السوبر مان المحلي

ربما نحن أكثر شعوب الأرض ولعًا بجمع المناصب، تحدَّ أي شعب على هذا الكوكب أن ينافسنا في هذه «الموهبة» العجيبة، فلن تجد من يفعلها كما نفعلها نحن. وكأن المواطن السعودي -مع كامل الاحترام- نسخة بشرية من «سوبر مان»، لا يكتفي بوظيفته الحكومية، بل يلاحق كل لجنة، وكل جمعية، وكل مجلس إداري، ليضع اسمه في خانة «عضو» أو «نائب رئيس» أو «مستشار فخري».

ما إن تُؤسَّس جمعية أو نادٍ أو لجنة، حتى تراه أول الحاضرين. هو عضو في جمعية خيرية، وعضو في نادٍ ثقافي، وعضو في لجنة رياضية، وعضو في رابطة بيئية، وعضو في مجلس شركة خاصة، وربما يظهر اسمه حتى في لجان لا تمت لتخصصه أو اهتماماته بصلة! كأن البلد خالٍ من الكفاءات، أو كأنَّ كل الطاقات توقفت عند هذا الاسم المتكرر في كل مكان.

المفارقة أن النتيجة دائمًا واحدة: لا إنجاز يُذكر، ولا أثر يُرى. فقط أسماء تتكرر في كل مكان، ومناصب تُستهلك بلا طائل. تمامًا كما يقول المثل الشعبي: «سبع صنايع والبخت ضايع».

المشكلة ليست في الكفاءة، فقد يكون الرجل مثقفًا، ذكيًّا، بل حتى ناجحًا في مجاله. لكن قوانين الحياة أبسط من كل هذا: الإنسان محدود الوقت والطاقة. فأمامنا 24 ساعة فقط في اليوم، فيها العمل، والأسرة، والراحة، والنفس، ثم تأتي هذه المناصب المتراكمة التي تحتاج وحدها إلى عدة أشخاص لإدارتها.

فكيف له أن ينجز؟ متى سيفكر؟ متى يرتاح؟ متى يعيش كإنسان لا كآلة؟ وهل فعلًا هو موجود هناك لخدمة الوطن كما يردد، أم أن خلف هذا اللهاث المتكرر شهوة للظهور، ولذة الأضواء، وربما إحساس دفين بعقدة نقص يبحث عن تعويضها بالكرسي واللقب؟

العاقل يدرك أن المنصب مسؤولية، لا وسامًا للتباهي. وأن خدمة المجتمع لا تكون بتكديس العضويات، بل بتقديم العمل الحقيقي في مكان واحد فقط، بإخلاص واحتراف.

في العالم المتقدم، لا مكان لفكرة «الرجل الخارق». بل تؤمن المجتمعات بالتخصص، وتمنح المنصب لمن يتفرغ له ويعطيه حقه. أما في العالم الثالث، فلا زالت نظرية «السوبر مان» تجد من يصفق لها، على الرغم من أن النتيجة دائمًا.. فشل يُوزع بالتساوي على جميع المناصب.

فهل نملك الشجاعة لنقول لهذا السوبر مان: كفى، ليس بالضرورة أن تكون في كل مكان، بل كن مؤثرًا في مكانٍ واحد فقط.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.