رغم التطور الطبي والتكنولوجي في حياة الإنسان في كل مرحلة عن المرحلة السابقة؛ فإنه دائمًا ما يظهر من الأشياء والمستجدات التي يقف الإنسان أمامها عاجزًا عن التصرف أو التفسير، ومن هذه الأمور الأوبئة والأمراض التي تضرب البشرية من حين لآخر، وبعضها لا يملك الإنسان له سبب ولا تفسير ولا علاج، فيأتي الوباء أو المرض ويذهب، ويتركنا في حيرة من أمرنا، رغم غرور الإنسان وشعوره بالتفوق خاصة في مجال الطب والأدوية.
وفي هذه المقالة نستعرض لك ثلاثة من الأوبئة الغريبة التي لم يستطع الإنسان تفسيرها أو صنع علاج للمصابين بها، حتى انتهت من تلقاء نفسها تاركة خلفها لغزًا كبيرًا.
اقرأ أيضاً وباء
وباء الضحك
بدأت الحكاية في يناير 1962 بإحدى مدارس البنات الداخلية في قرية من قرى دولة تنزانيا تدعى كشاشا، حين بدأت ثلاث فتيات بالضحك المستمر دون توقف وقتًا طويلًا، ولم تستطع الفتيات السيطرة على أنفسهن، ولا التوقف عن نوبات الضحك، وهو ما أزعج إدارة المدرسة وتدخلت لمحاولة إنقاذ الفتيات، إلا أن الأمر تصاعد بانتقال العدوى إلى طالبات أخريات، ليصبح العدد في أسبوع واحد 95 فتاة من إجمالي 159 فتاة بالمدرسة.
إلا أن النوبات لم تصب المدرسين والعاملين بالمدرسة، ومع استمرار موجات الضحك اضطرت المدرسة لتعطيل الدراسة وإغلاق أبوابها بعد نحو شهر من ظهور المرض.
ومع عودة الفتيات لمنازلهن حدث ما أكثر من ذلك، فبدأ الوباء ينتشر في القرية بين الشباب من سن 12 و18 عامًا، ثم بدأ في الانتقال إلى القرى المجاورة، ما أدى إلى تعطيل الدراسة بالمدارس الموجودة بالقرى الواحدة تلو الأخرى، حتى قررت الدولة إنهاء العام الدراسي قبل أن يكتمل بإقفال 14 مدرسة>
واتجهت لمحاولة فهم وتشخيص هذا المرض عن طريق الأطباء والعلماء والباحثين، الذين عاينوا آلاف الشباب والشابات الذين أصيبوا بوباء الضحك.
آثار أخرى بدأت تظهر مع نوبات الضحك التي قد تستمر من عدة ساعات إلى أسبوعين مع الشخص نفسه، فيتوقف عن النوبة لبعض الوقت ثم يعود إليها مرة أخرى، فظهرت عليهم آثار الطفح الجلدي والرغبة في الركض بلا هدف، وانتفاخ البطن الشديد والصراخ والبكاء الذي لا يمكن السيطرة عليه، إضافة إلى الصداع والأرق والمغص الشديد.
لم يستطع رجال الطب والعلماء التوصل لسبب علمي لهذا الوباء، وعلى هذا فلم يجد الأطباء دواءً أو حتى وسيلة لتخفيف الأعراض والنوبات، فإنه بعد نحو ستة أشهر بدأ المرض ينحسر من تلقاء نفسه، وهدأت موجات الضحك، وأعيد فتح المدارس، وعاد السكان إلى ممارسة حياتهم الطبيعية، وبعد عام ونصف بالضبط من ظهور المرض كان قد انتهى تمامًا.
ورغم البحوث ورغم العينات والتشخيص والدراسات وجلسات العمل؛ فإنه لم يستطع أي طرف من أطراف دراسة المرض الإجابة عن السؤالين المهمين: ما سبب المرض؟ وما علاجه؟
إضافة إلى أسئلة أخرى قد تطرأ على ذهن المراقبين، مثل لماذا هذه المنطقة بالذات؟ وهل يمكن أن يعود المرض مرة أخرى؟ ليبقى وباء الضحك لغزًا من الألغاز التي وقف الإنسان عاجزا أمامها تمامًا.
اقرأ أيضاً متلازمة أليس في بلاد العجائب وأعراضها الغريبة
وباء الرقص
في يوليو عام 1518 بدأت سيده تدعى فراو تروفيل في مدينة ستراسبرج الفرنسية بالرقص في الشارع أمام منزلها دون سبب ودون مصاحبة الموسيقى، رغم توسلات زوجها لها بالتوقف؛ فإن الأمر أصبح غريبًا جدًّا عندما استمرت في الرقص ساعات طويلة حتى انهارت في موجة من الإرهاق.
وبعد استراحة بدأت في اليوم التالي في عملية الرقص على قدميها المتورمتين ساعات طويلة، وهكذا بدأ وباء الرقص في ستراسبرج الفرنسية، حيث بدأ الناس في التجمع ومشاركتها الرقص، الذي تحول إلى وباء لا يستطيع أحدهم التحكم في نفسه أو التوقف عن الرقص.
ومع انتشار الوباء ظنت السلطات أن تروفيل هي السبب، فأرسلتها إلى مدينة سافرن على بعد 30 ميلًا من ستراسبورج وتحديدًا إلى مزار القديس فيستوس، اعتقادًا منهم بأنها ملعونة، وقد تتماثل للشفاء بعد هذه الزيارة؛ إلا أن أعداد المواطنين المصابين بالمرض الغريب بدأ في الزيادة.
وبدأت التفسيرات في البلاط الملكي ما بين رجال الدين الذين يقولون إنها لعنة والأطباء الذين يقولون إنها مرض طبيعي نتيجة زيادة في تدفق الدم.
وإن علاج المرض هو جعل المصابين ينزفون أو جعلهم يصلون إلى المرحلة النهائية من الإرهاق، فبدؤوا بمساعدة الناس على الرقص بتوفير أماكن للرقص، واستئجار عشرات الموسيقيين من أجل دق الطبول والأبواق، وغيرها مع مجموعة من الراقصين الأصحاء، لتشجيع المصابين على الوصول إلى مرحلة الإرهاق والإعياء، إلا أن الأمر جاء بنتيجة عكسية، وبدأ بعض المصابين يسقط ميتًا نتيجة توقف القلب والإعياء الشديد.
وبدأ رجال الدين في محاولة لعلاج المصابين، الذين وصل عددهم إلى 400 حالة، وقد وضعوا على أيديهم صلبانا صغيرة وأحذية حمراء على أقدامهم، وسكبوا المياه المقدسة والزيت المبجل على الأحذية، وصاحب هذه الشعائر أجواء من البخور والتعويذات اللاتينية لفك اللعنات، إلا أن الأمر لم يأت بأي نتيجة.
وكما حدث مع وباء الضحك حدث تمامًا مع وباء الرقص، فقد بدأ الوباء ينحسر رويدًا رويدًا، حتى توقف نهائيًّا دون معرفة الأسباب التي أدت إليه أو علاجه أو حتى حصر المصابين والوفيات بدقة.
ولم تتحد الأرقام الصحيحة، فبعضها يقول إن الوفيات كانت بالمئات وبعضهم يقول إنها كانت بالعشرات، إلا أن الأهم من ذلك هو أن الإنسان وقف عاجزًا بكل كبريائه وعلومه وإمكاناته أمام هذا المرض الغريب، الذي أصبح لغزًا في طيات التاريخ لم يستطع الإنسان حله حتى الآن.
اقرأ أيضاً التنمر وباء أخلاقي
وباء التعرق
وباء التعرق أيضًا كان أحد الأوبئة والأمراض التي ظهرت فجأة في إنجلترا في أربع مرات مختلفة في أعوام 1508 و1517 و1528 و1551.
فإنه لم يظهر مرة أخرى في تاريخ إنجلترا، إضافة أنه لم يظهر أبدًا خارج إنجلترا، وهو مرض غريب يبدأ في الانتشار بمنطقة ما بسرعة كبيرة، ويحصد الأغنياء على وجه الخصوص، فقد أصيب به كثير في بلاط الملك هنري الثامن، إلى أن جعلت الملك يغير مقر إقامته كل يومين، في محاولة لتحاشي الاتصال بأولئك المصابين بالمرض.
ويبدأ المرض دون سابق إنذار غالبًا في الليل أو الصباح الباكر، فيصاب الشخص بموجة من البرودة والرجفة، يعقبها حمى شديدة، مع تصبب العرق الغزير، وغالبًا ما كان يصاب الشخص بالطفح الجلدي، والآلام في الرأس والعضلات، مع صعوبة التنفس.
إلا أن هذا المرض الذي يبدأ فجأة يستمر فقط مدة 24 ساعة، فإذا حالف المريض الحظ يتحول العرق الغزير إلى التبول بغزارة، ثم يتماثل للشفاء في أسبوع أو 10 أيام، أما إذا لم يصاحبه الحظ، فإنه يموت بعد 24 ساعة نتيجة الأعراض الشديدة والتشنجات التي تؤدي إلى الدخول في غيبوبة ومنها إلى الموت.
والغريب أن المرض لم يكن يصيب الأطفال أو الطاعنين في العمر، ثم أن المصاب الذي يشفى منه لا يكتسب مناعة من المرض وقد يعود له مرة أخرى.
وكان المرض الغريب يصيب مكانًا أو جماعة بعينها مدة قصيرة، ثم يختفي ليظهر في مكان آخر دون سبب واضح أو علامات يمكن اقتفاء أثرها علميًّا.
وكذلك اختفى المرض ولم يظهر بعد هذه المرات الأربعة في غموض، ولم يستطع الأطباء والدارسون فهم المرض وأسبابه، وعلى هذا لم يتوصلوا إلى علاجات أو لقاحات لهذا الوباء، وكذلك لا يعرفون حتى إذا كان سيعود مرة أخرى أم لا؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.