بيتُ "هيكل"، لا يتحمل الدبات الثقيلة لزوجته التي تكاد تُسقط السقف على رأسه، وهي تضع الطعام لدجاجاتها القليلة على السطوح، وجدرانه تقف على سندة واحدة من جسدها الضخم، وهي تنشر الغسيل، السقوط هو الهاجس الذي يسكن أعماق هيكل، والشد هو الصديق والسند الذي لا يفارقه.
خرج "هيكل" من بيته، متجهًا نحو المسجد القريب لصلاة العشاء، متلفعًا بالشد الذي يحمي رأسه، من نقرات الطيور الجارحة، واللعنات التي تأتيه من حيث لا يحتسب، وتقلبات الحياة التي لا تترك رأسه بلا ثغرات.
كما أن الشد يجمع شتات أفكاره التي تهرب إلى المقابر القابعة أمام بيته، لتفتش عن وجوه لا تُفارقه في صحوه ونومه، هيكل والشد متلاصقان لا يمكن فصلهما إلا بالقوى الخارقة، الشد يحمي هيكل من السقوط ويعزز من وجوده، خاصة أنه دائمًا ما يسير حافي القدمين، بجلبابه القصير، الذي يعشقه في الصيف ويلعنه في الشتاء، لكن الشد ينزل بالستر والدفء على جسده النحيل.
في صلاته، دعا الله هيكل، أن يطيل في عمره حتى يهدم البيت ويبنيه، ويشتري أمتارا من القماش وحذاءً يحميه من برودة الشتاء، لأنه لا يأمن للريح المستمرة في صفعه لإزاحة الشد.
غفلت عين هيكل قليلًا في ساحة المسجد، ثم صحا مشعوفًا على لدغات لحشرات صغيرة، تسربت إلى جلبابه المنحول، حتى سرحت على ظهره وقفاه وأكلت من رأسه المكشوف.
وضع هيكل يده على رأسه فلم يجد الشد، نظر في مرآة المسجد، فرأى جسدًا عاريًا مطموس الملامح، مثقوب الرأس، ظل يردد بهلع : أنا هيكل ولا الشد اللي راح، فلم تجبه سوى الريح العاصفه، كان محتاسًا وتائهًا في الملكوت، إلى أن ذهب إلى زوجته ليسألها عن هيكل.
قالت الزوجة: خرج هيكل للصلاة ولم يعد
رد الرجل ذو الرأس المثقوب: أنا هيكل بس الشد اللي راح.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.