الزواج العصري مودة ورحمة أم مشروع فاشل؟

كثير من شباب جيل اليوم يتردد بذهنه سؤال مصيري، هل الزواج العصري مودة ورحمة أم مشروع فاشل؟ فالإحصائيات الأخيرة التي أقرها مركز التعبئة والإحصاء، تشير إلى أن حالة طلاق تحدث كل دقيقتين، وأن النسب قاربت الـ 70%، منها نحو 87% حالة خلع عن طريق المحكمة. فهذه النسب أصبحت خطيرة جدًّا في مصر وتحتاج إلى مراجعة وبحث عن إجابة شفافة ومنطقية لهذا السؤال.

اقرأ أيضاً لماذا يجب أن تستقر المرأة مادياً قبل الزواج؟

شعار المرحلة "لا للزواج" 

إذا تابعت الأجواء مؤخرًا على صفحات التواصل الاجتماعي، فستجد حالة عامة عند كثير من الشباب والفتيات برفض فكرة الزواج، فقد تراجعت نسب الزواج بين عامي 2020 و2021 إلى 3.9% داخل مصر، وحتى باقي الدول العربية أصبحت تنتهج النهج نفسه خاصة تونس ولبنان والمغرب.

فالشباب أصبحوا يرون أن قوانين الزواج والأحوال الشخصية مُجحفة وتشجع الزوجات على طلاق المحاكم والخلع والحصول على مكتسبات الطلاق مثل النفقات وكسب حضانة الطفل وابتزاز الأب، بل إن كثيرًا من الشباب تعرضوا للسجن بسبب تلك القوانين الغربية الظالمة.

أما البنات فقد تشبعن بالأفكار النسوية كالاستقلالية والتحرر والاستحقاقية العالية، التي جعلتهن يتعاملن مع الزواج على أنه صفقة إما رابحة وإما خاسرة. والنتيجة أن نسب العنوسة في مصر في عام 2017 تخطت الـ 11 مليون فتاة بالثلاثينيات و2.5 مليون شاب، أما اليوم فالنسب قد تفاقمت وتعدت الـ 20 مليونًا تقريبًا.

اقرأ أيضاً هل الخسارة الحقيقية تأتي بعد الزواج؟

تكاليف الزواج والعادات والتقاليد

توجد أسباب أخرى وراء تراجع نسب الزواج، مثل المغالاة في المهور وارتفاع أسعار الذهب وبعض العادات والتقاليد الرجعية مثل إمضاء الشباب على قائمة منقولات زوجية تشبه إيصال الأمانة، فهل هذا الشاب أذنب لأنه أراد الزواج والتعفف في هذا العصر الجنوني؟! ليجد والد الفتاة يتعامل معه بالتخوين والتشكيك في أخلاقه وذمته! بل ويجعله يعيش مع ابنته وهو مهدد في أي وقت بالسجن بسبب تلك الورقة التي يعود تاريخها إلى 800 عام مضى، عندما كانت تتزوج اليهوديات بمصريين وتريد تكبيل الزوج ونزع القوامة منه.

فالزواج في ظل هذه الأفكار والعادات أصبح محفوفًا بالمخاطر على الزوج، وعلى أهل الزوجة الذين يشترون أثاث المنزل ويمضون إيصالات أمانة وعند عدم السداد يتحولون إلى غارمين وغارمات، فالجميع خاسر بتلك المعادلة غير المنطقية.

اقرأ أيضاً نصائح هامة لاختيار شريك الحياة

زواج "التيك أواي"

يوجد نوعان من الزواج، الزواج التقليدي والزواج عن حب، ولكل منهما مميزاته وعيوبه، فالزواج التقليدي أو المُدبر مُحاط بالغموض والتساؤلات ونشوة اكتشاف طباع كل طرف للآخر، خاصة لو كانت مدة الخِطبة قصيرة، فقد تكتشف الزوجة أن زوجها مدخن أو مدمن خمور أو لا يصلي، وقد يكتشف الشاب أن زوجته نسوية أو سليطة اللسان أو لها ماضٍ وتجارب سابقة مع شباب آخرين.

أما الزواج عن حب فهو الأكثر تعرضًا للفشل، لأن الأزواج يكونون واقعين تحت سحر المشاعر الجياشة واجتثاث سلطة العقل وضمورها أمام سلطة القلب، وعند الاصطدام بأول مشكلة تواجههما على أرض الواقع، إما يشعران بخيبة الأمل والخذلان وفقدان الشغف بالعلاقة وإما يقرران الانسحاب والهروب مهما كانت النتائج. فكثير من الدراسات الحديثة أكدت أن معظم حالات الطلاق بالعصر الحالي كانت بعد تجارب وعلاقات غرامية كالأفلام الهندية بين الزوجين، فمشكلة المتزوج عن حب أنه يميل دائمًا إلى عقد المقارنات بين الخيالات الهائمة والواقع العقلاني.

وبين هذين النوعين من الزواج عدة طرق اختُرعت، مثل زواج المتعة والزواج العرفي وزواج التجربة وزواج «الويك إند»، بالإضافة إلى الارتباطات المثيرة للسخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فالزواج العصري افتقد الرباط المقدس وأصبح أشبه بعلاقة عابرة يخوضها اثنان من المراهقين، فلا بد من وجود ميزان حساس يمزج مشاعر القلب باستنباطات العقل، حتى يدعم العلاقة لأطول فترة ممكنة بين أمواج منغصات الحياة ورياح التغيير العاصفة بالأخلاق والمبادئ.

اقرأ أيضاً مفهوم الزواج بالنسبة لمجتمعنا الشرقي

معاناة مع رهاب الجاموفوبيا

أضف إلى ما ذكرناه، معاناة بعضهم مع المرض النفسي «رهاب الجاموفوبيا» أو ما يُطلق عليه رهاب الزواج، وهو خوف الشباب والفتيات من مسؤوليات الزواج والإنجاب، خاصة الشباب الذين أصبحوا لا يرون فائدة من الزواج العصري، بل مجرد خسارة للأموال.

فالشاب العصري يتعامل مع الزواج بسطحية ويختار الفتاة بناءً على شكلها وملابسها وشعرها «الكيرلي» وعيونها الملونة وطلاء أظفارها، ويتناسى تمامًا أن الجمال عرض زائل وأن جمال المرأة الداخلي أهم بكثير من جمال خارجي مزيف بمساحيق التجميل وجلسات تنظيف البشرة و«الفيلر» و«البوتكس».

أما الفتاة العصرية فقد أصبحت ترى الزواج من منظور نسوي إسلامي! أي تجمع بين حقوقها في الإسلام مثل المهر والنفقة، وتُنكر واجباتها مثل طاعة الزوج ورعاية الأسرة. فهي ترى أنها غير ملزمة بإعداد الطعام لزوجها أو إرضاع طفلها دون الحصول على أجر، وممارسة الجماع مع زوجها يجب أن تكون برغبتها وإلا أصبح اغتصابًا زوجيًّا. وظيفتها وطاعة مديرها أهم من احتياجات منزلها وزوجها، كما أنها ترفض مبدأ المشاركة المادية، وترى أن الزوج هو عائل الأسرة ومكلف بكثير من المسؤوليات، أما هي فكل وظيفتها الإنجاب لتحصل على أطفال يسهلون عليها مهمة الطلاق والحصول على امتيازات الحضانة من مسكن ومأكل وملبس.

نعم، هذه هي النسوية الإسلامية التي يعد الزواج بها أكبر جريمة يرتكبها الشباب اليوم في حق أنفسهم، ومع الأسف القوانين الحالية تدعم كل أفكار وخطط هذه الزوجة الأنانية وتنتزع القوامة والعصمة من الزوج، ما زاد من نسب المرضى بالجاموفوبيا وجعل مؤشر عزوف الشباب عن الزواج في تصاعد مستمر.

فوات قطار الزواج 

وكما توجد زوجات نواشز، يوجد شباب غير ناضجين ولا يعرفون شيئًا عن مسؤوليات الزواج والإنجاب، فقد يتزوج الشاب فتاة أحبته ووثقت به وبعد أشهر بسيطة من الزيجة يهجرها ويترك عش الزوجية راكضًا خلف حياة الهرج والمرج التي اعتادها وهو أعزب. لذا عندما قال رسولنا الكريم:

«يا معشرَ الشباب، مَن استطاعَ مِنكمُ الباءَةَ فَليتزوَّج، فإنهُ أَغَضُّ للبَصَرِ، وأحصَنُ للفرْجِ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجاء».

كان يقصد أن يكون الشاب مستطيعًا ماديًّا ونفسيًّا وصحيًّا، حتى ينجح في اختيار فتاة صالحة لتكون زوجته وأمًّا لأطفاله، ويكون له حق القوامة والحفاظ على أسرة متماسكة وسوية.
ومع ارتفاع نسب البطالة وغلاء المعيشة وتفشي الأمراض النفسية، أصبح الزواج خيارًا شبه مستحيل لا يُقدم عليه الشباب، وفوات قطار الزواج أفضل من صعوده ثم النزول في أقرب محطة وتركه أو انقلاب القطار وتكبد الخسائر المادية والنفسية وزيادة نسب أطفال الشقاق.

الرجل العاقل لا يتزوج

فعندما قال سقراط «الرجل العاقل لا يتزوج» كأنه كان يتحدث عن شباب العصر الحالي.

فالزواج إن كان سنة الحياة، فتوجد فروض أنت مطالب بها قبل السنن، فالعُزاب لا يدخلون النار لأنهم لم يتزوجوا!

والزواج من أجل الإنجاب ليس منطقيًّا اليوم، فقد تكون الأم غير صالحة فيصبح الأطفال العاقين نقمة، وقد يحدث طلاق وتقضي باقي حياتك تعاني قوانين الأسرة الظالمة والمُذلة للآباء بهذا العصر.

والزواج لأجل الجنس رعونة وشهوة ومتعة وقتية، فالجنس جزء لا يستقطع حتى عُشر سنوات الزواج، وكثير من الأمور الزوجية الأخرى التي يجب وضعها في الحسبان.

في النهاية، الزواج طبقًا للشرع نعمة عظيمة ومودة ورحمة وضمان لبقاء النوع وتكوين أسرة نووية في أجواء مُطمئنة هادئة، لكن الزواج العصري المصقول بالقوانين الظالمة وهرطقة النسوية الفارغة والمباهاة في تكاليف الزواج الباهظة والعادات والتقاليد المُدقعة، وندرة الفتيات الصالحات اللاتي يصلحن زوجات وأمهات، والشباب المُتسمين بخصال الرجال الصالحين لقيادة أسرة وإعالتها ماديًّا ومعنويًّا، كل هذه الأسباب جعلت الزواج العصري مشروعًا فاشلًا ومحفوفًا بالمخاطر للجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

مقال أكثر من رائع
تقبل تحياتي
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة