السمكة الذهبية.. القصة السحرية لتحقيق أماني الأطفال

في قديم الزمان، كانت توجد قريةٌ صغيرةٌ مطلَّةٌ على بحيرةٍ واسعةٍ هادئةٍ، يعيش فيها صيادٌ كريمٌ يُدعى حسن. كان حسن يعتمدُ في معيشته على صيد الأسماكِ، ومع ذلك لم يفقد الأملَ يومًا، بل احتفظَ في قلبه بحُلمٍ بسيطٍ يُردِّده كل صباحٍ وهو أن يرزقه اللهُ ويجلبَ لأهله الراحةَ والفرحَ.

مع بزوغِ الفجرِ، كان حسن يتوجَّهُ إلى ضفَّة البحيرة حاملًا شبكته الرماديةَ وغطاءهُ الباليَ، وعيناه تلمعان بالأملِ على الرغْم من مرارة الحياة، كان يلبسُ جلبابًا قطنيًّا بسيطًا وبنطالًا رماديًّا، وسندلًا جلديًّا متقشِّرًا من كثرة استعماله، وفي يده كيسٌ صغيرٌ يضمُّ بعضَ أدواتِ الصيدِ الضروريةِ.

في أحد أيامِ الصيفِ المشمسة، وفي لحظةٍ سكونٍ قبلَ الانطلاقِ، رمى حسن شبكته في مياهِ البحيرةِ الصافيةِ. انتظرَ بصبرٍ وترقُّبٍ، حتى أحسَّ بشدٍّ مفاجئٍ يغيِّرُ اتجاهَ الشبكةِ، جذبه الشدُّ بقوةٍ إلى عمقِ الماءِ، فحسَّ بقلبه ينبضُ بقوةٍ مع تسارعِ النبضاتِ.

سحبَ الشبكة بدهشةٍ ورهبةٍ، فإذا بها تهتز ثم تظهرُ من بينِ خيوطها سمكةٌ صغيرةٌ ذاتُ لونٍ ذهبيٍّ بديعٍ يلمع مع بزوغِ الشمسِ، خُيِّلَ إلى حسن للحظةٍ أن السمكةَ ترفرفُ أجنحتها بدلَ الزعانفِ، فصاحت في نفسه: «إنها مخلوقةٌ من عالمٍ آخر!».

وبصوتٍ لا يسمعهُ إلا هو، تحدّثت السمكةُ بنبرةٍ ناعمةٍ وعذبةٍ: «أنا السمكةُ الذهبية التي تحققُ الأماني، اطلبْ يا حسن ما تشاء فإني أستجيبُ».

ارتجفَ حسن قليلًا قبل أن ينهضَ بقلبٍ مفعمٍ بالدهشةِ، ثم قالَ: «أمنيتي الأولى أن يكونَ لأهلي بيتٌ دافئٌ يقيهم بردَ الشتاءِ ويظلهمُ ظلًّا من أشجارٍ وارفةٍ».

لم يمضِ إلا لحظاتٌ قليلةٌ حتى تجلى على الشاطئِ بيتٌ أبيضُ ناصعُ الجمالِ، رُفعتْ فوقَ بابهِ الأكاليلُ والورودُ الحمراءُ، وحولَهُ جنينةٌ صغيرةٌ ضمَّتْ أشجارًا مثمرةً وزهورًا عطرةً. انفرجَ صدرُ حسن واندفعَ نحوَهُ وهو يضحكُ بفرحٍ عارمٍ، فرأى زوجتهُ فاطمةَ وابنتهُ ليلى تستقبلانه بابتسامةٍ مشرقةٍ ودموعِ امتنانٍ.

على الرغم من سعادتهِ الغامرةِ، لاحظَ حسن أن كثيرين في قريتهِ ما زالوا يعانونَ الفقرَ والحرمانَ، فاقتربَ من ماء البحيرةِ قائلًا بابتسامةٍ حانيةٍ: «يا سمكة، أطلبُ الآنَ أن يجدَ كلُّ أهلِ القريةِ عملًا كريمًا يؤمِّنُ لهم رزقهم ويجعلُ حياتهم أفضلَ».

ضحكت السمكةُ الذهبيةُ ضحكةً دافئةً ثم أجابتْ: «طلبٌ كريمٌ وعادلٌ». وفورًا ظهرَ على شاطئ البحيرةِ رصيفُ صيدٍ خشبيٌّ ومستودعٌ صغيرٌ لمعدَّاتِ الصيدِ الجماعيِّ، وتوافدَ الرجالُ والنساءُ على العملِ معًا، فعمَّ الفرحُ قلوبَهم وتفتّحتْ بسماتهمْ على وجهِ الحياة.

بعد ساعاتٍ من العملِ المشتركِ وسماعِ ضحكاتِ الأطفالِ وصياحِ الطيورِ، شعرَ حسن بسكينةٍ تغمرُ قلبهُ، فتوجَّهَ إلى السمكةِ وقالَ شاكرًا: «لقد علمتني يا أيتها السمكةُ أن السعادةَ الحقيقية تكمنُ في مساعدةِ الآخرينِ ونشرِ الخيرِ بينهم».

ابتسمت السمكةُ الذهبيةُ وأجابتهْ: «العبرةُ في صفاءِ النيَّاتِ وخيرِ العطاءِ الذي يبقى أثرهُ في القلوبِ. سأعودُ إلى أعماقِ البحيرةِ، لكن إذا احتجتَني يومًا، فادعوني باسمي».

ثم اختفتْ تدريجيًّا بينَ الأمواجِ، مخلفةً وراءَها بريقًا ذهبيًّا خفيفًا، وعندئذٍ أدركَ حسن أن العطايا لا تنحصرُ في الكنوزِ الملموسةِ، بل هي كذلكَ في المحبةِ والتعاونِ والإيمانِ بقدرةِ القلبِ الصادقِ على صنعِ المعجزاتِ.

ومنذُ ذلكَ اليومِ، صارَ أهلُ القريةِ يلتفونَ حولَ موقدِ المساءِ ليقصُّوا للأجيالِ الجديدةِ قصة السمكة الذهبية للأطفال التي تعلمُهم أهميةَ العطاءِ والتعاونِ والنيةِ الصافيةِ، وتلك الحكايةُ لا تزالُ تُردَّدُ بينَ القلوبِ، تذكرُنا بأنّ أفضلَ الأماني هي تلك التي تُحقَّقُ في خدمةِ الآخرينِ ومودةِ الجماعةِ. 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة