أبو العلاء المعري هو أحمد بن عبد الله بن سليمان، التنوخي المعري. ولد في المعرة عام 973م، وتوفي فيها عام 1057م قبل اندلاع الحروب مع الفرنجة بـ38 عامًا، وسمي رهين المحبسين: العمى ولزوم البيت.
نشأة أبي العلاء المعري
كان أبوه أديبًا ينظم الشعر، وأمه من أسرة وجيهة تُعرف بآل سبيكة، اشتهر منها رجال بالأدب، وكان أبو العلاء المعري شاعرًا فيلسوفًا. قال الشعر وهو ابن 11 عامًا، وكان يلعب بالشطرنج والنرد. وإذا أراد التأليف أملى على كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم.
وكانت المعرة حين ولد أبو العلاء وخلال شطر كبير من حياته تحت سيطرة الدولة الحمدانية، وأصبحت تحت سيطرة الفاطميين الذين حاولوا إكرام أبي العلاء واستمالته إليهم، وكاتبه داعي الدعاة وزير دولتهم.
يمتاز عصر أبي العلاء المعري بالفوضى والاضطراب؛ فقد كانت فيه المعرة معتركًا لأربع قوى رئيسة: الحمدانية التي كان نجمها قد أخذ بالأفول، والفاطمية التي كان نجمها في صعود لينتهي بها الأمر إلى الاستيلاء على أملاك الحمدانيين، وقبائل البادية وأشهرها المرادسية التي كان لها دورها في الاضطراب السياسي، ثم الروم الذين كان بنو حمدان يقفون أمام تيارهم زمن عزهم.
ويمتاز عصر أبي العلاء أيضًا بنضوج الحياة الفكرية عند العرب، والاطلاع على ما نُقل من العلوم اليونانية والهندية وهضمه. وتصادمت هذه العلوم مع العلوم النقلية الإسلامية، ما أدى إلى معركة بين الروح والعقل.
فقدان بصره
أُصيب المعري في صغره بجدري أدى إلى فقدان إحدى عينيه وحدوث غشاوة على الأخرى، ثم فقدان بصره بعد بضع سنوات من إصابته، فلم يعرف من الألوان إلا الأحمر لأن أهله ألبسوه حين جُدِر ثوبًا أحمر، فكان آخر ما رآه، غير أن الشاعر استعاض عن فقد بصره بنور بصيرته، فلم يضره ما أصابه في تحصيل العلوم والآداب. وقد أجمع المؤرخون على ذكائه وقوة ذاكرته حتى ليتقصوا عنه أقاصيص يصعب تصديقها.
درس المعري الأدب على أبيه، ثم درس على جماعة من علماء المعرة، وانتقل إلى بعض المدن الشامية المعروفة بالعلم، أدى المعري رحلته إلى بغداد سنة 1007م، وأخبار هذه الرحلة مجهولة، ثم قام في السنة التي بعدها برحلته الثانية، وكانت سنه 36 سنة، ويظهر أن المعري قصد بغداد لاستفادة العلم وإفادته وللشهرة، فلم يوفق إلى ما يريد لأن أنفته من استجداء رزقه بالمدح، وإباءه وصراحته، صفات تمنعه من تحقيق أمانيه في عصر أبرز ما فيه الرياء.
ولم يختر المعري العزلة -فيما يظهر- إلا بعد تفكير طويل وتردد كثير وعراك نفسي قوي، وبعد أن استشار نفرًا يثق بعقلهم، فرأوا أن ذلك حزم ورشد إن تم له، وقد حرم المعري على نفسه أكل الحيوان وما يُشتق منه رحمة به، متأثرًا بالفلسفة الهندية التي درسها واحتك بمن يعجبون بها حين إقامته في بغداد، ونظم اللزوميات التي ضمَّنها آراءه في الحياة وما بعد الحياة وما وراء الطبيعة، ونقده للمجتمع، ونظرته إلى الإنسان، وألَّف كتاب الفصول والغايات ورسالة الغفران ورسالة الملائكة... إلخ.
نظرته للمرأة
أما المرأة، فينظر إليها أبو العلاء نظرة حقيرة مستمدة من آراء أهل عصره. ونحار نحن كيف خالف أهل عصره في أكثر الأشياء ووافقهم في المرأة، ولا ندري كيف نوفق بين إعجابه بأمه واحترامه وحبه لها، وبين هذه النظرة الساخطة على بنات جنسها.
ولأبي العلاء مؤلفات كثيرة في الشعر والأدب واللغة والفلسفة والدين ونقد المجتمع، وقد شاع أكثرها بتأثير الحروب مع الفرنجة، ومات أبو العلاء المعري في المعرة، فحزن الناس لموته، ووقف على قبره زهاء 180 شاعرا فيهم الفقهاء والمحدثون والمتصوفون.
دواوين أبي العلاء المعري
وتجدر الإشارة إلى أبهى ما في شعر أبي العلاء المعري وهو ديوان حكمته وفلسفته المتمثل في:
سقط الزند
رتب أبو العلاء بنفسه سقط الزند كما رتب اللزوميات والدرعيات والرسائل. وسقط الزند مجموعة القصائد التي نظمها الشاعر في الطور الأول من حياته إلى ما بعد رجوعه من بغداد.
وقد قسَّم الأديب الكبير طه حسين شعر أبي العلاء المعري في السقط باعتبار التاريخ إلى 3 أقسام تتوافق مع أطوار حياة المعري نفسها: أولها طور الصبا وينتهي ببلوغ الشاعر العشرين سنة 993م، والثاني طور الشبيبة وينتهي سنة 1009م، والثالث طور الكهولة والشيخوخة وينتهي بموته.
الدرعيات
تُسمى الدرعيات "ضوء السقط"، وهي في حقيقتها جزء مكمل للوصف في سقط الزند. وإنما أُفردت وحدها لأنها تتناول موضوعًا خاصًّا وهو وصف "الدروع".
اللزوميات
هي قصائد قالها المعري كلها بعد رجوعه من بغداد إلى المعرة وعزلته في بيته. وهي وثيقة الصلة بهذا الطور الأخير من حياته الذي لزم فيه بيته وسمي نفسه رهين المحبسين، بل رهين المحبسين الثلاثة، وحرم على نفسه أكل اللحم، فتراه يلزم فيها نفسه من القيود في الشعر ما لا يلزمه.
ومهما يكن من أمر، فالدين عند المعري هو تحلي الروح بالفضائل وقيام الإنسان بالأعمال الصالحة، وقد أبرز كل ذلك بقدرته على النقد والسخرية عندما قال:
توهمتَ يا مغرورُ أنك دِّينٌ *** عليَّ يمينُ الله ما لك دين
تسير إلى البيت تنسكًا *** ويشكوك جارٌ بائسٌ وخدين
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.