السرقة الإبداعية: وصايا كليون العشر حتى لا يُفتضح أمرك

قد يعتقد بعض الناس أنه يوجد خطأ غير مقصود في العنوان، وأنني أقصد الكتابة الإبداعية، ولكن لا يوجد أي خطأ عمدًا كان أو حتى سهوًا.

فكثيرة هي المقالات والورش التدريبية التي تعلمك الكتابة الإبداعية، ولكن هل وجدت من قبل مقالة تعلمك فن السرقة الإبداعية من قبل دون أن يكتشف أمرك؟!

حسنًا لنبدأ سويًّا في إعداد لص مبدع جديد..

كتاب :اسرق مثل فنان

في كتابه (اسرق مثل فنان: عشرة أشياء لم يخبرني بها أحد عن الإبداع) نتعلم من الكاتب الأمريكي أوستن كليون نتاج عقود من العمل في مجال الكتابة الإبداعية.

فكل نصائحه التي جاءت في هذا الكتيب الذي لا تتعدى صفحاته مائة صفحة هو خلاصة سنوات كثيرة من العمل والتجربة والخطأ وإعادة المحاولة من نقطة الصفر مرات ومرات.

يصيغ أوستن كليون كتابه بأسلوب مبسط وسهل للغاية؛ لأنه موجَّه في الأصل إلى الشخص المبتدئ، ليس في مجال الكتابة فقط ولكن لمن يريد أن يتعلم كيف يكون الإبداع عامة، في جميع المجالات.

لذلك نرى أنه استخدم بعض الرُّسُوم والصور التوضيحية، كذلك دعَّم آراءه بكثير من الاقتباسات أكثر من مبدع هم في الغالب أبطاله المفضلون كلٌّ في مجاله، بصورة أخرى نجده يطبق ما يقوله وينصح به على نفسه في الأصل، فهو كذلك سارق فنان ومبدع.

يعيد كليون تعريف كلمة السرقة فيما يخص عملية الإبداع وصنعة الكتابة، فمن وجهة نظره:

"كل شيء قابل للسرقة، وإن لم تجد شيئًا يستحق السرقة اليوم، فقد تجده غدًا أو بعد شهر، أو ربما سنة".

هو يريد للشخص المبتدئ أن يدرك أن الأشياء لا تأتي من العدم، وكل الأعمال الفنية مبنية على ما سبقها، وبهذا لا يمكننا الجزم بأن كل شيء في الحقيقة أصلي.

طريق الإبداع كما يراه كليون

يرسم كليون في كتابه خريطة طريق لكل من يريد أن يشق طريقه في أي مجال يعتمد على الإبداع والفكر الخلاق، وكيفية التعامل مع الأفكار من بداية جمعها أو البحث عنها حتى كتابتها ونشرها، بل حتى كيف يتعامل الفنان مع معجبيه، وكيف يتأثر بما يصله من آراء سواء كانت إيجابية أو حتى سلبية.

ويمكننا عدَّ فصول الكتاب بمنزلة سلَّم من عشر درجات، كل درجة مبنية وتعتمد على ما يسبقها؛ ما يزيد ترابط الأفكار ومدى اتصالها ببعضها بعضًا وتأثيرها المرتَّب على القارئ.

 ينصح كليون بضرورة تنويع مصادر جمع المعلومات، فما الفنان إلا شخص يجمع الأشياء ولكنه لا يحتفظ بها أو يكتنزها.

فعلى عكس الشخص المكتنز الذي يجمع ما حوله بأسلوب أقرب للعشوائية، نرى أن الفنان يجمع ما يحبه فقط، ما يؤثر فيه ويمكنه معالجته مرة أخرى ووضع روحه فيه ليخلق شيئًا جديدًا مختلفًا تمام الاختلاف عن الأصل.

"اسرق من الأماكن التي تفيض إلهامًا التي لها القدرة على شحن مخيلتك، سواء كانت أفلامًا، أو كانت موسيقى، أو كتبًا، أو لوحات، أو صورًا فوتوغرافية، أو قصائد، أو أحلامًا، أو إشارات مرور، أو أشجارًا، أو غيومًا، أو نوافير مياه، اختر فقط الأشياء التي تخاطب روحك. إن فعلت هذا، سيصبح عملك (وسرقتك) أصليًّا".

مصادر الإلهام الأدبي

يُشبه كليون عملية جمع مصادر إلهامك بشجرة عائلتك، فمثلما لك شجرة عائلة بيولوجية فعلية تشير إلى نسبك إلى أبيك ومن قبله جدك وهكذا إلى ما شئت من أجداد سابقين، يجب أن يكون لك شجرة عائلة ونسب إبداعي.

وعلى عكس شجرة العائلة التي جئت منها إلى الحياة دون أي مجهود أو اختيار بإرادتك الفعلية، تختار أنت بكل ما تعنيه الكلمة من معاني حرية الإرادة، شجرة عائلتك الإبداعية عن طريق تحري أو اختيار عائلتك الفنية التي تريد أن ترث منهم تركاتهم الفنية.

على سبيل المثال إن سألت كاتب هذه السطور: من أول فرد في شجرة عائلتك الفنية أو الإبداعية؟

سأجيب على الفور بأنه الكاتب والأديب البيروفي ماريو فارغاس يوسا. ربما في مقالة قادمة أخبركم عن الإرث الذي ورثته منه.

ويمكن من أكبر المصادفات وأجملها ونجد فيها كذلك برهانًا فعليًّا على محتوى الكتاب، أن هذه الجزئية أو الفصول الأولى من كتاب كليون هذا، ليست بالشيء الجديد -في الأقل لي شخصيًا-. فلمن لا يعلم.

يوجد كتاب مصري يناقش الفكرة نفسها التي يعرضها كليون في أول ثلاثة فصول تقريبًا من كتابه، تمت كتابته منذ أكثر من سبعين عامًا، بعنوان (فن الأدب) للكاتب والأديب المصري الغني عن التعريف توفيق الحكيم. ولكن على عكس كتاب أوستين كليون فكتاب الحكيم الصادر عن مكتبة مصر في عام 1952 يركز نصائحه وآراءه لمن يريد أن يتعلم النقد الأدبي. وهو بالمناسبة واحد من الكتب القيمة للغاية في هذا المجال.

يبدأ كتاب الحكيم بتساؤل غاية في الأهمية، ويجيب كذلك بإجابة بديعة:

"ما الخلق في الأدب؟.. ما الابتكار الأدبي؟..

إن الخلق ليس معناه أن تُخرج من العدم وجودًا. إنما الخلق فيالأدب والفن -وربما في كل شيء- هو أن تنفخ روحًا في مادة موجودة.. كذلك صنع أعظم الخالقين يوم أوجد آدم. فهو تعالى لم يمد يده العلوية إلى الفضاء قائلًا: كن فكان، ولكنه مد يده أولًا إلى الطين -مادة أوجدت قبل آدم- فسوى منه هذا المخلوق الحي.

لا شيء إذن يخرج من لا شيء. كل شيء يخرج من كل شيء. ذلك هو الدرس الأول في الخلق. أريد لنا أن نتلقاه عن الخالق الأكبر.

كذلك ليس الابتكار في الأدب والفن أن تطرق موضوعًا لم يسبقك إليه سابق، ولا أن تعثر على فكرة لم تخطر على بال غيرك.. إنما الابتكار الأدبي والفني هو أن تتناول الفكر التي قد تكون مألوفة للناس، فتسكب فيها من أدبك وفنك ما يجعلها تنقلب خلقًا جديدًا يبهر العين ويدهش العقل.. أو أن تعالج الموضوع الذي كاد يبلى بين أصابع السابقين؛ فإذا هو يضيء بين يديك، بروح من عندك".

صراع المبدعين وصناع المحتوى

نشاهد في هذه الأيام ما أشبه بالصراع بين صناع المحتوى، أو المبدعين في شتى مجالات الفن.

من يأتي بفكرة جديدة لم يصل إليها قبله أحد من العالمين، تحت شعار التفكير خارج الصندوق. أصبح الكل الآن يفكر خارج الصندوق، في حين أن كتابات وآراء مثل آراء توفيق الحكيم، وأوستن كليون تضيء في وجهنا إشارة تحذيرية حمراء اللون مرسلة إلينا رسالة تنبهنا أن ما بداخل الصندوق يمكن أن يكون هو التفكير خارج الصندوق.

بمعنى آخر، ربما ما تفني فيه كثيرًا من الوقت والمجهود بحثًا عنه، هو أمامك يلوح لك بيديه، ولكنك لا تريد الالتفات ناحيته.

لا تتوقف نصائح كليون عند هذا الحد، ولكنه في أحد فصول كتابه نجده -وعلى غير العادة ربما لمن هم خارج مجتمعنا هنا في الأقل، ولكنه واقعنا اليومي الذي قد يصفه كثيرون بالمرير أو السيئ- يشيد بضرورة وجود الرتابة والملل في حياة المبدع، فنراه يُثمن شيئًا مثل الوظيفة اليومية المحددة بوقت ثابت من اليوم.

والهدف أو القصد هنا أن يكون لك روتين شبه ثابت يوميًا في حياتك، ليس هذا فقط، بل ضرورة الاستفادة منه لجعلك فنانًا أكثر إبداعًا.

ولتوضيح إلى أي درجة يمكن أن يفيدك الروتين في حياتك، ويسهم على نحو لا يصدق في رسم حياتك القادمة المليئة بكل ما مبدع ومميز.

لنتعرف على روتين الأديب الياباني الذي لا تخلو قائمة مرشحي جائزة نوبل للأدب من اسمه في أغلب الأعوام السابقة، ألا وهو هاروكي موراكامي. ما زالت الجائزة تتمنع عنه في مرات ترشحه السابقة، على الرغم من شهرته الواسعة ورواياته التي تخطى عدد قرائها الملايين في أنحاء العالم بمختلف اللغات والترجمات، ولكنه ما زال مستمرًا في روتينه.

عن القراءة والكتابة

في كتاب "اخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة" وهو مجموعة من المقالات المختلفة التي تتشارك في الحديث عن القراءة والكتابة، من جمع وترجمة المترجم محمد الضبع. يتحدث موراكامي في إحدى مقالاته عن بداية حياته الأدبية، وكيف استطاع أن يلزم نفسه بنظامٍ قاسٍ في نظر كل من حوله تقريبًا إلا هو، ويقول:

"هكذا كانت حياتي الجديدة، أستيقظ فجرًا قبل الساعة الخامسة، وأخلد للنوم قبل الساعة العاشرة ليلًا، لطالما كنت شخصًا لا يستطيع التركيز إلا في الصباح، أستمر بالكتابة بعد استيقاظي، ثم أخرج للركض أو أقوم بأية أعمال أخرى لا تطلب تركيزًا. وفي نهاية اليوم أسترخي، أقرأ، أو أستمع إلى الموسيقى.

وبفضل هذا النظام، استطعت أن أعمل بكفاءة خلال سبعة وعشرين عامًا". الكتاب منشور في 2015، لذلك أضف عشر سنوات أخرى تقريبًا حتى الآن.

حسنًا.. أنت لست مطالبًا بالطبع لتفعل مثل ما يفعل هذا الروائي العداء -عنوان مقالته في الكتاب السابق ذكره-، ولكن يمكنك أن تبدأ في روتينك الخاص، الذي سيكون بمنزلة الوقود في طريق الإبداع الخاص بك.

أرى أني قد تحدثت كثيرًا عن كتاب أوستن كليون، وربما باستطاعتي الحديث أكثر في عدة مقالات مثل هذه المقالة وقد تفوقها في الحجم ولكن لن يوفي ذلك حق هذا الكتاب، ما قد يعطيك لمحة بسيطة عزيزي القارئ لما أنت مقبل عليه.

ولكن أعتقد أن الوقت قد حان لكي تقتني هذا الكتاب، لتدرسه وتقرأه بجد، إعدادًا وتجهيزًا لسرقتك الأولى.

 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

اسرار فى الكتابة لم نعرفها من قبل
أحسنت
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة