يوم رأيتها كان يوماً مقداره ألف سنة ولكن ما مرّت إلا كعشية يوم أو ضحاها..
صهباء قلبي كيف لا تفطر قلبي وقد ولجت عيناها الداكنتين بقتامة الدم تارّة للأذين وأخرى للبطين...
مجراها مجرى الدم في كل وريد ..
كيف لا وقد فتنت قلبي ..
صهباء قلبي خجلها صارخ يدوي المكان وصمتها دواء يداويه ...
كلّما ابتسمت أشع من بياض سنها الكون ..
صهباء حسناء الوجه النظر وريحها العطر ..
وجودها في الظلام نور للسالكين ..
حبة درّ أذابت أوتاد العشاق القائمة فلو رآها قيس لبغض ليلى من فرط جمالها ..
والجمال يتجدول جداول جداول..
فجدوله الأول معياره ما رأت العين من فيض نورها ..
وأمّا الثاني فمعياره ما حدثت الأرواح به أنفسها، فإذا تسامرت الأرواح لا بدَّ للأجساد إلّا وأن تتسامر ..
آية الكون، والكون يحسدها على حسنٍ هي فيه أحسن المصور إليه..
عذوبة بؤبؤها تجفف النيل فنظرة واحدة كفيلة بأن تغرقك في بحرها البحر اللجي المظلم..
تدخلك في ظلمات ثلاث: ظلمة عينها، وظلمة عصبها، وظلمة عقل قلبها..
كيف لا وحالُ من رآها مدعاة إلى الشفقة فإما كان قاد لاق حتفه.. وإما جنَّ من فرط السحر فأصبح يهذي كالمخمور..
نعم إنها كأس مُدَامة إن تجرعتَ منها جرعة لا تثمل وإنما تلج من سم الخياط إلى عالمها، عالم لا يناسب أصحاب العقول التي كادها بارئها ..
عالم قد جرى ذكره على لسان كل من أحب .
عالم ترى فيه نقاوة الروح أتطلع من خلاله إلى روحي فهي مرآة روحي أرى فيها ذاتي ..
وجنتاها الدافئتين بدفء جمر قد سعرت ناره ثم انطفئت ورذاذ الجمر المتناثر على خديها ..
نور على نور.. هي شجرة تظلك، وتطفئ نار الوجدان من خلال نسمات أوراق شعرها، الشعر الذي زادها ما أنقصها من عذوبة جمالها..
حريرٌ أحمرٌ بلون لهيب النار.. النارِ التي أحرقت كل من قرب إليها.. وثَمَرها عسلٌ.. عسلّ التبسم المرسوم بشفتين حمراوين فكيف لا تكونان حمراوين وهي لهيبٌ على الأرض يمشي ؟!
في كل ابتسامة قطرة من بحرها الأحمر .. تذيبك قبل أن تذوب وتميتك قبل أن تموت وهل أنا حي ؟!
أنا متُ قبل أن أموت.. أحرقني لهيب الجمرة الصهباء..
تمشي على استحياء برشاقة الخطوات المتقاربة والخجل يجرّها من يديها الرقيقتين..
إن لامست العليل بهما نسيَ العلة ووقع في علة أعظم؛ علة حُبها.. صوت عندليب قابع في حنجرتها لا يطيق الكتمان وعندما تفصح أنسى الطرب الذي سمعته في حياتي.. أتلذذ بسماع مقام طربها الغائب في تاريخ الموسيقى.. مقام فريد لا ملل في سماعه.. بل الأذن تحن إليه..
سَارّةٌ هي.. تسرُّ قلبي.. إن وُجِدَ العيب فلا أسميه أنا عيبًا بل تفصيلا كاملا من تفاصيل الصهباء..
فتمام الحبّ أن يُحبّ المحبّ تفاصيل محبوبه حتى التي تُرَى نواقص في أعين الغير ..
عندما أتلقى خطابات تنم عن الأدب والاحتشام .. تلغى عندي لأنني ما رأيت إلا قمة في أدبها واحتشامها .. وإن كان عائب القول الصحيح سقيم الفهم ..
وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم سقيم.
فيا سيدتي عقدة النفس تكمن في عجز القلب عن الحب..
فبالحب ترى الوجود ..
أما الأدب فهو روح الحب إذ على المحب أن يتأدب مع محبوبته..
فلست أرى في أدبها وخجلها وتواضعها سوى صورة من صور الحب.. فمنطقي لا يسميه عقدة نفسية..
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.