تأمل سماء الليل الصافية، وشاهد الشهب والنيازك المتلألئة تخترق الغلاف الجوي يوميًّا في مشهد من أجمل الظواهر الطبيعية التي تزيِّن السماء ليلًا. وعلى الرغم من جمال الشهب والنيازك؛ فإنها تحمل أسرارًا علمية مذهلة عن الكون وتركيبه، وتمنحنا أدلة مادية عن النظام الشمسي وتاريخه. هذا المقال يأخذك في رحلة استكشافية لعالم الشهب والنيازك، تلك الأجرام السماوية القادمة من أعماق الكون، نتعرف على الفرق الدقيق بينهما، وكمياتها الهائلة التي تغمر غلافنا الجوي يوميًا، وكيف تحمينا طبقة الغلاف الجوي من خطرها.
ثم نستعرض أنواع النيازك وأحجامها المختلفة، من الغبار الكوني إلى الصخور العملاقة التي تركت آثارًا تاريخية على كوكبنا، ونستكشف أهم زخات الشهب التي تضيء سماءنا سنويًا، وأخيرًا، نكشف عن قيمة هذه الأجرام السماوية للعلم الحديث في فهم نشأة الكون وتكوينه.
قدَّر العلماء أنه يوميًّا يخترق الغلاف الجوي نحو 8000 مليون شهاب. وبسبب وجود طبقة واقية في الغلاف الجوي، فإن النسبة العظمى من الشهب تتبخَّر على ارتفاع 80 كم فوقنا.
الشهب.. والفرق بينها وبين الكويكب
عرَّفت الدراسات الفلكية الشهب بأنها قطع من مواد صلبة ليست بضخامة الكويكب حتى يمكن أن نسمِّيها كويكبًا، إذ يوجد اختلاف كبير بين الشهاب والكويكب. فالكويكب هو الكوكب الصغير الذي يكون أحد الدوارات التي تدور حول الشمس، ومعظم الكويكبات تكون موجودة في مدار كوكبي المريخ والمشتري.
وعليه، فإن الشهب هي جزء من النظام الشمسي وتدور في مدارات أهليجية حول الشمس. وقد أظهرت دراسات علماء الفلك أن الفضاء ليس مجرد فراغ، بل يحتوي على نحو 1000 جسيم في كيلومتر مكعب منه، ومعظم هذه الجسيمات صغيرة جدًّا يتراوح حجمها بين 100 إلى 1000 جزء من السنتيمتر إلى واحد مليمتر.
ومع ذلك، فإن ذلك الجزيء الذي يبلغ قطره مليمترًا واحدًا يمكن أن يُحدث ذلك الاندفاع المفاجئ للضوء في سماء الليل. لذلك، أطلق عليه العلماء النيزك أو الشهاب عندما يدخل فجأة في غلافنا الجوي ويصبح ساخنًا أبيض عند احتكاكه بالهواء، والجسيمات بمثل هذا الحجم تحترق في السماء قبل أن تصل إلى الأرض.
توجد أيضًا شهب أكبر يصل قطرها إلى بضعة سنتيمترات، وتُعد هذه الشهب ناصعة جدًّا عندما تومض نحونا. أما الشهب التي تفوقها حجمًا، فتُسمى في هذه الحالة بالرجم أو الحجر النيزكي.
الحجر النيزكي
قدَّر العلماء أن نحو 400 طن من المواد النيزكية تهبط كل يوم على سطح الأرض، وبشكل أخص الجسيمات الدقيقة التي لا يمكن للعين المجرَّدة أن تلاحظها. وتُعد الأحجار النيزكية الكبيرة نادرة تمامًا. وقد أحضر المستكشف القطبي روبرت بيري معه من غرينلاند رجمًا يزن 36 طنًا، في حين أن العينة الكاملة الكبرى اكتُشفت بالقرب من هوبا في دولة ناميبيا في جنوب غرب أفريقيا، وقد قُدِّر أن هذا الرجم يزن 60 طنًا.
أنواع النيازك وتركيبها الكيميائي
تختلف أنواع النيازك والشهب، فحسب الدراسات منها ما يتكوَّن من الحجر، ومنها ما يتكوَّن من الحديد والنيكل ومعادن أخرى، ونوع مختلط من النوعين السابقين. ولكن أغلب النيازك هي من النوع الحجري.
الأحجار النيزكية قديمًا
الأحجار النيزكية قديمة، فقد اصطدمت بالأرض في الماضي. فقد غاصت في صحراء أريزونا قطعة ضخمة يصل قطرها إلى 20 مترًا وكانت مكوَّنة من الحديد والنيكل، وقد قُدِّر وزنها نحو مليون طن حتى تركت حفرة عمقها 200 متر وقطرها 1200 متر. وإن هذا الاصطدام العملاق والضخم قد حرَّك، حسب تقديرات العلماء، نحو 300 مليون طن من الصخور من مكانها.
قصة نيزك تونجوسكا 1908.. انفجار بلا أثر
فقد تحدث على أوقات متباعدة، ولكن في الألفية الأولى حدث سقوط نيازك عملاقة، أحدها في سنة 1908م في 30 يناير في خرابة موحشة بالقرب من نهر تونجوسكا، وهو أحد روافد نهر ينسى في وسط روسيا الآسيوية. وقد شوهدت كرة من اللهب وتطايرت النوافذ على بعد150 كم، وصاحبها ضوضاء وزمجرة أشبه بالرعد، وقد سُجِّل ضغط الانفجار في مقاييس الضغط بإنجلترا.
ونتيجة لهذا النيزك، فقد جهَّز العلماء بعثة إلى المنطقة، وقد اُكْتُشِفَت غابة يبلغ عرضها كيلومترًا ونصف المتر ويزيد طولها على 30 كيلومترًا مسطحة تمامًا، وحرارة شديدة أحرقت المنطقة المذكورة. وقد تم تقدير أنه سقط نيزك بحجم يزيد على 50 ألف طن واقترب من الأرض بزاوية منخفضة جدًا، فلا يوجد أي أثر لحفرة أو شظايا شهب واضحة.
والثاني وقع في عام 1947م، وذلك أيضًا في مناطق غير مأهولة بالسكان في روسيا أيضًا.
مشاهدة الشهب على الأرض
مشاهدة الشهب يمكن أن تكون أكثر جمالًا في الليالي الصافية، في حين يمكن مشاهدتها على شكل وابل من الشهب، ويعتقد العلماء أن وابل الشهب يأتي من الحطام الموجود في أذيال المذنّبات، ويدور هذا الوابل في مدارات أهليجية حول الشمس، وحين يدخل الغلاف الجوي للأرض، تبدو سماء الليل وكأنها ممتلئة بالشرر المتساقط، ففي عام 1966م حدث ما يُسمَّى بـ«الوابل الأسدي» وسقوط نحو 2000 شهاب في دقيقة واحدة، وقد سُمِّي هذا الوابل بهذا الاسم لأن الشهب أتت من منطقة كوكبة الأسد، وتحدث هذه الظاهرة حسب التقديرات مرة كل 33 سنة.
وتسمى أهم الوابلات المعروفة التي تحدث سنويًّا «فرسيدس»، وتحدث في شمال الكرة الأرضية بين 10 و13 من شهر أغسطس، وتأتي شُهبه من ممرات متوازية من جهة كوكبة تُسمّى بـ«كوكبة الجبَّار».
هل الشهب خطر على البشر
نادرًا ما تصطدم الشهب بالبشر، ولا توجد حالة موثوق من صحتها تقول إن شخصًا قتله شهاب، ولكن في عام 1955م في مدينة «سيلاكواجا» بولاية «أريزونا» بالولايات المتحدة، اصطدمت سيدة في أثناء نومها بنفخة غير مباشرة من شهاب نفذ إلى بيتها من خلال إحدى النوافذ المفتوحة، وكانت هذه الحالة من الحالات النادرة، وقد نجت السيدة بأعجوبة كبيرة.
وفي الختام، تُعد الشهب ذات قيمة كبيرة للعلم الحديث؛ لأنها الأجسام الوحيدة التي تأتي من خارج الأرض، وتُعد ذات قيمة مهمة إذا ما اكتشافها العلماء المتخصصون وحللوها قبل أن تتلوّث بالمواد الموجودة طبيعيًّا على سطح الأرض، فتقدم لنا كثيرًا من المعلومات عن عمر الشمس وكواكبها، وعن التركيب الكيميائي للكون نفسه. إن دراسة هذه الأجرام السماوية القادمة من الفضاء تفتح لنا نوافذ على الماضي البعيد وتقدم لنا رؤى أعمق حول مكاننا في هذا الكون الشاسع، مؤكدةً على قيمة البحث العلمي في كشف أسرار الوجود.
مقال متميز، دمتي مبدعة، ودمتم بخير وسلام وسعادة.
مقال في قمة الابداع والتميز 🎀♥️
مقال ثرى ومفيد جدا 🙏🌹
نشر متميز ورائع فعلا
كم أن الكون رائع و مذهل للعقل و الروح.. أعجبني انتقائك للموضوع عزيزتي
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.