السيرة الذاتية للشاعر الكبير المتنبي

هو أبو الطيب أحمد بن الحسين (916-966م)، من جعفي أحد بطون سعد العشيرة من مذبح، ينتهي نسبه إلى كهلان، وقبيلته قبيلة فصاحة ولسْن. ولُقب بالمتنبي لادعائه النبوة في صعدة بين الأعراب المنتشرين في بادية السماوة بجوار الكوفة.

معرفته بعلوم اللغة

وُلد أبو الطيب المتنبي سنة 916م في كِندة، وهي من أحياء الكوفة، نزلته قبيلة كندة فسُمي باسمها، وأبوه كان فقيرًا. وظهرت على المتنبي منذ صغره مخايل الذكاء والطموح. فحمله أبوه إلى بلاد الشام وأدخله الكتاب وطاف به في البادية بين القبائل؛ فنشأ على الفصاحة والخشونة ونظم الشعر، ولكن أباه لم يلبث أن توفي.

ولم يمنع ذلك أبا الطيب المتنبي من متابعة تحصيله من حوانيت الوراقين، والأخذ عن أشهر اللغويين والأدباء في الشام والعراق كالزجاج وابن السراج والأخفش الأصغر وأبي علي الفارسي.

وكانت مدارسته عن طريق مجالسة الأعراب ومشافهتهم، فنشأ فصيحًا عالمًا بفنون القول، واسع الاطلاع على اللغة، غزير الرواية. وكان كثير الدرس، يقضي معظم ليله وهو يطالع العلوم الدخيلة وحكم فلاسفة اليونان ولاسيما الفيلسوف أرسطو.

وكان طموحًا، فدعا إلى نفسه بين القبائل الضاربة في بادية الشام كبني كلب، فلقيت دعوته بينهم مرتعًا خصبًا، ووصل خبره إلى لؤلؤ أمير حمص، فشتت أصحابه وأسره مدة طويلة حتى كاد يتلف. ويقال إنه سمي بالمتنبي نسبة إلى النبوة وهي المرتفع من الأرض، ولكننا نراه في شعره يشبه نفسه تارة بالنبي صالح عليه السلام.

ويظهر أن الحاجة قد اضطرت المتنبي بعد موت أبيه إلى التكسب بالمدح، فمدح الناس من أي طبقة كانوا، وكان يقطع الفيافي على قدميه؛ لأنه لا يملك ناقة ولا جملًا.

المتنبي وسيف الدولة

اتصل بسيف الدولة فقرَّبه منه، وعرف قيمة شاعره الخاص فأغدق عليه الجوائز والصلات، واشترط عليه أبو الطيب بدوره ألا ينشده واقفًا وألا يقبل الأرض بين يديه أنفة منه واستكبارًا، ودفعه سيف الدولة إلى المروضين فعلَّموه الفروسية واستعمال السلاح، وكان يمدح سيف الدولة على بسالته وحسن تدبيره ما يراه لا ما يسمعه.

وضحك الدهر للمتنبي وفاضت عليه النعمة، وكان به ميل إلى الاستكبار؛ فحسده الشعراء واغتاظوا منه، فأخذوا يكيدون له عند سيف الدولة حتى أوغروا صدره، وكان المتنبي يقابلهم بالعنف ويعاتب سيف الدولة ويستعطفه ويستنجده عليهم تارة أخرى.

وفي يوم من الأيام ضاق عليه الأمر، ولا سيما بعد أن حاول غلمان أبي العشائر الحمداني اغتياله لتعريضه ببعض أبناء عمه، وحين لكمه ابن خالويه النحوي في مجلس سيف الدولة بمفتاح في يده فسال دمه ولم ينتصر له سيف الدولة، ترك حلب سنة 957 م وقصد دمشق، وبها والى يهوديًّا من قبل كافور، فطلب منه أن يمدحه فرفض المتنبي استكبارًا، فحاول اليهودي أن يكيد له عند كافور فأرسل إلى هذا أن المتنبي قال: "لا أقصد العبد، وإن دخلت مصر فما قصدي إلا ابن سيده".

ديوان شعر المتنبي

عرف كافور من ابن حنزابة وابن كلس سريرة المتنبي فأخذ يماطله ويحظى بمدحه دون طائل، ولم يخلص المتنبي لكافور منذ أول يوم، فكان ينال منه في شعره همزات ظاهرها التقدير وباطنها الهزء والتحقير.

واستطاع المتنبي أن ينجو من كافور في ليلة عيد الأضحى 350 هـ الموافق كانون الأول 961م بعد أن نظم في هجائه قصيدة عصماء، أوكل إلى أحد أصدقاء كافور في مصر فهرَّبه. 

أقام المتنبي في الكوفة ثلاث سنوات، زار خلالها بغداد، واستكبر عن مدح وزيرها المهلبي فأغرى هذا الوزير الشعراء بهجائه وذمه. وزار المتنبي ابن العميد بأرجان ومدحه، واستزاره عضد الدولة بن بويه في شيراز، فزاره ومدحه وأجزل له الممدوح العطاء.

عرضت للمتنبي حاجة في الكوفة فودع عضد الدولة بعد أن وعده بأن يرجع إليه ومدحه بقصيدة هي آخر شعر قاله وفيها يتشاءم من الهلاك.

وقد وقع ما تشاءم منه، فإنه كان مطموعًا به وبماله، فكمن له جماعة من اللصوص في الطريق وهو عائد إلى الكوفة وخرجوا عليه فقاتلهم وليس معه إلا ابنه وغلامه، فقال له غلامه. أين قولك:

الخيل والليل والبيداء تعرفني      والسيف والرمح والقرطاس والقلم

فكرَّ المتنبي عليهم وقاتل حتى قتل، فرآه جماعة من أصدقائه، منهم أبو الفتح عثمان بن جني النحوي. وهكذا مات هذا الشاعر الفارس ميتة البطل، بعد أن عاش حياة ملؤها الأمل والطموح والأنفة والكبرياء والشجاعة والعفة والرصانة.

آثاره الشعرية الباقية

عُني الأدباء قديمًا وحديثًا بشعر المتنبي ونقده عناية لم يحظ بها أي شاعر آخر في العربية؛ ولهذا يلقبه بعضهم (بمالئ الدنيا وشاغل الناس). وممن بحث في شعره غير متحيز له أو عليه القاضي الجرجاني في كتابه "الوساطة"، والثعالبي في كتابه "يتيمة الدهر"، وللمستشرقين والمحدثين عناية خاصة بدراسة شعره وحياته.

كان للمتنبي شخصية عجيبة جعلت الناس كما توقع هو حين أنشد:

وما الدهر إلا من رواة قصائدي     إذا قلت شعرًا أصبح الدهر منشدًا 

رحل المتنبي من مصر قبل عيد الأضحى المبارك ليحتفل بالعيد وهو في الطريق ليكون العيد عيدين، فقد ترافق عيد الأضحى مع عيد خلاص المتنبي من كافور وفق ما قاله في قصيدته الدالية:

عيد بأية حال عُدْتَ يا عيدُ      بما مضى أو لأمر فيك تجديد

أما الأحبة فالبيداء دونهم       فليت دونك بيدًا دونها بيد 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة