في عالم يبدو فيه الفن والاقتصاد ضدين، تكشف السينما عن علوم خفية تربط بين الإبداع ومغامرات ريادة الأعمال، فالمخرج ليس فنانًا فحسب، بل رائد أعمال يبني إمبراطورية من الضوء والظل، حين تصبح الكاميرا ساحة لمعركة المخاطرات المالية، والرؤية الإبداعية سلعة تجارية تدار بدقة ولعبة شطرنج.
تطور السينما من الفن إلى الصناعة
أدرك عظماء السينما أن الفيلم الناجح هو «مشروع استثماري» يتطلب دراسة سوق دقيقة قبل تصوير مشهد واحد، كما يحلل رائد الأعمال اتجاهات الجمهور، فلم يكن فيلم «ذا دارك نايت» (2008) فقط عملًا فنيًّا، بل إستراتيجية لإعادة إحياء شخصية «باتمان» بصفته علمًا تجاريًّا.
وفي موازاة ذلك، تصل كلفة الفيلم الواحد إلى 300 مليون دولار مثل فيلم «أفاتار 2»، وهو مبلغ يوازي رأس مال شركة ناشئة، إذ يستخدم المخرج الناجح «بطاقات الضمان» كالشهرة الدولية أو القصص المستمدة من الكتب العالمية، كسلسلة «هاري بوتر».
تعد الصناعة السينمائية أكبر صادرات الولايات المتحدة بعد السلاح، لكن السر الأكبر يكمن في «الملكية الفكرية»، فشخصية «ميكي ماوس» تدر على شركة ديزني أكثر من 6 مليارات دولار سنويًا بفضل التجارة والاتفاقيات، في حين حولت المخرجة ميلينا ماتسوكاس سلسلة «سبايس جيرل» إلى إمبراطورية تضم ألعابًا وعروضًا تلفزيونية بقيمة تصل إلى 10 مليارات دولار، وهذا يؤكد أن الأعمال العالمية الشهيرة ليس فنًا فقط، بل «مَكِنَة مال» تستثمر في العواطف الجماعية.
تأثير التكنولوجيا على صناعة السينما
في عصر الذكاء الاصطناعي، تحتل التكنولوجيا مركز الصدارة في صناعة السينما، حيث تخفض أفلام الـ«CGI» كلفة التصوير إلى نصفها، كما في فيلم «الأسد الملك» (2019) الذي اعتمد على تقنيات رقمية بدلًا من تصوير حيوانات حقيقية.
وتوجد برامج للذكاء الاصطناعي مثل «سودو رايتر» تحلل نجاح الأفلام السابقة لتقترح عناصر قصصية جذابة، كما حولت تقنية «التقاط الحركة» أداء الممثلين إلى مخلوقات خيالية، كما في فيلم «أفاتار»، ما وفر وقتًا ومالًا يقارن بكلفة تصميم ديكورات واقعية.
النجاحات والإخفاقات في هوليوود
لولا الفشل المبكر، ما كانت هوليوود لتوجد، فنجد أن والت ديزني أفلس قبل نجاح «ميكي ماوس»، ورفضت فكرة «سندريلا» 17 مرة، وعمل جيمس كاميرون سائق شاحنة قبل أن يقنع المستثمرين بفيلمه الخالد «تيتانيك» الذي أصبح أكثر أفلامه ربحًا.
ونأتي إلى ستيفن سبيلبرغ الذي رفض من كلية السينما 3 مرات، فأصبح أسطورة بتدريب نفسه على إخراج أفلام قصيرة، إذن فالنجاح السينمائي ليس وليد «الحظ»، بل ثمرة مثابرة تخطيطية تستخدم فشل الماضي وقودًا للمستقبل.
آفاق المستقبل.. الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين
تختبئ الثورة القادمة في تقنيات «البلوك تشين» والمعاملات الرقمية، فقد بيع فيلم Zero Contact (2022) عملات رقمية (NFT) بقيمة 5.4 مليون دولار، ما يفتح بابًا لتمويل الأفلام دون وساطة شركات الإنتاج، وفي وقت تجرب فيه مسارح الواقع الافتراضي تحويل المشاهد إلى «بطل» يتحكم بمسار القصة، كما في تجربة «Bandersnatch» (نتفليكس)، يصبح الفن والتجارة وحدة لا تنفصم.
السينما كونها ريادة الأعمال هي رحلة من الخيال إلى الواقع، لتتحول الأحلام إلى أرقام تدور في حسابات البنك، والأرقام إلى أحلام تلهم الجماهير، والمخرج الرائد هو من يفهم أن الكاميرا ليست أداة للتسجيل بل مفتاح لإمبراطورية تبنيها الكلمات والضوء، فكما يقول أورسون ويلز: «السينما هي أجمل خداع في العالم، وأكثره ربحية».
👍👍👍👍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.