لا يكاد يخلو بيت يوجد به أطفال من ظاهرة الشجار بين الأبناء، ما يؤرق الآباء والأمهات، ويصيبهم بالحيرة في التصرف الذي يجب أن يؤخذ حيال هذه السلوكات، لا سيما إذا تسببت في إلحاق الأذى بإخوته.
في هذه المقالة سوف نلقي الضوء على ظاهرة الشجار بين الأبناء، أسبابها، وكيفية التصدي لها بما لا يترك أثرًا نفسيًا سيئًا فيهم.
الشجار المألوف وغير المألوف
بداية يجب التفرقة بين الشجار الطبيعي المألوف بين الأبناء من باب المناكدة والمناكفة العادية بين الإخوة، وبين الشجار غير المألوف الذي قد يؤدي إلى إصابة أحد الأبناء، وهذا هو موضوعنا.
فالنوع الأول "الشجار المألوف" لا يكاد يخلو منه بيت، فالإخوة مختلفون في اهتماماتهم وميولهم ورغباتهم، وينبع الشجار بالأساس من تنوع واختلاف هذه الميول، لكنها تبقى طبيعية وعادية طالما كانت في الحدود المسموح بها.
وتزداد هذه المناكفات بين الأبناء كلما كانوا أقرب في السن، وحسب الدراسات فإنها تزداد بتقدم السن، فأطفال الثامنة يتشاجرون على نحو أقوى من أطفال الخامسة أو الرابعة من عمرهم.
ومع أن بعض الدراسات تشير إلى أن التنافسية أو الشجار يزداد بين أبناء الجنس الواحد، بمعنى أن الإخوة الذكور يتنافسون فيما بينهم، وأيضًا البنات، غير أن الواقع يشير إلى وجود تنافسية بين الإخوة الذكور والإناث، ولا سيما كلما كان السن متقاربًا.
للشجار فوائد
قد يكون غريبًا بعض الشيء القول إنه توجد فوائد للشجار بين الأبناء، إذ تظهر قدراتهم وتختبر مشاعرهم ومدى تقبلهم للهزيمة، فالطفل يختبر قدرته في منافسة أخيه والتغلب عليه، وقد يظهر مشاعر التسامح والعفو عند النصر، وتقبل الهزيمة عند الخسارة، وكلها فوائد تربوية.
أود أن أهمس في أذن الآباء والأمهات الذين يضيقون ذرعًا بهذه الشجارات المتكررة، بأنها تضفي روحًا وحياة إلى المنزل، بدلًا من حالة الجمود والركود، ودعني أخبرك أن من فقد نعمة الذرية يتمنى لو أن لديه طفلًا واحدًا يملأ عليه البيت بهجة وسرورًا.
لذلك يقول الدكتور عبد الكريم بكار عن فوائد الشجار بين الأبناء: "البيت هو ميدان للتعليم والتدريب على مواجهة التحديات في الحياة العامة، ولهذا فإن خلو المنزل من أي نوع من أنواع الصراع لا يرسل رسالة إيجابية على نحو كامل".
السؤال الآن: متى يقلق الآباء من الشجار بين الأبناء؟
توجد بعض الحالات التي يجب أن تقلق الآباء إذا وصل إليها الأبناء في الشجار بينهم، وحينها لا بد من وقفة حازمة من الآباء لمنع تكرار هذا السلوك، كأن يتطور الشجار بين الأبناء إلى عراك بالأيدي أو الاستعانة بالعصا أو آلات حادة من شأنها أن تلحق الأذى بأحدهما.
أو أن تصدر كلمات نابية بذيئة من أحد الأبناء، أو أن يلحق الشجار أضرارًا بالمنزل أو يشغلهم عن أداء واجباتهم المنزلية أو الدراسية.
أحيانًا، قد يعبر أحد الإخوة عن رغبته في الانتقام من أخيه، لا سيما إذا أنصف الأب أخيه عليه، كونه الأصغر أو الأضعف، حينها على الأب أن يجلس ويتحدث بحزم مع الابن الذي ينوي الرغبة في الانتقام من عواقب هذا السلوك مع أخيه لأي سبب من الأسباب.
لماذا يتشاجر الأبناء؟
الشجار بين الأبناء يعود إلى جملة من الأسباب، سواء كان مألوفًا أم غير مألوف، أولها: التنافس على أشياء محببة ومحدودة، كأن يوجد في البيت دراجة واحدة، فتجد الإخوة يتنافسون فيما بينهم على من يركبها أو يلعب بها أولًا.
هذا عن الأشياء المادية المحسوسة، فماذا عن مشاعر الحب؟
تنافس الأبناء على محبة الوالدين لهم، أحد أسباب الشجار بينهم، لا سيما ذلك الابن الذي يعتقد أنه فقد مكانته في قلب أبيه أو أمه منذ قدوم أخيه الأصغر، أو بسبب أفعاله المتهورة التي تغضب والديه منه.
وأيضًا ضيق مساحة المسكن، وعلى هذا ضيق المكان المخصص للعب من شأنه أن يتسبب في الشجار بين الأبناء، فمحدودية المكان والألعاب من أهم أسباب الشجار بين الأبناء، وهي أمور قد تكون خارجة عن استطاعة الوالدين، وبهذا يظهر ذكاء الوالدين في التعامل مع هذه المشكلة، بتناوب اللعب بين الأبناء على اللعبة التي يتنافسون عليها، أو إقناعهم بأهمية اللعب سويًّا ما ينمي روح التعاون فيما بينهم.
ونحن مقبلون على بدء عام دراسي جديد، ما يعني بدء كتابة الواجبات المدرسية اليومية، ومذاكرة الدروس، فإنه كثيرًا ما يقع الشجار بين الأبناء على مكان المذاكرة أو أدوات الكتابة؛ مثل: القلم والمسطرة وغيرها.
وعند الخروج في نزهة أو زيارة الأقارب بالسيارة، تجد الشجار على أشده بين الأبناء، أيهم يجلس جوار أبيه في السيارة.
تفضيل أحد الأبناء
من بين الأسباب إظهار الوالدين الاهتمام بأحد الأبناء على حساب الآخر، سواء بالضحك واللعب معه، أم إحضار هدايا له، أم التعبير له بالكلام الجميل عن حبه الشديد، فإن ذلك من شأنه أن يخلق الغيرة والتنافس بين الإخوة.
في بعض الأحيان يكون سبب الشجار بين الأبناء أن أحد الأبناء لديه فرط حركة، ما يدفعه إلى الاعتداء على إخوته، ما قد يلحق الأذى بهم إن لم يتدخل الوالدين في الوقت المناسب.
الشجار بين الزوجين
شجار الزوجين على نحو متكرر أمام أعين الأبناء من شأنه أن يزيد حدة الشجار بين الأبناء، فالتربية بالقدوة، والأطفال يقلدون ما يرون وما يسمعون؛ لذلك على الوالدين التحلي بالهدوء، ولأن الخلافات من سنن الحياة الزوجية فيجب أن تكون بعيدًا عن مسامع أبنائنا حفاظًا عليهم وعلى صورتنا أمامهم.
التربية القاسية
لجوء الوالدين إلى القسوة والشدة في تربية الأبناء والضرب على كل صغيرة وكبيرة خطأ تربوي فادح، من شأنه أن ينزع الرحمة من قلوب أبنائنا، ويزيد من التنافسية والشجار بينهم، ومحاولة تفريغ شحنات الغضب التي داخلهم على إخوته.
الخلاصة
خلاصة القول طالما بقي الشجار بين الأبناء في الحدود المتعارف عليها، التي لا يترتب عليها إلحاق الأذى بالإخوة، فلا يجب على الوالدين التدخل بالسباب أو الشتم أو الضرب، بل يكفي التوجيه والمراقبة من بعيد، أما إذا وصل الشجار بين الإخوة إلى درجة إلحاق الأذى بأخيه، فعلى الوالدين التدخل وبحزم منعًا لتكرار هذه السلوكات مرة أخرى.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.