يعاني العالم العربي نسبًا كبيرة في الاضطرابات النفسية، إذ إن الأغلبية الساحقة من دول المنطقة تعرف معدلات من مشكلات الصحة النفسية تفوق المعدل العالمي.
اقرأ أيضاً مرض ألزهايمر.. أسبابه وأعراضه وطرق الوقاية منه
ما نسبة انتشار الأمراض النفسية في العالم العربي؟
ويعد كل من الاكتئاب والقلق من الاضطرابات الأكثر انتشارًا في الدول العربية، وتعد الاضطرابات النفسية من أهم مسببات الإعاقة في المنطقة.
نلاحظ تباينات إحصائية بين مختلف البلدان العربية نظرًا لظروفها المختلفة، ففي منطقة شرق البحر المتوسط التي تشمل حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية جل الدول العربية، إضافة لدول أخرى كإيران وباكستان، نجد أن فلسطين تعاني أهم نسبة من الاضطرابات النفسية، في حين تبين دراسة أجريت على 547 لاجئًا سوريًّا في المدارس الحكومية اللبنانية، أن 56% من هذه العينة تعاني اضطرابات القلق، وتفاقم بعض الأعراف والقوانين أزمة الصحة النفسية في العالم العربي.
مع أن العالم العربي يعرف نسبًا مهمة من الاضطرابات النفسية، فإنه لا يزال الجهل منتشرًا بشأن الصحة النفسية، إضافة لأعراف ثقافية تطبع أفكارًا مغلوطة عن الاضطرابات النفسية، وتؤدي إلى وصم الأشخاص الذين يعانونها.
ولهذا الوصم مضاعفات صحية خطيرة كونه من أهم أسباب عدم اللجوء للعلاج في منطقة شرق البحر المتوسط، ولا يزال عدد في العالم العربي يفسر المرض النفسي بصفته سحرًا أو مسًّا من الجن، وهو ما يخلق فارقًا في التصور الشعبي عن المرض النفسي مقارنة بباقي الأمراض، فيزورون من يسمون أنفسهم رقاة من أجل الشفاء عوض أطباء نفسيين كباقي أطباء التخصصات الأخرى.
ومن جهة أخرى، يصف عدد من المرضى أعراضهم النفسية بصفتها أعراضًا جسدية، نظرًا لقلة الوعي بشأن المرض النفسي ولتجنب الوصم المرتبط به، ما قد يؤدي ببعض في حالة زيارة طبيب إلى زيارة أطباء من تخصصات أخرى وتجنب الطبيب النفسي.
وعلى الرغم من التاريخ الطويل للطب النفسي في العالم العربي -إذ إن أول مستشفيات الصحة النفسية في العالم ظهرت في بغداد وبعدها القاهرة ثم دمشق- فإن -وكما تذكر الباحثة ريتا مرهج- الوصم المرتبط بالصحة النفسية يوجد أيضًا داخل المجال الصحي في المنطقة العربية، سواء عند أطباء أو طلبة أو باقي العاملين في الصحة، وهو ما يؤكد ضرورة التطرق لوصم الصحة النفسية داخل المجال الصحي أيضًا والحث على تدريبات كافية في هذا المجال.
إضافة إلى الأعراف الثقافية التي تسبب وصمًا مجتمعيًّا للصحة النفسية، توجد عوامل ثقافية في العالم العربي تفاقم وتسهم في الاضطرابات النفسية بحد ذاتها.
تشير الباحثة نهلة خميس إبراهيم إلى تعدد الزوجات مثلًا، إذ إن الزوجة الأولى تعاني نسبًا أكبر من الاضطرابات النفسية مقارنة بباقي الزوجات، ثم إن النساء في هذا النوع من الزواج عمومًا يعانين ارتفاعًا في الاكتئاب والذهان.
بينما تؤدي الأعراف الثقافية السائدة دورًا سلبيًّا في أزمة الصحة النفسية في العالم العربي، نجد أن الجانب القانوني، لا سيما من الناحية التطبيقية، يزيد الطين بلة.
تشهد بعض دول المنطقة العربية غياب قوانين خاصة بالصحة النفسية، في حين أن دولًا أخرى تمتلك قوانين قديمة لم تُحدَّث منذ عقود، كما تبين الباحثة مرهج أن وجود قوانين في بعض البلدان العربية لحماية حقوق المصابين باضطرابات نفسية غير كافٍ بحد ذاته، وذلك نظرًا لغياب آليات المراقبة ما يجعلها أقل فاعلية في التطبيق.
اقرأ أيضاً أعراض الاكتئاب وأسبابه وطرق التغلب عليه.. لا تفوتك
اقتراحات لحماية حقوق المصابين بأمراض نفسية
تقترح الباحثة نهلة خميس إبراهيم بعض الحلول في هذا الشأن، منها التحقق من تدبير اضطرابات الصحة النفسية بطريقة أخلاقية وفعالة في العالم العربي، إضافة إلى تدريب مهنيي الصحة النفسية، كما تقترح برامج رفع الوعي بشأن الصحة النفسية في المدارس والجامعات ومختلف وسائل الإعلام، ولرجال الدين دور في رفع الوعي عبر التلقين الصحيح بشأن الصحة النفسية عكس الأفكار المغلوطة في المجتمع.
كل هذا يجب أن يأخذ أيضًا بعين الاعتبار خصائص المنطقة كالمشكلات الاقتصادية في عدد من البلدان العربية، فتدبير هذه المشكلات يعد جزءًا من تحسين الصحة النفسية في الدول العربية.
إذا أُخذت أزمة الصحة النفسية في العالم العربي بمحمل الجد مع تطبيق الحلول المقترحة من الاختصاصيين بواسطة مختلف الجهات الحكومية وغير الحكومية، فإن ذلك سيجعل تقليص الفوارق في الاضطرابات النفسية في المنطقة العربية مع باقي العالم أمرًا ممكنًا في المستقبل القريب.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.