إن لفظ "خطافة رجالة" هو أول ما يتبادر للأذهان لدى سماع لفظ "الزوجة الثانية" أو حتى رؤيته في مكان ما، وقد التصقت هذه الصفة بالزوجة الثانية لدرجة أن كثيرات يرفضن وضع الزواج من رجل متزوج؛ خوفًا من هذا اللقب بالذات ومن رفض المجتمع.
وقد ناقشنا في مقالات عدة أسباب رفض المجتمع للزوجة الثانية ومهاجمتها بشدة، فهل هي فعلًا "خطافة رجالة"؟
أحوال الزوجة الثانية
إن الزوجة الثانية لن تخرج عن ثلاث حالات:
المرأة المطلقة
امرأة طُلقت من زوجها لأي سبب ولو بعد سنوات عدة، وقد ينتج عن هذا الزواج أطفال يعيشون معها في أغلب الأحوال.
إن المرأة المطلقة أكثر امرأة يتهمها المجتمع بلفظ "خطافة رجالة"، فهم يرونها امرأة فاشلة في زواجها لدرجة أن تفكر في اختطاف رجل آخر من زوجته، وإغوائه حتى تثبت لنفسها أنها لم تفشل!
مزيج نفسي غريب، وكأن المطلقة تخرج من زواجها الأول لتفكر في كيف تنتقم من عالم الرجال، وكأنها لا تواجه مشكلات مع طليقها في النفقة على الأولاد ولا محاولاته مضايقتها، وقد تكون مظلومة في أحوال كثيرة جدًا.
مجتمعنا لا يلقي بمسئولية الفشل في الزواج على الرجل، إن الرجل لا يفشل، مطلقة إذن هي امرأة فاشلة وتسببت في خراب بيتها، ومن ثم تسعى في خراب بيت آخر!
وكأنما رحلة الزواج ليست شراكة بين الاثنين، فمن الظلم اتهام المرأة وحدها بأنها هي السبب في فشل سفينة الزواج، على الرغم من أن الواقع أن الرجل هو رُبّان السفينة وليست هي، هذا في حالة الزواج الطبيعي القائم على قوامة الرجل.
أغلب الزيجات الفاشلة كانت بسبب وجود خلل ما في قوامة الرجل؛ لأن الرجل السوي يحاول بكل الوسائل الحفاظ على بيته ولا يلوِّح بالطلاق ولو على سبيل المزاح، حتى لو كانت المرأة نفسها انفعالية سريعة الغضب، وما أكثر ذلك في عالم النساء.
المطلقة غالبًا تخرج من زواجها المنتهي وهي مستنزفة عاطفيًّا ونفسيًّا، لدرجة كبيرة لا تفكر معها في الزواج ثانية، فلكل منا طاقة نفسية، حتى الزواج يحتاج طاقة نفسية هائلة.
دعك من أنها قد تخرج من زواجها بمشكلات عدة، مثل التهديد بأخذ الأولاد إن تزوجت ثانية، أو مطاردة طليقها، وأية مشكلات أخرى قد تسمع عنها، وكثيرات منهن يضطررن للعمل للإنفاق على أبنائهن، وهي لم تعرف لسوق العمل سبيلًا من قبل.
إن هذه المرأة ترى في الزواج الثاني من رجل متزوج حبل الخلاص لها، فكل امرأة في الدنيا تحتاج إلى شريك يساعدها في تحمل أعباء الحياة، ولئلا تشعر أنها وحدها.
دعك من هتافات: المرأة القوية، والاسترونج اندبندنت وومن... إن هذا سخف، وكل امرأة تعرف من داخلها أنها ضعيفة فعلًا وبحاجة لرجل، لكن ليس أي رجل، فبسبب تناثر أشباه الرجال في كل مكان اختارت كثير من النسوة المطلقات عدم تكرار تجربة الزواج ثانية، بل وبعض الفتيات اللاتي لم يتزوجن من قبل رفعن شعار عدم الزواج؛ خوفًا من المستقبل ومن أشباه الرجال.
وسط كل هذا حينما يتقدم للمطلقة رجل متزوج يعرض عليها المساعدة في تربية الأولاد مثلًا، أو حتى الإنفاق عليها، فهي تلقي بكل مخاطر ومساوئ الزواج الثاني وكلام الناس عنها جانبًا، لتخوض التجربة.
هذه الحالة هي أكثر حالة قد توافق فيها المرأة على الزواج في السر، مع ما في هذه الخطوة من مخاطرة كبيرة جدًا، وكأنها وقَّعت وثيقة طلاقها المؤجلة بنفسها قبل أن تتزوج كما يفعل ثلاثة أرباع الرجال حين تعلم زوجته الأولى بزواجه، فهو يضحي بالزوجة الثانية بلا تردد، والقصص الواقعية على ذلك كثيرة.
إنها توافق على الزواج السري لظروف مجتمعية عدة، منها كلام الناس، والنظر إليها نظرة "خطافة الرجالة"، ومنها مثلًا لكيلا يعرف طليقها بأمر زواجها ومن ثم يطلب ضمَّ الأولاد إلى حضانته، ومشكلات كثيرة تتحمل المرأة من أجلها وضع الزوجة الثانية السري الأكثر ألمًا.
المرأة الأرملة
التي مات عنها زوجها، وربما ترك لها حفنة من الأطفال أيضًا، والغريب أن نظرة المجتمع لها تكون أكثر شفقة من نظرته للمطلقة، فهذه امرأة لا ذنب لها في موت زوجها، لا يتهمها أحدهم بالفشل، بل قد يسعون إلى تزويجها بأنفسهم.
إن لقب "خطافة رجالة" لا يطاردها لو تزوجت من رجل متزوج؛ فتوجد أعذار مجتمعية لما فعلت، مثل أن يساعدها في تربية الأولاد، ويعوضهم عن الأب المفقود.
وفي هذه الحالة أيضًا قد ترضى المرأة بالزواج السري خوفًا من كلام الناس، ومن أجل مصلحة أطفالها الذين يحتاجون أبًا في حياتهم.
فتاة لم تتزوج من قبل
إن وضع الفتاة البكر هنا صعب جدًّا، فالمجتمع ينظر لها نظرة غريبة من نوعية "إيه اللي يجبرك على الوضع دا؟" وهم محقون جدًّا.
الزواج الثاني لرجل متزوج وضع صعب، يحتاج درجة عالية من النضج والصبر وقوة التحمل والتغافل، وقلما تجد فتاة لم تتزوج من قبل تقبل بهذا الوضع الصعب القاسي.
إنها في مقتبل حياتها الزوجية، وأول خطوة لها في عالم الرجال، فإذا بها تختار من بين كل الرجال رجلًا متزوجًا لتعيش معه حياة في 90% من الحالات ستكون ممتلئة بالمشكلات والمتاعب النفسية والضغط العصبي.
إن وضع المرأة في هذه الحالة يختلف؛ فلا توجد أية ظروف تجبرها على القبول بوضع كهذا، فهي ليست مرتبطة بالتزامات معينة تتخلى من أجلها عن بعض حقوقها بالذات في بداية حياتها.
إن المجتمع يرى الفتاة التي تقبل برجل متزوج في حين هي لم تتزوج من قبل، يراه وضعًا غريبًا، وقد تلوح حولها لفظة "خطافة رجالة" إن كان سنها كبيرًا ولم تتزوج، هنا يفترض المجتمع أنها من ألقت بشباكها على الرجل لتقتنصه حتى لا تلتصق بها كلمة "عانس" أو لحقدها على المتزوجات.
لذا فأنا لا أنصح أي فتاة لم تتزوج أن تقبل برجل متزوج لتبدأ حياتها مع المشكلات والمكايد وتعب الأعصاب، والمواقف التي ستظهر فيها حقيقة الرجل الذي ستتزوجه، وقد تخالف توقعاتها وتصدمها فيه.
مهما كانت وعوده، حتى لو تزوجها أمام الجميع وبمعرفة زوجته، وعلى الرغم من وجود تجارب تعدد ناجحة لفتيات لم يسبق لهن الزواج من قبل، لكنها تظل مخاطرة كبيرة جدًا، مخاطرة بقلبها ومشاعرها وبكل شيء.
الفتاة التي توافق على وضع كهذا وتتحمله فهي توافق لسبب قوي فعلًا، ولكل حالة سبب خاص بها لا يفهمه سواها، والنجاح والفشل في الزواج أمر نسبي يختلف من حالة لأخرى، لكنها فعلًا تختار حالة تتسبب في أعلى نسبة طلاق على مستوى العالم وهي حالة الزوجة الثانية!
فإن فعلت وارتضت بهذا الوضع فعلًا لظروف خاصة بها فلا تكون زوجة في السر أبدًا، فهي ليس لديها ما تخاف أن تخسره حتى تلجأ للزواج السري، إن وضعها أفضل من المطلقة والأرملة؛ لأنها ليست ملتزمة بأحد، فلا شيء يجبرها على التخلي عن حقوقها بهذه السهولة من أجل شخص لا تعرفه، وفي زواج نسبة فشلها أكبر من نجاحها.
هل الزوجة الثانية خطافة رجالة؟
وهو سؤال لم أجب عنه بعد؛ لأن المرأة بشر مثل أي بشر، وكلنا نولد كالورقة البيضاء، ونحن من نختار ماذا يُكتب في هذه الورقة.
قال تعالى: {وَنَفۡسࣲ وَمَا سَوَّىٰهَا ٧ فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ٨ قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ٩ وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ١٠} [الشمس ١-١٠].
كلنا نولد بالخير والشر، بالفجور والتقوى، وعلى كل منا أن يعمل على تزكية نفسه وتنقيتها من الفجور، وتنمية جانب الخير لديها.
إننا نختار في مواقف معينة أي جانب سنكون، المشاعر تظل لا غبار عليها إن لم تتحول لأفعال، فنحن نشعر بالغضب والغيرة والحقد والحسد وكل هذه المشاعر السلبية لوجود جزء الشر والفجور، لكن من يعمل على تلبية هذه المشاعر والاستجابة إليها فعلًا هو من دساها، في حين من يقاومها ويرفضها وهي لم تتعدَ مجرد فكرة هو من زكاها.
لذا فالمرأة بشر، تختار أن تكون خطافة رجالة وألا تكون، ويوجد فعلًا نساء تتخذ من الألاعيب النفسية غير المحترمة والحركات المغرية التي يسيل لها لعاب أشباه الرجال، تتخذ منها طريقة ناجحة لاجتذاب رجل معين وتجعله ينفذ لها كل ما تريد.
وهذه الفئة موجودة فعلًا ومنتشرة، ويكون هدفها من الزواج الثاني ليس بناء بيت وأسرة، إن لها في الغالب أهدافًا أخرى أكثر من ذلك بكثير، أولها المال أو الهدايا أو ما يمكن أن تتحصل عليه من هذا الرجل.
لأن المرأة السوية تختار نفسها وكرامتها، ولن تسعى لرجل مهما حدث، فالمرأة مرغوبة وليست راغبة، والأنثى التي تسعى هي بنفسها لاجتذاب الرجل ولو ببعض الاهتمام الخفي الذي تعلم أنه بحاجة إليه هي أنثى تخالف الفطرة، حتى لو تزوجته فعلًا، تظل مفتقدة جزءًا كبيرًا من أنوثتها.
وكما قلنا فالمرأة بشر، وهي بنفسها من تختار المكان الذي توضع فيه في قلب الرجل، وتختار أن تكون فعلًا خطافة رجالة أو أنثى كاملة سوية.
أما عن لفظ خطافة رجالة فهو لفظ غريب، وكأنما الرجل طفل صغير يتم إغراؤه بلعبة أو بعض الحلوى، مثلما كنا نمنع أطفالنا من أخذ الحلوى من شخص لا نعرفه.
إن الرجل شخص بالغ عاقل لا تختطفه أنثى ولا تجتذبه أجسام ممشوقة ونظرات متلهفة، من يجتذب لمثل هذا هم أشباه الرجال، وهي زيجة لا تتعدى بضعة أشهر وتكون أهدافها واضحة للطرفين، علاقة معينة لكن بطريق شرعي لأن الرجل يخاف الحرام!
ماذا عن شعور الزوجة الثانية؟
أياً كان وضعها سواء مطلقة أو أرملة أو آنسة، في حالة المطلقة فهي تخوض تجربة الزواج الثاني من رجل متزوج وكلها خوف أن تفشل تجربتها تلك مثلما عانت في تجربتها الأولى، وأن يوصمها المجتمع بالفشل للأبد ويلقون عليها اللوم وتُكتب تجربة طلاقها الثانية في السيرة المجتمعية الخاصة بها أمام الناس، وهو ما سيسبب لها ولأبنائها متاعب كثيرة في المستقبل.
أما الأرملة فهي تعاني الخوف من الفقد، وأن تفقد هذا الرجل أيضًا كما فقدت زوجها، وأن تعيش مشاعر الفقد ثانية وهي مشاعر قمة في الألم، فهو الفقد الذي لا رجوع منه.
فإما تفقده بالموت مثل زوجها السابق، وإما تفقده بالطلاق الذي ترتفع نسبته إلى درجة كبيرة في حالة الزواج الثاني، إنها تخاطر بقلبها حرفيًّا؛ لأنها إن وقعت في يد رجل لا يتقي الله وطلبت منه زوجته الأولى أن يطلقها سيفعل دون مناقشة، دون مراعاة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا) وهو ما تفعله أغلب النساء اللاتي تزوج أزواجهن بأخرى، فأول ما تفعله هو إما طلبطلاق الثانية وإما تطليقها هي شخصيًّا، فيختار الرجل تطليق الثانية بلا تفكير.
أما الفتاة البكر فمستقبلها غامض، إنها تواجه لفظ خطافة رجالة وكراهية المجتمع وكراهية أهل زوجها وكراهية زوجته، كل هذا الخوف تضعه على عاتق الرجل الذي اختارته لتبدأ معه حياة صعبة اختارتها بنفسها لتخوضها معه وليس مع سواه.
غالبًا تكون الدوافع لدى هذه الفتاة للزواج من رجل متزوج قوية من وجهة نظرها فقط، أو أنها تفكر بعاطفتها؛ لأنها لو تركت العنان لعقلها لرفض خوض هذه التجربة دون تردد.
لكن توجد تجارب ناجحة، الموقف كله يحتاج شجاعة من الطرفين، شجاعة من المرأة، وصبر وقوة تحمل ورجولة حقيقية من الرجل، مع احتواء هذه المرأة التي اختارت هذا الوضع الصعب من أجله.
رائع جدا 🌹
كل الشكر على مرورك ورأيك
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.