هل لا يزال للزواج أهداف؟ الناس قديمًا كانوا يقدمون عليه لأسباب يتوافق بعضها مع أسباب الزواج العصرية، وبعضها انفرد به أهل ذلك الزمان من أسباب الزواج المشتركة.
اقرأ أيضاً الزواج العصري مودة ورحمة أم مشروع فاشل؟
معدلات اختيار الزوجة قديماً
كانت الرغبة في المرأة ذات "الحسب والنسب والدين والجمال والمال" على الترتيب القديم.. أعلم أن منكم من لا يرضى هذا الترتيب ويرى ترتيبًا مغايرًا، ولكن هذا هو ما أراه، ففي الأربعينيات وما بعدها كان الرجال هم أصحاب الأعمال -أعني في الوطن العربي- وهم أرباب المهن وشاغرو الوظائف والساعون للقمة العيش، ولم تكن المرأة في وقتها تحمل همَّ النفقة على البيت ولا همَّ النفقة على العيال.
بل كان كل همها أمور بيتها وتربية أبنائها والسهر على راحة زوجها، الذي بدوره يتكفل بمصروفات البيت وتلبية حاجة أهله، فلا الزوجة تشغل بالها بمهمة زوجها، ولا الزوج يشغل باله بواجبات زوجته.
الكل يعرف ما عليه وما له في رضًا واقتناع دونما تبرم وتعجرف وتسخط من سوء حال أو قلة زاد، بل إن جوًا من المراعاة وحفظ الود وصون العهد يغمر تلك الأسر وإن لم تخلُ من مشكلات على أيامهم كانت من التوافه، فلا يمضي وقت قصير إلا قد حُلت إما بالتغاضي أو التحامل أو التنازل الفطري الذي لا يأخذ طرفة عين للتفكير فيه، لأن ترابط الأسرة والإبقاء على تماسكها أهم بكثير من عوارضٍ شخصية لا بد أن يحسها الإنسان في نفسه إن تعرض لمواقف معينة، والالتفات للشارد والوارد من هذه العوارض، واعتباره مشكلة يلزم البحث عن حل لها يُعطل كل الأطراف عن أداء مهامهم ويلهيهم عن الانشغال بما يعود عليهم وعلى غيرهم بالفائدة.
ولذلك فإن التجاهل وإراحة البال والانشغال بالواجبات التي أنيطت بهم من أجمل الصفات التي كست أهل الزمن الجميل.
اقرأ أيضاً لماذا نتزوج؟ وهل الزواج قرار أم اختيار؟
المال هو مقياس الزواج في عصرنا الحالي
كان الزواج سهلًا ميسرًا، فالمقياس ليس المال؛ لأن الكل كانوا متقاربي الطبقات، فكان للأمانة وزن، وللعفة وزن، وللكرم وزن، وللذكر الحسن وزن، وآخر ما يذكر هو قيمة المهر وهيئة البيت، فهل تخشى على ابنتك إن تركتها مع أمين عفيف كريم؟ ولكن هيهات، فما عاد للأخلاق وزن، ولا للمروءة ميزان، فإن الميزان والموزون هو المال.
فمن يريد الزواج اليوم لا يفكر في من سيتزوج، أو ما صفات شريكة حياته التي يريد، لأن همه الأوحد كم سيطلب أهل من سيتزوجها مهرًا؟ وكم شرطًا سيفرض عليه؟ وكم وعدًا سيقطع؟ وما بعد الزواج؟ وعلى افتراض حدوث الطلاق فكم سيدفع تعويضًا؟ وكأنه شرط جزاء لا عقد زواج، إن كان الزواج يبدأ هكذا أترى أحد الزوجين يتغاضى عن خطأ أو يغفر زلة أو يتحامل على نفسه لخاطر الآخر؟ لا، بل إن هذه البهرجة تهدمها أول هفوة.
لم نتناول مصير الأبناء في هذا الجو المشحون بالترقب والترصد لتصيد الزلات والانشغال عنهم، إما بالعمل هروبًا من الرقيب -الذي يفترض أن يكون رفيقًاـ وإما بالملهيات المهلكات التي أوجدها فضاء الإنترنت التي تزيد توتر العلاقات بما تعرضه من مقارنات ومثاليات ونصائح هدامة تغري كلا الزوجين ليوقع بصاحبه، مثل: لا تتزوج صاحبة هذه الصفات! إن كانت هذه الصفات في زوجتك فطلقها فورًا! وقس على ذلك كل هذه الترهات وما شاكلها، التي تضع الزوجين في حالة انغماس وانشغال عن التربية.
ومع وجود بدل للأبوين لا حصر لها متاحة على الإنترنت، ولكن مع انعدام التوجيه، ينحرف مسار الأبناء، وقد يسلكون طريقًا لا تحمد عقباه، ونعتب ونلوم ساعة لا ينفع عتاب ولا لوم، فخبروني بالله عليكم لماذا نتزوج؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.