منذ سنتان تقريبًا كان أحد الأزواج قد تقدم ببلاغ للنيابة حول عثوره على فلاشة مخبأة في مرتبة السرير أثناء تسليم زوجته منقولاتها الزوجية، وذلك أثر خلاف زوجي بينهما، واحتوت الفلاشة على حد قول الزوج على 40 مقطع فيديو لزوجته بها مشاهد جنسية، وكالنار في الهشيم انتشرت أخبار القضية على السوشيال ميديا وعرفت القضية إعلاميًّا باسم "عنتيلة المحلة".
اقرأ ايضاً كتاب "مستقبل السوشيال ميديا" أحدث إصدارات هيئة الكتاب
"طبيبة المحلة" أم عنتيلة المحلة؟
وما لبثت أن انقلبت مواقع التواصل الاجتماعي رأسًا على عقب ما بين كوميكس ساخر، ونقد وسب للزوجة، التي تعمل طبيبة بيطرية في الأساس، بأسوأ الألفاظ والصفات، وما بين ليلة وضحاها أصبحت عنتيلة المحلة أو "طبيبة المحلة"، تحت مقصلة السوشيال ميديا، وأصدر الجميع الأحكام وكالوا الاتهامات لها، ورثوا الزوج البائس المطعون في شرفه، وكادوا يصلوا بالزوجة إلى الإعدام مثلًا.
ولكن جاء قرار النيابة مفاجأة، فبعد التحقيقات أثبت أنها مجرد اتهامات كيدية، وأن مقاطع الفيديو المقدمة من الزوج لا تظهر شخصًا بعينه، وأن الزوج تقدم بهذا البلاغ لإجبار الزوجة على التنازل عن حقوقها بعد خلافات زوجية، وأيضًا وجود تخبط في روايات الزوج أثناء التحقيقات، وبرأت النيابة طبيبة المحلة من جميع التهم الموجهة إليها.
وبصرف النظر عن كون الزوج رجلًا ديوثًا قد اتهم زوجته في شرفها للضغط عليها بسبب الخلافات الزوجية، إلا أن المشكلة الحقيقة الآن هي مصطلح جديد قد بدأ في الظهور، وهو "مجتمع السوشيال ميديا" الذي نصب نفسه في الفترة السابقة قاضيًا وحَكمًا على المجتمع، يوزع صكوك الرحمة على عباد الله أحيانًا، وينزعها عنهم أحيانًا أخرى.
اقرأ ايضاً السوشيال ميديا وتأثيرها الإيجابي والسلبي على المجتمع
كيف تؤدي السوشيال ميديا دورًا مهمًّا لتحقيق العدالة؟
ولا خلاف على أن "مجتمع السوشيال ميديا" قد يصيب في بعض المرات ويحرك قضايا مهمة، مثل القضية المعروفة إعلاميًّا باسم المتهم فيها وهو أحمد بسام زكي، الذي هتك عرض 3 فتيات وهددهن، وأيضًا قضية "الفيرمونت" الشهيرة التي قلبت مواقع التواصل الاجتماعي رأسًا على عقب، وقضية مريم "فتاة المعادي" التي كانت السوشيال ميديا هي البطل الرئيس فيها للقصاص من قاتليها.
إلا أنه من الواضح أن السوشيال ميديا قد صارت سلاحًا ذا حدين، قد يخيب في مواضع ويصيب في مواضع أخرى، ويقضي على مستقبل عائلة أو طموح شاب أو شرف أسرة لمجرد تداول الأخبار على سبيل السخرية أو الاستياء، أو حتى على سبيل مناقشتها بدون أدلة، فقط مجرد منشور شوهد على صفحات التواصل الاجتماعي، لا يعرف أحد صحته من عدمها.
اقرأ ايضاً حواء و السوشيال ميديا
مواقع التواصل الاجتماعي ساحات قضاء إلكترونية
ولم تكن قضية "عنتيلة المحلة" هي الأولى على السوشيال ميديا التي صدر فيها أحكام مسبقة خاطئة قبل التأكد من صحة تلك المنشورات، فسبق ذلك قضية عرفت إعلاميًّا بـ"سيدة المحكمة"، والتي نشر لها فيديو وهي تقوم بالتعدي على أحد الضباط في قاعة المحكمة، وقلبت الدنيا رأسًا على عقب حينها، مهاجمين الضابط دون انتظار قرار النيابة التي أبرأت ساحته بعدها، وعدة قضايا أخرى على تلك الشاكلة التي أصدر فيها رواد مواقع التواصل الاجتماعي أحكامًا غير حقيقة.
والآن أصبحت مشكلة كبرى في زمن التحول الرقمي أن أوجه حياتنا كافة تحولت إلى ساحات قضاء إلكترونية، وتستخدم سلاحًا لفض الخلافات والنزاعات وتشويه أفراد والانتقام من أفراد بعينهم، وأصبحت في كثير من الأحيان لا تعكس الصورة الحقيقة للمجتمع بل تعكس صورة وهمية، إما لنشر أهداف معينة وإما لأشخاص يصفون حساباتهم مع شخوص أخرى، وإما لمجموعة من البشر الذين كما يقول التعبير الدارج "ماشين مع الرايجة" بلا تفكير أو وعي.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.