يحدث التوازن المطلوب بين حقوق المجتمع وبين حقوق الأفراد كلهم، فلا يحدث تعارض بينهما، ما يؤدي إلى إهدار حقوق الفرد في سبيل حقوق المجتمع. 
  • تنمو القيم الأخلاقية ويسهل تطبيقها داخل المجتمع، مع ضمان تنمية العلاقات السليمة والصحية بين أفراد المجتمع، وإعلاء القيم الإنسانية التي تحكم هذه العلاقات. 
  • يتمتع كل فرد بالحرية التامة في التعبير عن الرأي أو في اعتناق أي فكرة أو عقيدة يريدها دون تمييز، ودون الخوف من الضرر الذي من الممكن أن يلحق به نتيجة قراراته، وأن يفرّق بين القرارات التي تخدم مصالحه، وبين القرارات التي تنطوي على إيذاء الآخرين سواء أكان ضررًا ماديًّا أم معنويًّا. 

 أثر تطبيق العدالة الاجتماعية في حياة الفرد

  • عند تطبيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات ينمو المجتمع كليًّا من الناحية الاقتصادية، ومن ناحية تطبيق القانون دون استثناءات. 

كيف تعزز العدالة الاجتماعية؟

توجد مبادئ عدة يجب تطبيقها داخل المجتمع من أجل تعزيز العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات، ومنها ما يأتي: 

  • العدالة في فرص العمل؛ أي يجب أن يجد كل فرد في المجتمع فرصة العمل التي تتناسب مع إمكاناته ومهاراته.

تعزيز العدالة الاجتماعية

  • تحسين بيئة العمل، وذلك عبر إرساء مبادئ العدالة الاجتماعية داخل المؤسسة أو الشركة عبر تحقيق العدالة في الرواتب، وفي حقوق الموظفين والواجبات الخاصة بهم. 
  • توفير الحماية الاجتماعية للفئات المحتاجة والمهمشة في المجتمع، فلا تشعر أنها منبوذة داخل المجتمع، وأنها فئات منسية. 

في النهاية، العدالة الاجتماعية ليست هدفًا نهائيًا نصل إليه ثم نتوقف، بل هي عملية مستمرة من المراجعة والتصحيح، ومسؤولية جماعية يشارك فيها كل فرد ومؤسسة في الدولة، إنها الأساس الذي يُبنى عليه السلام الاجتماعي، والاستقرار السياسي، والازدهار الاقتصادي، فالمجتمع الذي يضمن العدالة لأفراده هو مجتمع يضمن لنفسه القوة والقدرة على مواجهة أي تحديات؛ لأنه يستثمر في أثمن موارده على الإطلاق الإنسان.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.