الزمن النفسي: لماذا نعيش حياتنا في الماضي والمستقبل وننسى الحاضر؟

هل تساءلت يومًا لماذا نجد أنفسنا أسرى لمشاهد من الماضي، أو قلقين حيال لحظات لم تأتِ بعد؟ لماذا يبدو الحاضر، على الرغم من كونه اللحظة الوحيدة الحقيقية، مجرد مرور خفيف ننساه أو لا نعيشه بعمق؟ إننا، وبكل بساطة، لا نعيش حياتنا بالكامل هنا والآن، بل نعيش أغلبها في عقولنا، محاصرين بين ذكريات مضت وأحلام أو مخاوف تتعلق بالمستقبل.

اقرأ أيضًا ما هي حقيقة الزمن؟ وما هي أنواعه؟

الزمن النفسي: حواجز غير مرئية تعيقنا عن الواقع

تخيَّل نفسك تُجَرُّ بحبلين، أحدهما يشدُّك للخلف إلى ذكريات عميقة من الماضي؛ لحظات سعيدة أو مؤلمة، وأحداث قد تندم عليها أو تشتاق إليها. أما الآخر، فيدفعك للأمام بأحلام وآمال وأحيانًا بمخاوف لا تنتهي. في الوقت الذي يجذبك كل حبل إلى اتجاه، تقف أنت على طرف الزمن الحقيقي، الحاضر، لكنك بالكاد تشعر به.

هذا هو مفهوم "الزمن النفسي"، حيث يبدو أن الماضي والمستقبل يسرقان منا لحظاتنا الحقيقية، وكأننا عالقون في فخ لا يتيح لنا تذوق الحاضر الذي نعيش فيه. نحن ندخل دوامة الزمن النفسي كلما أعادنا عقلنا إلى مواقف مرت، أو كلما بدأنا بالتفكير في مستقبل غير موجود بعد.

اقرأ أيضًا السفر عبر الزمن.. هل بإمكاننا العودة إلى الماضي؟

كيف يؤثر الزمن النفسي على مشاعرنا وسلوكنا؟

للزمن النفسي تأثير بالغ على حالتنا النفسية. فالأشخاص الذين يميلون للعيش في الماضي، غالبًا ما تراهم يعيشون مشاعر الحنين، أو قد يشعرون بالندم على اختيارات لم تسر وفق توقعاتهم. أما من يُسقط نفسه في المستقبل، فهو غارق في التوتر والقلق من سيناريوهات لم تحدث بعد؛ كأننا نصنع مخاوف من عدمٍ، ثم نعيشها بكل تفاصيلها.

ولأننا كائنات تتغذى على مشاعرنا وتعيش منها، فإن العيش في الماضي أو المستقبل يؤثر علينا بدرجة كبيرة. الماضي قد يُثقلنا بذكريات وتجارب مضت دون رجعة، والمستقبل قد يجعلنا نعيش في خوف مما لا نعرفه. لكننا نتناسى شيئًا جوهريًّا؛ ألا وهو اللحظة الحالية التي هي اللحظة الوحيدة التي نملكها حقًّا.

لماذا ننسى الحاضر؟

قد يكون السبب هو ميل الإنسان الطبيعي إلى التفكير والتحليل حتى التنبؤ. ونحن إلى ذلك نعيش في زمنٍ يقدِّر الإنجاز ويكرِّس ثقافة "ما القادم؟"، فيصبح المستقبل وكأنه مكان نحتاج إلى الهروب إليه. وأحيانًا، قد يكون الحاضر مريرًا أو غير مرضٍ، فيحاول عقلنا البحث عن ملاذ في الذكريات الجميلة أو الأحلام التي تمنحنا بريقًا من الأمل.

لكن، هل يكفي هذا التفسير؟ ألا يوجد عمق آخر؟

نعم، نحن ننسى الحاضر؛ لأننا ببساطة لم نعد مدربين على "تجربة" اللحظة بكل ما فيها. أصبحنا مشغولين بترتيب أحداث اليوم التالي، وتذكر أحداث الأسبوع الماضي، حتى إننا نمرُّ بلحظات غنية في حياتنا دون وعي. كأننا نعيشها جسديًّا، لكن أرواحنا في مكان آخر.

الحاضر: ملجأ السلام الغائب

الحاضر هو اللحظة الوحيدة التي بإمكاننا أن نتحكم فيها، أن نعيشها، أن نختبرها بكل ما فيها. الحاضر هو المكان الذي نجد فيه السلام، حيث لا ضغوط الذكريات ولا مخاوف المستقبل. تخيَّل نفسك تتنفس بعمق، مغمض العينين، تركز على إحساس كل نسمة هواء تمر، تلك هي اللحظة الوحيدة التي تختبر فيها الحياة بصدق.

الحياة لن تتوقف عن تقديم الماضي كذكرى والمستقبل كأمل أو كخوف. لكننا نملك حرية أن نختار كيف نتعامل مع هذه الأبعاد الزمنية. بإمكاننا أن نتعلم من الماضي دون أن نسكن فيه، وأن نستعد للمستقبل دون أن نحمله على أكتافنا، وأن نوجد في الحاضر بوعي، حتى نتمكن من عيش الحياة الحقيقية التي تجري أمامنا.

كيف نعود للحاضر؟

الأمر ليس بسيطًا، فنحن ندرب عقولنا طوال العمر على التحليق في الماضي والمستقبل. لكن توجد خطوات يمكن أن تساعدنا على العودة إلى الحاضر.

  1. التنفس والتركيز على اللحظة: ببساطة، اجلس في مكان هادئ، ركز على تنفسك، وشعر بكل نفس يدخل ويخرج. حاول أن تستمتع بهذه اللحظة البسيطة دون أي توقعات.

  2. التقليل من التوقعات المستقبلية: لا بأس بأن نحلم ونخطط، لكن يجب ألا يكون هذا على حساب عيش الحاضر. دع نفسك تفرح بالأشياء الصغيرة التي تحدث الآن.

  3. تقبل الماضي بكل ما فيه: تذكر أن الماضي جزء من رحلتك، لكنه ليس الحياة نفسها. استخدمه كمرشد، لكن لا تسمح له بأن يصبح سجنًا.

  4. الامتنان: ابحث يوميًّا عن شيء تستحق أن تكون ممتنًا له في حياتك الآن، حتى لو كان شيئًا بسيطًا. هذا سيساعدك على تقدير ما تملك في هذه اللحظة.

الزمن النفسي يمكن أن يكون طاقة إيجابية تدفعنا للتعلم والنمو، ولكن فقط إذا عرفنا كيف نعيش حاضرنا بوعي وهدوء.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة