يوجد أطفال تخاف من الظلام، من الحيوانات، من الذهاب إلى الروضة أو المدرسة، من التحدث أمام الآخرين، من الأمكنة المغلقة، من ركوب الأسانسير، وغيرها من المخاوف التي تتسبب في أضرار بالغة للطفل على المدى القريب والبعيد، مثل نقص الثقة بالنفس، والشعور بأن العالم من حوله مخيف وغير آمن، ما يعني أنه عندما يكبر إما أن يكون خجولًا أو انطوائيًّا أو جبانًا.
للأسف ما لا يدركه كثير من المربين أن الخوف يضيع كثيرًا من الفرص على أطفالنا في الوقت الحالي ومستقبلًا، فضلًا على أنه ما لم يُعالج منه في سن مبكرة، فإنه من الوارد أن يتحول إلى فوبيا في الكبر، بمعنى الخوف المرضي من أشياء لا تخيف.
تأخر علاج الطفل من هذه المشكلة في الصغر، يعني خروج مراهق خوَّاف، شاب خوَّاف، أب بعد ذلك خوَّاف، وبذلك ماذا يُنتظر من هذا الأب في تربية أبنائه مستقبلًا؟
اقرأ أيضًا مشكلة الخوف عند الأطفال.. أسبابها وعلاجها
السؤال إذن : كيف السبيل إلى التعافي من هذه المشكلة؟
الخطوة الأولى: الوقوف على أسباب الخوف
الخطوة الأولى في علاج أي مشكلة هي الوقوف على أسبابها ومصدرها، والأسباب هنا كثيرة، قد تكون تجربة صادمة مرَّ بها الطفل، وقد تكون الخلافات والمشكلات المتكررة بين الزوجين، ما يشعر الطفل بالخوف وعدم الأمان.
وقد يكون الخوف بدافع التقليد، فالتربية بالقدوة، وقد يكون هذا السلوك موجودًا لدى أحد أفراد الأسرة، ما يعني انتقاله إلى الأبناء.
ضعف الثقة بالنفس والبنيان الجسماني الضعيف قد يكون من أسباب الخوف لدى الأطفال، وهو ما يتطلب من الوالدين زيادة ثقة الطفل بنفسه وقدراته وإمكاناته عن طريق تحميله بعض المسؤوليات في البيت، وقضاء حوائج البيت من الخارج.
التربية القاسية والعنف والضرب، وفي المقابل الحماية الزائدة والتدليل الزائد وإجابة كل مطالب الطفل، كلها من أسباب الخوف لدى الطفل، وبذلك يجب الوقوف على السبب الحقيقي وراء خوف الطفل حتى يمكن علاج المشكلة.
أحد الأطفال في المرحلة الابتدائية عاد من مدرسته غاضبًا، وخاطب والده وهو في حالة غضب شديد: لن أذهب إلى المدرسة مجددًا.
عندما حاول الأب تهدئته ومعرفة السبب وراء ذلك، علم أن أحد الطلاب بالمدرسة يهدده ويتوعده.
فما كان من هذا الأب إلا أنه ذهب إلى المدرسة، وأبلغ المدير المسؤول الذي استدعى الطالب الذي هدده، وحلَّ الأمر وطمأن الطفل الصغير، وتم حل المشكلة وعلاج مشكلة الخوف ببساطة، وأصبح الذهاب إلى المدرسة بالنسبة له أمرًا محببًا، لثقته بأن والده في ظهره لن يسمح لأحد أن يهدده.
خوف الطفل قد يكون نتيجة جلوسه بالساعات أمام الشاشات، ومشاهدته أفلام العنف أو حتى الألعاب المخيفة، وعلى هذا عندما يعرف المربي ذلك، يمكنه وقتها علاج الأمر ببساطة وطمأنة الطفل.
وهكذا فإن معرفة سبب الخوف لدى الطفل، تقوم مقام الخطوة الأولى نحو التعافي والعلاج من هذه المشكلة.
قد يكون سبب الخوف واحدًا مما سبق ذكره، أو عددًا منها مجتمعة. وفي كل الأحوال، بمعرفة سبب الخوف، نكون بذلك قد توصلنا إلى نصف العلاج.
اقرأ أيضًا كيف أعالج نفسي من الخوف والتوتر؟
الخطوة الثانية: المشاركة الوجدانية
عندما يخبرك طفلك بأنه يخاف من شيء ما، يجب عليك ألا تسخر أو تقلل من مشاعره، بل أن تظهر تعاطفك معه، ومحاولة طمأنته، وأن تُشعره بالأمان، ومساعدته في التغلب على هذه المشاعر؛ لأن الخوف عملية لا إرادية من الطفل.
اقرأ أيضًا أنواع الخوف.. كيف يتحكم الإنسان في خوفه؟
الخطوة الثالثة: شجِّع طفلك
الخطوة الثالثة لعلاج الخوف، هي تشجيع الوالدين للطفل، وذلك بالتركيز على الإيجابيات والتغافل عن السلبيات؛ لأن ذلك من شأنه أن يزيد ثقته بنفسه، وهنا على الوالدين محاولة تذكير الطفل بالمواقف التي أبدى فيها شجاعة ومقدرة هائلة؛ لأن ذلك من شأنه أن يجعله يكررها مجددًا.
عزيزي الأب، عزيزتي الأم، عليكما النظر دائمًا إلى النصف الممتلئ، لا النصف الفارغ، من أجل زيادة ثقته بنفسه.
ليس هذا فحسب، بل إطلاق لقب الشجاع، البطل وغيرها التي من شأنها أن تحثه على الشجاعة.
مكافأة الطفل في المواقف الشجاعة التي تصدر منه أمر تربوي في منتهي الأهمية، وهذا يحتاج من الوالدين عمل قائمة بالأشياء المفضلة لدى طفلهم، سواء أكانت مأكولات أم مشروبات أم شوكولاتة، أم فُسح وخروجات، أم غيرها.
على سبيل المثال، عند قدوم أحد الضيوف، قام الطفل باستقبالهم، وإدخالهم، ثم تقديم واجب الضيافة لهم، مثل هذا الموقف يجب ألا يمر هكذا، ولكن كلمات الثناء والمدح يجب أن تكون حاضرة وأمام الجميع.
أذكر أن طفلي وهو في الثالثة من عمره، وفي الوقت الذي كان إخوته الكبار يخافون من النوم في غرفة بمفردهم، كان هو عندما يريد النوم يذهب إلى غرفته بمفرده لكي ينام، فما كان مني إلا أن أعبر له عن سعادتي بشجاعته وعدم خوفه تشجيعًا له، فضلًا عن وصفه أمام إخوته بالشجاع الذي لا يخاف.
اقرأ أيضًا كيف يؤثر عليك الخوف من الفشل ويدمر مستقبلك؟
الخطوة الرابعة: ممارسة لعبة فردية
من بين أسباب الخوف لدى الأطفال هو الضعف الجسمي؛ ما يجعله عرضة للتنمر من أقرانه والتحرش به؛ لذلك فإن ممارسة الطفل للعبة فردية للدفاع عن النفس مثل الكاراتيه أو الكونغ فو وغيرها من شأنها أن تزيد ثقته بنفسه.
في هذه النقطة تحديدًا، أذكر عندما كنت طفلًا في السابعة أو الثامنة من عمري، وعندما كنت أذهب لقرية أمي، كان أبناء خالتي يقولون لأطفال القرية الأشرار: إياكم والاقتراب من محمد، فإنه يلعب الكاراتيه ويستطيع ضرب أي أحد.
فكان الجميع لا يعترض على كلمة أقولها، خاصة عندما كنا نلعب كرة القدم، ونقسم الفرق واختيار المرمى واللاعبين وغيرها.
اقرأ أيضًا ما هي أسباب الخوف وكيفية التغلب عليه؟
الخطوة الخامسة: نماذج شجاعة
شئنا أم أبينا يبقى الوالدان هما القدوة والنموذج الأول للطفل، لذلك من الضروري أن يرى فيهما من صفات الشجاعة والقوة ما يجعله شجاعًا لا يخاف.
هنا تحديدًا نجد بعض الأمهات تعبِّر أمام أطفالها عن خوفها من الصراصير مثلًا أو الفئران، هي بذلك تنقل تجربتها السلبية إلى أطفالها، وتجعلهم دون أن تشعر يخافون منها، أسوة بها.
على العكس تمامًا، على الوالدين أن يُظهرا الشجاعة أمام أطفالهما لكي يقتدوا بهما، فإذا كان الطفل يخاف من الظلام، على الوالدين أن يدخلا ويخرجا أمامه إلى الغرفة وهي مظلمة لكي يزول عنه هذا الشعور.
اقرأ أيضًا الخوف شعور طبيعي.. تعرف الآن كيف تتخطى هذا الحاجز
الخطوة السادسة: تشتيت الانتباه
غالبًا ما تبدأ مواقف الخوف لدى الأطفال بموقف مخيف رآه أو سمع عنه، وهو ما يتحول لفكرة سلبية بداخله تسيطر عليه، والتي من شأنها أن تولِّد لديه مشاعر الخوف التي يترتب عليها سلوكيات مثل التجنب والهروب والرعشة وتصبب العرق وغيرها.
لكي نواجه الخوف لدى الطفل، لا بد من وقف المشاعر السلبية لديه، ولفت انتباهه لأشياء أخرى، خاصة وقت حدوث الموقف المخيف، فهذا من شأنه أن يقلل تركيزه على مثيرات الخوف وتركيزه على أشياء أخرى.
اقرأ أيضًا لماذا نشعر بالخوف والقلق من المستقبل؟
الخطوة السابعة: التخيل الإيجابي
التخيل الإيجابي هو أن يتخيل الطفل مشهدًا محببًا لديه يشعر فيه بالسعادة، فالطفل الذي يخشى نزول البحر، نجعله يتخيل وهو يلعب مع الأصدقاء بالكرة، وحركة وصوت المياه، وكيف أنه يبني برجًا، ومع تكرار التخيل، يزول الخوف من البحر تدريجيًّا.
وأنتم أعزائي القراء، شاركونا آراءكم في التعليقات أسفل هذه المقالة عن: أيٌّ من الوسائل التي ذكرناها، ذات فاعلية من واقع تجربتكم وخبراتكم في التربية.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.