في تاريخ الدولة العثمانية، يبرز اسم السلطان محمد الفاتح كرمز للقوة والعزيمة، إذ خاض معارك ومعارك غير مسبوقة أعادت تشكيل ملامح العالم الإسلامي والغربى. شهد حكمه مرحلتين متتاليتين؛ الأولى حين تولى الحكم في سن الخامسة عشرة بعد تنازل والده عن العرش بسبب أزمة نفسية، والثانية حين عاد ليصبح حاكمًا قويًّا في سن الثانية والعشرين. في هذا المقال، نستعرض معًا أهم المحطات التاريخية لحكمه، والتحديات التي واجهها في معاركه العديدة، وكيف ساهم فتح القسطنطينية في تأكيد مكانته كفاتح خالد في ذاكرة التاريخ.
مراحل حكم السلطان محمد الفاتح
حكم السلطان محمد الفاتح الدولة العثمانية 32 عامًا على مرحلتين:
المرحلة الأولى كان عمره خمسة عشر عامًا، وتنازل له والده السلطان مراد الثاني عن حكم الدولة بسبب أزمة نفسية تعرض إليها بعد وفاة ثاني أكبر أبنائه وولي عهده الأمير علاء الدين علي شلبي الذي وهو في عمر الثامنة عشر، وهي السن نفسها التي توفي فيها أكبر أبنائه الأمير أحمد شلبي قبلها بنحو ست سنوات.
وكان لوفاة ابنيه بمجرد وصولهما إلى سن الثامنة عشر أثر سيئ في السلطان مراد، فقد سبب له الحزن الشديد، والخوف على ثالث أبنائه الأمير محمد؛ لذا قرر ترك الحكم له قبل أن يصل إلى سن الثامنة عشر الذي أصبح يتشاءم منه، فتنازل له عن حكم الدولة العثمانية واعتكف السلطان مراد في تكية بمدينة مانيسا.
المرحلة الأولى من حكم السلطان محمد الفاتح
حكم السلطان محمد الثاني ذو الخمسة عشر عامًا الدولة الصاعدة، وكان طموحه كبيًرا، لكن بدأ المتربصون كلهم بالدولة يتحدون ضد السلطان الصغير، ما مثل تهديدًا شديد الخطر على سلامة الدولة، فحاول السلطان محمد الثاني والصدر الأعظم جاندرلي خليل باشا إقناع السلطان مراد بالخروج من عزلته والعودة إلى حكم الدولة العثمانية، فعاد بعد سنتين من حكم ابنه السلطان محمد من سنة 1444 حتى سنة 1446، فعاد محمد أميرًا ووليًا للعهد وأميرًا لولاية مانيسا.
بعد خمس سنوات توفي السلطان مراد الثاني، وعاد السلطان محمد الثاني إلى حكم الدولة العثمانية، وكان عمره في هذا الوقت اثنين وعشرين عامًا، وأصبح أقوى وأكثر قدرة على قيادة الدولة.
المرحلة الثانية: العودة للحكم وبروز السلطان محمد الفاتح
حكم السلطان محمد الثاني في المرة الثانية 30 عامًا من عام 1451 حتى عام 1481، خاضت فيها الجيوش العثمانية 170 معركة، وقد شارك السطان محمد الفاتح بنفسه في 31 معركة منها، على الرغم من أن المتبع في ذلك الوقت أن يخرج السلطان على رأس الجيوش المحاربة؛ فإن الدولة العثمانية تحت حكم السلطان محمد الفاتح لم تكن تحارب عدوًا واحدًا فقط، بل كانت تحارب 20 عدوًا في آن واحد، وكانت معارك كثيرة تحدث في الوقت نفسه، فكان من المستحيل على السلطان محمد الفاتح أن يُشارك في هذه المعارك كلها، وعلى هذه الجبهات كلها في الوقت نفسه.
الفتوحات والمعارك الكبرى
أما الأعداء العشرون الذين حاربهم محمد الفاتح فهم البندقية أو فينسيا التي خاض ضدها ثمان وثلاثين معركة، وألبانيا التي خاض ضدها إحدى وعشرين معركة، وخاض ضد البغدان أو مولدوفيا 14 معركة، وضد جنوة 14 معركة، وخاض ضد المجر 11 معركة، وضد الإفلاق أو رومانيا 10 معارك.
وضد دولة البابا أو الفاتيكان عشر معارك، وضد بيزنطة عشر معارك منها المعركة الكبرى أو فتح القسطنطينية، أعظم غزواته وفتوحاته التي قضى فيها على الدولة البيزنطية، وضد إمارة قرمان المسلمة في قونيا ثماني معارك، وضد صربيا سبعة معارك.
وضد إمارة زيتا الصربية في البلقان أربع معارك، وضد نابولي أربع معارك، وضد إمارة الآق قوينلو المسلمة في تبريزأربع معارك، وضد إمارة إبيروس اليونانية أربع معارك، وضد إمارة جزيرة رودس اليونانية ثلاث معارك، وضد جورجيا ثلاث معارك، وضد البوسنة معركتين، وضد إمارة ناكسوس اليونانية معركة واحدة.
وخاض ضد إمارة إسفنديار أو إمارة بني جاندار المسلمة في قسطموني معركة واحدة انتهت بضم بني جاندار إلى الدولة العثمانية والقضاء على حكم سلالة بني جاندار، وضد فلورنسا أيضًا معركة واحدة.
وبالنظر إلى 170 معركة التي خاضتها الجيوش العثمانية في عهد السلطان محمد الفاتح نجد أنها حققت انتصارات مجيدة في 105 معارك، وتعرضت إلى الهزيمة في 65 معركة.
لكن الهزائم التي تعرض إليها دائمًا كانت تتبعها انتصارات هائلة أرسلت في ذاكرة التاريخ صورة السلطان القوي المنتصر صاحب الفتوحات العظيمة التي أهمها على الإطلاق فتح القسطنطينية الذي اكتسب منه لقبه الفاتح الذي فاز بسبب هذا الفتح ببشرى رسول الله التي بشر بها في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش».
--------------------------
المصادر
- مسند الإمام أحمد - الإمام أحمد بن حنبل -الجزء الرابع عشر - ص331.
- الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد - أحمد عبد الرحمن البنا - الجزء الثالث و العشرون - ص 174.
- السلطان محمد الفاتح - آيتاج أوزكان - الكتاب كله.
- السلطان محمد الفاتح - علي الصلابي - الكتاب كله.
- الدولة العثمانية - علي الصلابي ص 105
- تاريخ القرماني أخبار الدول وآثار الأول - أحمد بن يوسف القرماني - الجزء الثاني - ص 200.
- جهاد الأمة الإسلامية لفتح القسطنطينية - أحمد رشاد ص 113.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.