إحصائيات الطلاق في مصر الأولى عربيًّا.. حالة كل 117 ثانية!

في زمنٍ تتلاشى فيه قيمة الرباط الزوجي، تستيقظ مصر على وقع أرقام مفزعة تكشف عن أزمة اجتماعية متفاقمة: ارتفاع معدلات الطلاق في مصر. هل تصدق أن حياة زوجية تنتهي كل 117 ثانية في مصر؟ هذا يعني 31 حالة طلاق كل ساعة، 739 حالة طلاق يوميًّا! وفقًا لإحصائيات عام 2022، بلغ عدد حالات الطلاق 265,606 حالة، وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية عن مستقبل الأسرة المصرية، هل نحن أمام انهيار في مفهوم الأسرة؟ أم أن الطلاق أصبح حلًّا سريعًا لمشكلات لم تُعطَ فرصة للحل؟

في هذا المقال، نغوص بعمق في ظاهرة الطلاق في مصر، محللين الأسباب الجذرية لانتشار الطلاق بدءًا من اختلاف الطباع وصولًا إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والضغوط الاقتصادية. وسنتناول التأثير المدمر للطلاق على الأفراد والمجتمع، وخاصة الأطفال، ونتساءل بجدية: هل نحن أمام انهيار حقيقي في مفهوم الأسرة؟ وهل الطلاق أصبح الحل الأسهل بدلًا من مواجهة المشكلات؟ انضموا إلينا في هذا التحليل الشامل لفهم أبعاد هذه الظاهرة واقتراح رؤى مستقبلية للحد من تفاقمها.

معدلات الطلاق في مصر وأحدث الإحصائيات

لو كان الزواج في مصر مشروعًا تجاريًّا، فلربما كانت معدلات الفشل فيه أقل من ذلك. وفق آخر إحصائية صادرة عن جهاز التعبئة والإحصاء المصري في عام 2023، بلغ عدد حالات الطلاق 265,606 حالة، مقارنة بـ269,834 حالة في 2022، ولكن لنعد قليلًا: في 2021 وصلت حالات الطلاق إلى 254,777 حالة، فيما كانت في 2020 حوالي 222,036 حالة.

بما يعني أننا أمام مسار تصاعدي ليس به كثير من البشرى، إذ يزداد معدل الطلاق؛ حتى لو انخفض في عام، فالمسار تصاعدي في المجمل.

أسباب انتشار الطلاق في مصر

وهي عدة أسباب اجتماعية سنسردها فيما يلي:

اختلاف الطباع وانعدام التوافق الزوجي

أهلاً بك في مسرح الحياة الزوجية، إذ تبدأ القصة بـ«عاشوا في تبات ونبات»، وتنتهي غالبًا بـ«كل واحد يروح لحاله»! فإن كنت تظن أن الخيانة أو الضغوط الاقتصادية هي أبطال هذا الطلاق الجماعي في مصر وحدهما، فأنت مخطئ جزئيًّا؛ لأن البطل الحقيقي هو اختلاف الطباع.

الزواج التقليدي مقابل الزواج عن حب

في تقرير لمجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف (2024)، وُصفت ظاهرة الطلاق بأنها «ناقوس خطر يدق بقوة في وجدان المجتمع المصري»، وأُكِّد أن أبرز الأسباب تعود إلى الزواج دون تعارف كافٍ و«الاندفاع العاطفي»، ما يؤدي إلى غياب التوافق القيمي والنفسي والثقافي بين الطرفين.

الزواج عن حب

وببساطة: هو بيحب «الممبار»، وهي نباتية! هو عايز عيال 4، وهي بالكاد بتتحمل صوت ابن أختها! النتيجة؟ فراق.

وفي تحليل ساخر لكنه واقعي نشرته «بي بي سي» العربية (2022)، رُصدت شهادات حية من مطلقات ومطلقين، مثل «دعاء» التي قالت: «أنا اتجوزت عن حب... بس طلع الحب من طرف واحد: أنا!».

وقالت إن السبب كان اختلاف الطباع تمامًا، فزوجها «كان يشوف إن خروجي من البيت نوع من الخيانة»، بينما هي كانت ترى «الحياة مشاركة مش سجن».

إحصائيات الطلاق المبكر في مصر

في عام 2021، سجل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 254,777 حالة طلاق مقابل 880,041 عقد زواج. أي إن نحو 28.9% من حالات الزواج في مصر تنتهي بالطلاق، رقم لا يدعو للضحك إطلاقًا، بل ربما للبكاء.. أو في الأقل لإعادة التفكير.

أما المفاجأة المدوية فهي ما جاء في تقرير AJ+ عربي عام 2024 الذي أكد أن الطلاق في السنوات الأولى من الزواج هو السائد، إذ تقع نسبة 38% من حالات الطلاق خلال أول ثلاث سنوات فقط!

وهو ما يؤكد أن الاندفاع في الزواج -سواء كان عن حب أو تقليدي- لا يكفي للبقاء، بل التفاهم والتوافق هما سر الخلطة.

شروط نجاح الزواج

ومن القصص اللافتة التي نشرتها منصة الجزيرة نت، حالة «أحمد» الذي تزوج زواجًا تقليديًّا بعد ترشيح من العائلة، ليكتشف بعد ستة أشهر أنه وزوجته لا يتشاركان أي اهتمام مشترك، بل حتى وقت النوم مختلف! يقول: «كنت فاكر إن التوافق بييجي بعد الجواز.. طلع لا بييجي ولا بيعدي!».

ولحل هذه المعضلة الوجودية، ينصح الخبراء -وأبرزهم الدكتور أحمد مهران، أستاذ القانون ومدير مركز القاهرة للدراسات القانونية- بضرورة الاستشارات الزوجية قبل الزواج وبعده، لا سيما عند ظهور أولى علامات الخلاف. فكما لا يُشغِّل أحد جهازًا إلكترونيًّا دون كتيِّب تعليمات، لماذا نخوض تجربة زواج دون موجه نفسي واجتماعي؟

غياب الوعي بأسس الزواج الصحي

هل نحتاج إلى رخصة قيادة للزواج؟ الإجابة: نعم، وبشدة. لكن الواقع؟ كثيرون يتزوجون وهم لا يعرفون من الزواج إلا الفستان الأبيض والكوشة!

في تقرير نشره مجمع البحوث الإسلامية «2024»، أشار باحثو الأزهر إلى أن من أهم أسباب تزايد معدلات الطلاق في مصر هو «غياب ثقافة الزواج» لدى الطرفين. الشاب يتصور أن الزواج عبارة عن وجبات ساخنة واهتمام دائم، والفتاة تعتقد أن الزوج يجب أن يكون مزيجًا من مهند ومحمد صلاح، وسرعان ما ينهار الحلم أمام أول فاتورة كهرباء!

أسس الزواج الناجح الوعي الزواجي

وفقًا لدراسة نشرها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، فإن أكثر من 62% من الشباب المقبلين على الزواج لم يتلقوا أي نوع من التثقيف الأسري أو التأهيل النفسي. بمعنى آخر: بيخشوا المطبخ من غير ما يعرفوا يقطعوا بصلة!

واستشهدت دراسة أخرى منشورة على موقع «سكاي نيوز عربية» «2024» بقصة «منى»، وهي فتاة عشرينية انفصلت عن زوجها بعد أقل من عام من الزواج، لأنها — حسب وصفها — «كانت تتوقع حياة وردية، لكنها فوجئت أن الزواج محتاج صبر وفهم وحوار... مش مجرد هاشتاغات حب على إنستغرام.»

غياب الوعي بأسس التعامل، وفن الحوار، وإدارة الغضب، وتوزيع الأدوار داخل البيت، كلها كانت أسبابًا متكررة في معظم حالات الطلاق المبكر، بحسب تقرير «AJ+» العربي. والأسوأ أن المجتمع نفسه لا يساعد؛ فبدل أن ينصح، يقول لك: «استحملي... كله بيعدي!»، والحقيقة لا نصائح واقعية!

الحل هنا واضح، لكنه مُهمَل:

دورات تأهيل ما قبل الزواج

دولة مثل ماليزيا ألزمت المقبلين على الزواج بحضور دورات إلزامية منذ التسعينيات، فماذا كانت النتيجة؟ انخفاض ملحوظ في نسب الطلاق، حسب تقرير منظمة الأسرة الدولية «IFD» عام 2017.

أهمية دورات تأهيل ما قبل الزواج

وفي مصر، بدأت وزارة التضامن مؤخرًا تنفيذ برنامج «مودة»، وهو خطوة ممتازة لكن لا تزال تحتاج إلى تعميم، لا أن تكون رفاهية أو أوبشن إضافي.

الخيانة الزوجية ووسائل التواصل الاجتماعي

قديمًا كانت الخيانة تتطلب على الأقل رشة برفان مشبوهة، أو مكالمة بعد منتصف الليل، أما الآن؟ كل ما تحتاج إليه «follow» و«reaction» في غير مكانه!

أسباب الطلاق الحديثة

في تقرير نشره موقع «AJ+ عربي» «2024»، رُصِد تزايد ملحوظ في شكاوى النساء من الخيانة الرقمية، التي لا تختلف في وقعها النفسي عن الخيانة الواقعية.

وأفاد التقرير بأن من أبرز أسباب الطلاق في السنوات الأخيرة هو «انشغال الطرفين بالعالم الافتراضي»، سواء عن طريق تطبيقات المواعدة، أو حتى العلاقات العاطفية الخفية التي تبدأ بتعليق وتنتهي بكارثة.

الطلاق بسبب السوشيال ميديا

«أحمد» شاب ثلاثيني طلَّق زوجته بعد عامين فقط، قال في شهادته للموقع: «مكنتش خيانة كاملة، بس كنت بكلم واحدة تانية أفضفض لها، وده خلّى مراتي تحس بالخيانة... وفعلاً، كانت بداية النهاية!».

مفاجأة؟ تقرير المركز القومي للبحوث الاجتماعية «2023» أشار إلى أن 32% من حالات الطلاق في المدن الكبرى مرتبطة على نحو مباشر أو غير مباشر بوسائل التواصل الاجتماعي.

فأصبحت الهواتف «طرفًا ثالثًا» في العلاقة، يتجسس، ويراقب، ويحكم.. ويهدم!

الضغوط الاقتصادية وغلاء المعيشة

«الحب لا يطعم خبزًا»... تمام، لكن في 2025 حتى الخبز بقى غالي! لا يمكن تجاهل الدور الهائل الذي تؤديه الأزمات الاقتصادية في تفكيك البيوت.

وتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء «2023» أشار إلى أن نحو 21% من حالات الطلاق المسجلة كانت بدافع مباشر من «صعوبات معيشية».

الطلاق بسبب الغلاء

عندما يكون الدخل أقل من الاحتياجات الأساسية، يبدأ الطرفان في تبادل الاتهامات: «أنت ليس كفؤًا!» – «وأنت لا تقدّرين!» فيتحول البيت إلى ساحة معركة.

الطلاق بسبب الظروف المادية

«إيمان» مطلقة في أواخر العشرينات، قالت في تقرير «سكاي نيوز عربية» «2024»: «كنا بنحب بعض، بس الحب مش بيغطي الإيجار ولا بيشتري لبن للولد...».

ومع موجات التضخم وارتفاع أسعار المعيشة، لم يعد الاستقرار المالي شرطًا للحياة المريحة فقط، بل شرطًا للبقاء من الأساس.

تدخل الأهل والضغوط المجتمعية

من أول ليلة، ومعاهم في البيت.. «ماما قالت»، و«بابا شاف»، و«خالتي عايزة تيجي تعيش معانا»! التدخل الأسري الزائد سبب كلاسيكي لا يملُّ من العودة في قائمة أسباب الطلاق.

أسباب الطلاق في أول سنة زواج

في تقرير رسمي صادر عن مجمع البحوث الإسلامية «2024»، تم تصنيف «تدخلات الأهل» كثالث أكثر الأسباب شيوعًا في انهيار العلاقات الزوجية.

وحسب دراسة نشرها مركز دعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء «2022»، فإن نسبة 18% من حالات الطلاق خلال أول عامين من الزواج تعود إلى «عدم استقلالية الحياة الزوجية» و«تدخل أحد الطرفين من العائلة».

الطلاق بسبب الأهل

ومن القصص المعبرة ما ورد عن «دعاء»، مطلقة شابة، قالت في حديثها لـ BBC: «جوزي كان بياخد رأي مامته في كل حاجة... حتى لون الملاية! حسّيت إني متجوزاه هو وأمه!». العبرة.. الزواج ليس مؤتمرًا عائليًا دائمًا. وكلما قلت الأصوات الخارجية، زادت فرص البقاء.

انهيار المنظومة القيمية وقلة التربية

نعم، قد تكون هذه الجملة مستفزة لبعضنا، لكن الحقيقة أحيانًا مؤلمة أكثر من الحقيقة نفسها! فإضافة إلى الأسباب الكلاسيكية الشهيرة، من فساد الأخلاق الفردي، والانحراف السلوكي عند بعض الأشخاص الذي قد يؤدي إلى الطلاق في الظروف الطبيعية، يوجد وحش ضخم يتربَّع في خلفية المشهد.. اسمه «الانهيار القيمي والتربوي». جيل برمته تربى على أن الجمال «فلتر»، والشهامة «بوست»، وأن الرجولة في عدد المتابعين، لا في عدد المواقف.

في دراسة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية «2023»، وُجد أن 47% من حالات الطلاق كانت نتيجة مباشرة لما وصفته الدراسة بـ«فقدان الإحساس بالمسؤولية الزوجية»، بسبب غياب التربية الأسرية المبنية على القيم، واستبدالها بـ«التربية التيك توكية».

الطلاق بسبب عدم الإحساس بالمسؤولية

وكما قال الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي في حواره مع «الوطن» «2022»: «جيل الإنترنت لم يُربَّ على الصبر ولا التحمُّل، بل على الرد السريع والحذف إذا ما لم يعجبك البوست!». بمعنى آخر: لو الخلاف زاد؟ بلوك. لو الشكوى طالت؟ آنفولو. وكأننا نتعامل مع شريك الحياة بنفس طريقة تعاملنا مع التطبيقات: لا يعمل؟ لا ضير، نحذفه ونسطّب غيره!

هذا السبب لا يخص جيل الشباب وحده، بل الجيل السابق الذي ظن أن التربية تعني فقط «أكل وشرب ومصاريف»، وترك القيم والأخلاق تحت رحمة التلفزيون والإنترنت... وكانت النتيجة؟ مجتمع يعاني نقص في الوعي والفهم والتقدير.

العنف الأسري.. حين يتحول الزواج إلى ساحة حرب

ننتقل الآن من البلوك العاطفي إلى البوكس الواقعي، في دراسة صادمة نشرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة «2024»، تبين أن 38% من النساء المصريات المتزوجات تعرضن لنوع من أنواع العنف الأسري خلال علاقتهن الزوجية، سواء كان عنفًا جسديًّا، نفسيًّا، أو حتى اقتصاديًّا.

وقالت «هالة»، 33 عامًا، في شهادتها لمنصة مدى مصر: «أول مرة ضربني فيها سكت، تاني مرة قلت يمكن مضغوط، تالت مرة رحت المحكمة». ولعل الأسوأ من العنف ذاته، هو «تطبيعه» مجتمعيًّا: «راجل... ومتعصّب… طبيعي!» «أصلها رفعت صوتها… تستاهل!». والحقيقة؟ لا، ولا سبب في الدنيا يبرر الضرب أو الإهانة في علاقة من المفترض أنها قائمة على المودة والرحمة!

وتؤكد الدراسات أن الأزواج الذين يمارسون العنف غالبًا ما كانوا ضحايا له في طفولتهم، ما يجعلنا أمام سلسلة من «الوجع المُعاد تدويره»، إلا إذا تدخل التعليم والإعلام والقانون بقوة.

الاستقلال المادي للزوجة «عمل المرأة سبب مباشر في الطلاق!»

الآن نصل لأحد أكثر الأسباب التي تجعل البعض يتصبب عرقًا عند ذكرها: المرأة لم تعد «مضطرة» للبقاء.

في الماضي، كانت الزوجة تستمر في علاقة مدمِّرة فقط لأنها لا تملك «الحق في المغادرة». أما اليوم؟ فهي تملك، وتعرف أنها تملك.. سمعت بنفسي زوجة تقول: «لو كنت أعمل ما صبرت عليه يوم واحد».

ووفقًا لتقرير «المجلس القومي للمرأة» لعام 2024، فإن 63% من النساء العاملات اللواتي انفصلن عن أزواجهن صرَّحن بأن الاستقلال المادي كان أحد العوامل الأساسية في قرارهن بالطلاق.

طلاق المرأة العاملة

«المال ليس كل شيء».. نعم، لكن عندما تتحول العلاقة إلى نوع من العبودية الاقتصادية، تصبح أول خطوة للتحرر.

الزوج الذي تربَّى على أنه «الراعي الرسمي الأوحد»، يصطدم اليوم بواقع جديد: شريكته ليست بحاجة مادية إليه. ومن هنا تبدأ الأزمة... إذا لم يُحدِّث النظام الداخلي لعقله!

وقالت الدكتورة هدى بدران، رئيسة الاتحاد النوعي لنساء مصر، في تصريح صحفي عام 2023: «تحرر المرأة الاقتصادي لا يهدم الأسرة، بل يعيد التوازن… المشكلة في الذكورة الهشّة لا في الاستقلال».

لكن دعني أختلف مع الدكتورة، لا ننكر حق المرأة في العمل والاستقلال المادي، لكن شعور كثير من النساء بأنهن مستقلات يفسد كثير من العلاقات، إما بالتمرد على الوضع لأنها لم تعد تحتاج الرجل، وإما بإهمالها وظيفتها الأساسية، الاعتناء ببيتها وأولادها، نتيجة انشغالها بهدف فرعي وهو تحقيق الذات، ما يترتب عليه تدهور ومشكلات جَمَّة، إذا لم تستطع المرأة الموازنة فلا داعي لهذا العمل.

ولا ننكر أيضًا ما يقوم به بعض الرجال من استغلال لزوجاتهم وأخذ أموالهم بغير حق، بل يصل الأمر إلى أن الزوج لا يعمل والزوجة تنفق على البيت، وفقًا للشرع والقانون، ليس للزوج حق في مال زوجته، إلا فيما ارتضت هي منحه له.

تقول إحدى المطلقات: كان مدمنًا، وكنت أعمل حتى ألبي متطلبات البيت، وأموال المخدرات التي يتعاطاها، ومع ذلك لم يكف عن ضربي وإهانتي.

انعدام الصبر.. الطلاق في عصر السرعة

نقطة أخيرة «على الرغم من أن القائمة تطول!» نحن في عصر لا يتحمّل الانتظار، حتى الحب نفسه صار «توصيل دليفري».

جيل الـ«2X سرعة تشغيل الفيديو» و«الرد السريع بالرموز التعبيرية»، لا يتحمل التفاصيل الطويلة… فما بالك بتفاصيل العلاقة الزوجية؟

تقرير جامعة القاهرة، كلية الإعلام «2024»، أكد أن «ثقافة النقر السريع والانتباه القصير» أثرت سلبًا في العلاقات الإنسانية، خاصة الزواج، إذ بات بعضنا يتوقع نتائج سريعة لمجهودات لم تُبذل أصلًا. فهو يتوقع أن «تتغيّر» في أسبوع.. وهي تنتظر أن «يفهمها دون ما تتكلم» بعد شهرين! لكن الحقيقة المؤلمة؟ لا زر «سكيب» في الزواج.. ولا ريموت كنترول للعلاقات.

ولكن كل ما سبق لا ينفي وجود الطلاق «المشروع» والمفهوم، بل يؤكد أن الطلاق أحيانًا يكون الحل الشجاع، لكن الأهم من الطلاق… هو أن نفهم لماذا وصلنا إليه. الزواج ليس تطبيقًا نحمّله من المتجر، بل رحلة تحتاج إلى: قيم، وتربية، وصبر، وفهم، وتحديث نظام التشغيل الذهني باستمرار.

ما تأثير الطلاق على الأفراد والمجتمع؟

وهنا، نغلق فصل الأسباب، ونفتح صفحة النتائج، والنتائج ليست دائمًا «نهاية سعيدة».

أثر الطلاق على الأطفال والأسرة

هناك آثار كثيرة للطلاق على كل الأطراف، من هذه الآثار:

صدمة نفسية

الطفل الذي كان يرى أباه وأمه أبطال الفيلم، فجأة يلاقيهم في معركة Avengers الحرب الأهلية. أشارت دراسة لجامعة القاهرة «2023» إلى أن الأطفال الذين يشهدون طلاق والديهم ترتفع لديهم معدلات القلق والاكتئاب بنسبة 47%. والنتيجة؟ طفل في السابعة يسأل: «يعني الحب بيخلص؟».

تأثير الطلاق على الأطفال

خلل في الهوية والسلوك

حسب تقرير اليونيسف «2022» الأطفال الذين ينشأون في بيئة مفككة عرضة أكثر للسلوك العدواني أو الانطوائي.

الأب «الويك إند» والأم بدوام كامل

بعد الطلاق، يتحول دور الأب إلى زيارات موسمية، في حين تظل الأم في الواجهة، تؤدي دورين وتُحاسب كأنها فشلت في كليهما. وهنا ينصح الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، بضرورة الاتفاق على «خطة تربية مشتركة» لتقليل الضرر، مؤكدًا في حديثه لـ «اليوم السابع» «2024»: «الانفصال بين الزوجين يجب ألا يعني انفصالاً في المسؤولية تجاه الأبناء».

التأثيرات الاجتماعية والنفسية للطلاق

الطلاق حالة لا يمكن أن تتم إلى بوجود آثار نفسية على الطرفين منها:

الرجل المطلق: ما بين البطل والضحية

بعض المجتمعات تراه «مظلوم»، والبعض الآخر «هربان من المسؤولية». لكن الحقيقة؟ كثير من الرجال بعد الطلاق يدخلون دوامة من الوحدة والاضطراب، خاصة في ظل ضغط «ابدأ من جديد»، وكأن الحياة لعبة بلاي ستيشن.

دراسة لجامعة عين شمس «2022» أشارت إلى أن 63% من المطلقين يشعرون بانخفاض في مستوى الدعم الاجتماعي بعد الانفصال.

الرجل المطلق بطل أم ضحية

المرأة المطلقة: من لقب «مدام» إلى خانة مطلقة في دمغة المجتمع

كأن الطلاق شهادة «فشل دائم» تُلصق على جبينها! المجتمع المصري، رغم تطوره، لا يزال يحمل الكثير من الأحكام المسبقة، وتتحول حياة المرأة المطلقة إلى «امتحان شفوي دائم». تقرير هيومن رايتس ووتش «2023» رصد كيف تتعرض النساء المطلقات في مصر لأنواع متعددة من التمييز الوظيفي والأسري، وأحيانًا حتى السكني.

الطلاق والصحة النفسية علاقة معقدة

سواء كان الطرف رجلًا أو امرأة، فإن دراسة نُشرت في «The Lancet Psychiatry» «2021» أكدت أن الطلاق يزيد احتمالية الإصابة بالاكتئاب بنسبة 70% خلال أول عام بعد الانفصال. يعني، الطلاق ليس فقط ورقة في المحكمة، بل صدمة عصبية تحتاج إعادة تأهيل — ليس نصيحة من الخالة فوزية!

دور الأسرة والمجتمع في الحفاظ على الزواج.. كيفية الحد من الطلاق

وهنا نصل إلى «فرامل اليد» قبل ما العربية تتهور وتنزل في منحدر الطلاق!

دور الأسرة في الحد من الطلاق

الدور الحقيقي للأسرة ليس فقط في ترتيب المعازيم، لكن في تقديم دعم نفسي واجتماعي حقيقي بعد الزواج. أشار تقرير المركز القومي للبحوث الاجتماعية «2022» إلى أن 41% من الزيجات التي انتهت بالطلاق كانت بسبب غياب الدعم الأسري بعد الزواج.

الإعلام من دراما الطلاق لثقافة الحوار!

حسب دراسة نشرها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام «2023» 67% من المحتوى الدرامي المصري يصوّر الزواج كحلبة مصارعة، لا شراكة إنسانية. المطلوب؟ برامج ودراما تروِّج لفكرة التواصل الفعّال وحل المشكلات، ليس فقط رمي العفش من البلكونة!

التعليم من جدول الضرب لجدول الحب!

لماذا لا ندرس مهارات التفاهم والعلاقات من الصغر؟ شددت دراسة من جامعة الأزهر «2022» على أهمية إدراج مقررات عن «الثقافة الأسرية» في مناهج المدارس والثانويات، لتعزيز وعي الجيل الجديد بمسؤولية الزواج.

دراسة الثقافة الأسرية في المدارس

التربية ليست فقط تحفيظ «ألف لام قمرية»، بل أيضًا ألف لام تفاهم.. فضلًا على دور التعليم الديني في المسجد والكنيسة، والتوعية بأن الطلاق أبغض الحلال كما قال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين. والتوعية أيضًا بأنه شرع عند استحالة استمرار العلاقة الزوجية، وليس دلعًا.

على الرغم من صعوبة تجاوز الأزمة، يبقى الأمل قائمًا في إعادة تعريف مفهوم الزواج في مصر، فالطلاق ليس بالضرورة نهاية مأساوية، بل قد يكون فرصة لإصلاح العلاقات إذا ما تم التعامل مع الأسباب الجذرية، كغياب الثقافة الزوجية والدعم الأسري. بالتوعية والتعليم وتبني سياسات اجتماعية داعمة؛ يمكننا بناء مستقبل تكون فيه الأسرة نواة متينة يستند إليها المجتمع. فدعونا نسعى معًا لاستعادة قيم الحوار والتفاهم في العلاقات الزوجية وتخفيف وطأة ضغوط الحياة، حتى يعود الحب والرحمة إلى قلوب الأزواج وتنهض الأسرة من جديد.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة