أهمية الصحة النفسية، إن أعظمَ نعمتين في الوجود -بعد الدين- هما: الطاقة والوقت، أو بتعبيرٍ آخر، الصحة والفراغ، ومع ذلك، فإنهما الأكثرُ حظًّا من الإهدار والتضييع! ومصداقُ ذلك قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ، إنهما أعظم موارد الإنسان على الإطلاق، حتى إن المال ليأتي في درجة متأخرة عنهما، وذلك أنهما -أي الوقت والطاقة- هما المادة الخام التي ينسج منها المرء كل نجاحاته، سواء كانت مالًا أو جاهًا ومنصبًا أو شهرةً ومنزلة في الناس.
اقرأ أيضاً الصحة النفسية وأهميتها وتأثيرها على الأطفال
نبذة مختصرة عن الصحة النفسية
وحديثنا في هذا المقال يخصُّ نوعًا من أنواع الصحة، فالصحةُ ضروبٌ كثيرة، فتوجد الصحة الجسدية وهي النوع الأكثر طرحًا للمناقشة والحديث، وتوجد الصحة النفسية، والصحة العقلية، وثم الصحة الروحية، وذلك أن بناء الإنسان من هذه الأربعة، الجسد والروح والنفس والعقل، سنتكلم هنا عن الصحة النفسية على وجه التحديد، وعن أهميتها لا في السعادة والنجاح فحسب، ولكن في جوانب الصحة الأخرى!
فالعلاقة طردية بين هذه الأنواع الأربعة، إذ يؤثر كل واحدٍ منها في الثلاثة الأخرى، لا سيما الصحة النفسية، التي تنعكس بلا شك على صحة الجسد والعقل والروح.
الصحة النفسية هي سلامة النفس من الآفات والأمراض التي تحول بينها وبين الراحة والطمأنينة، وتقدح في نيل وطرها من السرور والسعادة، وتؤثر في إمكانية النجاح، وربما أدت إلى العزلة الاجتماعية والوحدة.
ومن ثم فإن الافتقار إلى الصحة النفسية، لا يقتصر على الإضرار بالفرد وحده، ولكنه ينال من سلامة المجتمع أيضًا! إن الأشخاص المرضى نفسيًّا وغير الأسوياء على المستوى الفردي، لن يكونوا بحالٍ ذوي نفعٍ لمجتمعاتِهم! إن الذي يعجز عن ضبط نفسه والتحكم فِي مشاعره الشخصية، لَهو عن تقديم النفع لمجتمعه أعجز! وهذا يسوقنا للنقطة التالية.
اقرأ أيضاً مظاهر الصحة النفسية.. كيف تتغلب على الاضطرابات النفسية؟
أهمية الصحة النفسية
على مستوى الفرد، يكون الشخص الأكثر صحة نفسية، أقرب إلى السعادة، وهذا بديهي جدًّا! فبمجرد النظر لتعريف الصحة النفسية، نقف على حقيقة مفادها، أن الصحة النفسية والسعادة يجريان في مضمار واحد، بل ويؤدي بعضهما إلى الآخر، فإنك إن كنتَ على درجة رفيعة من الصحة النفسية، فسوف تكون أكثر سعادة، وعندما تكون أكثرَ سعادة، سوف ترتفع درجة صحتك النفسية.
تجنب المعاناة التي يجلبها المرض النفسي، فانعِدامُ الصحة النفسية أو أي خلل فيها يعني الألم النفسي والاكتئاب، إن القلقَ الذي يعتري المصاب به، لَيَضربُ سكينته وراحته في مقتل.
الصحة النفسية تعكس درجة الإنتاجية، وهذا بديهي أيضًا، ولو أنك قرأتَ مقالي (الخروج من الحالة النفسية السيئة) و (كلام يحسن النفسية)، فلا بد أن تكون قد علمتَ أن المشاعرَ هي الجذور التي ينبثق عنها السلوك، فجودةُ المشاعر تتناسب مع جودة السلوك سلبًا وإيجابًا، إن رداءةَ الصحة النفسية يؤدي مثلًا إلى الكسل والخمول، وهذا بدوره يقلل من حركته وإنتاجيته، وذلك يؤدي حتمًا إلى ضعف الإنتاج!
تؤثر الصحة النفسية في الحياة اليومية للفرد، وتنعكس على تصرفاته البسيطة تجاه نفسه والآخرين، قد يميل الشخص بسبب سوء حالته النفسية إلى الانعزال عن الناس، قد يغدو شخصًا انطوائيًّا منكفئًا على ذاته، لا يرغب في التفاعل مع المحيطين، لا يجد في نفسه حافزًا نحو التأثير فيهم والتأثر بهم.
اضطراب النفسية يؤدي إلى إضعافِ القدرة على اتخاذ القرار، وذلك أن ذلك الشخص يفتقر إلى الشجاعة التي يتطلبها اتخاذ القرار، ناهيكَ عن استغراقه في مدافعة مشاعره المؤذية، الأمر الذي لا يتيح له مجرد القدرة على الخروج من هذه الحلقة المفرغة، فضلًا عن أن يجد في نفسه دافعًا للتفكير في الحلول، واتخاذ قراراتٍ صائبة!
اقرأ أيضاً هل الصحة النفسية لها دور وقائي ودور علاجي؟
العلاقة بين الصحة النفسية و السلوكيات
كما أنها تنعكس سلبًا وإيجابًا على العقل، إن العقل المُثقلَ بأعباء المشاعر السلبية، ليس مؤهلًا لأي درجة من التفكير الإيجابي! عندما تسمح للعقل العاطفي أن يكون هو القائد، فإنك تُقَلِّص دورَ العقل التحليلي، متى اشتعلت العاطفة، تقوض دور العقل والمنطق! الأمر الذي تنجم عنه سلسلة طويلة من الأخطاء.
اعتلال الصحة النفسية سوف ينعكس أيضًا على الأبناء والزوجة والأشخاص المقربين! إن الشخص الذي يعاني خللًا في الصحة النفسية لَيُشِعُّ بطاقة سلبية! لا تلبث أن تنتقل إلى المحيطين، ثم إن هذا الإنسان، ليس كفؤًا لإدارة شؤون عائلته!
إنه لا يضر بنفسه والمجتمع فحسب، ولكنه يضرّ بأسرته أيضًا، في الوقت الذي ليس يحرص على نفع أحد كما يحرص على نفعهم! ولكنه للأسف لا يستطيع أكثرَ من ذلك، ولا يُحسن أن يستخرجَ نفسه من قوقعة الوهن النفسي، فضلًا عن أن يفعل ذلك مع أبنائه وعائلته!
كلما تقادَم الزمان بهذا الشخص، كلما ازدادت أحواله سوءًا، نعم سوف يصبح ذلك الإنسان أكثرَ فقًرا، وأقلَّ نجاحًا، سيزدادُ تعاسةً وشقاءً بمرور الأيام، سوف يعاني فشلًا في جوانب الصحة الأخرى، سيكون أكثرَ عُرضة للأمراض الجسدية والعضوية أيضًا.
ليس نتيجةً لفعل المشاعر السلبية ودورها في التأثير السلبي على مناعة جسده فحسب، ولكن نتيجة السلوكيات الخاطئة التي سوف ينتهجها مثل التدخين والمخدرات وغيرها أيضًا! وربما يُورِّثُ أبناءَه من ذلك الإرث الخَرِب والتركة المتهاوية، باختصار، الخلل في صحة النفس، سَينعكس على جوانب الحياة قاطبةً!
اقرأ أيضاً تحقيق التوازن النفسي وتلبية الاحتياجات النفسية الأساسية
نصائح لتحسين الصحة النفسية
بما أن صحة النفس تنعكس على جوانب الحياة الأخرى، وكذلك تنعكس جوانب الحياة على الصحة النفسية، فإن تحسين أحدهما سوف ينعكس بدوره على الآخر، وهنا سوف نتطرق لأهم العوامل التي تؤثر في الصحة النفسية سلبًا وإيجابًا.
بحيث ينجم عن التحكم فيها والسيطرة عليها وتحسينها، تحسُّنٌ ملحوظ في الصحة النفسية، ولسنا في مزيد حاجة إلى توضيح أهمية الصحة النفسية، فقد أغنى ما أسلفنا عن مزيد إيضاح، فالآن كيف نستخدم الأمور بطريقة تسهم في تحسين المزاج، والارتقاء بالصحة النفسية إلى أسمى درجاتها، والنهوض من كبوةِ الاعتلال النفسي:
النوم الجيد: ليس يقتصر تأثيره على الصحة الجسدية، بل إن تأثيرَ النوم الجيد على المزاج لَهو أكبر من تأثيره على الجسد! ربما نشعر بالإرهاق البدني والإعياء عند التفريط في النوم الجيد.
لكن مشاعر الكدر والخمول النفسي التي تُصاحب ذلك هي المسؤول الأول عن ضعف الإنتاجية، كثيرًا ما نشعر بالتعب الجسدي، ومع ذلك تكون أنفسنا في أوج نشاطها، عندما نشعر بتحقيق الإنجاز، أما العكس فلا!
إذا شعرت النفس بالإعياء فلا تنطلق في طلاب النجاح إلا خاملةً متثاقلة، لا ينبغي أن نضنَّ على أجسادنا بالراحة بحجة ضيق الوقت! قيل إن أينشتاين كان ينام أكثر من 10 ساعات في اليوم الواحد! لن تكون أكثر إبداعًا إن عملتَ لفترات أطول ولكن بجسد لا يتحرك إلا بشق النفس!
التفكير الإيجابي: وهو لا يعني عدم النظر للمشكلات، ولا يساوي غض الطرف عن العقبات، ولكنه يعني ببساطة أن نتعامل معها بالعقل لا بالمشاعر، عند التعرض للمشكلات، يشتعل العقل العاطفي، ودورك ينبغي أن ينصرف إلى إطفاء نيرانه! لئلا تتوقد النيرانُ في حياتك، وتستحيلَ صنوًا للجحيمِ والعذاب، وينبغي أن تسارع إلى استعادة دور العقل التحليلي.
اقرأ أيضاً أهمية الصحة النفسية في الحياة وبعض النصائح للتخلص من الضغط النفسي
نصائح أخرى لتحسين الصحة النفسية
الطعام الجيد والمدخلات الصالحة: فالطعامُ يؤثر مباشرة في النفسية، توجد أطعمة ترفع من هرمونات النشوة! في حين يؤدي الإفراط في تناول الشاي والقهوة إلى ارتباك الجهاز العصبي والشعور بالتوتر والقلق! التدخين لا يؤدي إلى الاسترخاء كما يظن المدخنون، بل هو يفعل الضدَّ من ذلك تماما! إهمال وجبة الإفطار يؤدي للشعور بالإعياء البدني والنفسي والخمول!
التواصل مع الناس: كلما انخرطتَ مع مجتمعك، كلما انسلختَ من المشاعر السلبية، التي هي رأس مال اعتلال الصحة النفسية!
يمكن أيضًا أن نستعملَ الاسترخاء وتمارين اليوجا، فذلكَ يؤثر تأثيرًا ملحوظًا على الحالة المزاجية والنفسية.
يفضل أحيانًا أن تجلس منفردًا، أو تمشي في الأماكن الفسيحة وحيدًا.
التأمل يعمل على تحسين الصحة النفسية
توجد أنواع من الأدوية التي ينجم عنها اعتلال في الصحة النفسية، فلا ينبغي تعاطيها إلا في الضرورة القصوى، بل توجد عقاقير تُحدث أعراضًا جانبية تدمر الصحة النفسية، مثل القلق الشديد والاكتئاب والوسواس القهري، بل منها ما يصل الأمر فيه إلى درجة الرغبة في الانتحار! على كل حال ينبغي أن تكون حريصًا عند استعمال الأدوية، وألا تُقدم على تناولها إلا بعد استشارة الطبيب.
وأخيرًا إذا أخفقَ كل ذلك في تحسين الصحة النفسية! (وهذا لن يحدثَ على أغلب الأحوال) فيمكن عندئذ اللجوء إلى الطبيب النفسي.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.