جوَّك | الزراعة والصناعة في الحضارة الفرعونية

مصر بلد الحضارة والتاريخ، جملة طالما سمعتها حتى كدت تمل منها، وعلى الرغم من كونها حقيقة لا تنكرها، فهناك سؤال دائمًا يخطر ببالك، لماذا؟ أو ما السبب الذي أدى لذلك؟ ما الذي جعل مصر القديمة بلدًا للحضارات؟

السبب الرئيس لجعل مصر بتلك المكانة، بل السبب الذي كوَّن مصر من الأساس هو الزراعة، فقد كان الإنسان قديمًا دائم التنقل والترحال حتى عرف وادي النيل، من بعده عرف الاستقرار، واستطاع أن يزرع، وبما أنه زرع أكله، فقد اتجه بعدها إلى أن يصنع ما يحتاج إليه في حياته اليومية، وبعدها احتاج للحماية، ولأن يحافظ ويدافع عن مزروعاته وممتلكاته وأراضيه ونيله الخصيب، فكوَّن جيشًا.

اليوم نتحدث عن السببين الرئيسين في نشأة مصر، الزراعة والصناعة في الحضارة الفرعونية.. لنستمتع معًا.

كيف كانت الزراعة في الحضارة المصرية؟

كانت الزراعة في مصر القديمة لها من التطور ما كان للمباني المعمارية والمعابد التي شيدت، فقد زرع المصري القديم أصنافًا من النباتات، منها ما كان أساسيًّا للحياة، ومنها ما كان أساسيًّا للصناعة، وزرع أيضًا الفواكه، ووصل الأمر إلى أنه عرف أكثر من صنف للقمح.

اعتمدت الزراعة في مصر القديمة على الفيضان، حيث إن موسم الزراعة كان يبدأ منذ انتهاء الفيضان في شهر أكتوبر من كل عام، وكان الفيضان يترك الأراضي الزراعية مروية بالمياه ومخصبة بالطمي الذي كان يأتي من سهول إثيوبيا حاملًا معه العناصر المغذية للتربة، فما كان من المصري إلا أن يشق الترع والقنوات لتوزيع المياه وتعظيم الاستفادة منها.

مراحل عملية الزراعة

العزق والحرث، وهو تجهيز الأرض باستخدام الفؤوس والثيران التي تجر المحاريث.
البذر، وتتلخص في رمي البذور على التربة، وبعدها تطلق الأغنام أو الخنازير في الحقول لتغرس البذور بأرجلها.
الحصاد، وتأتي تلك المرحلة غالبًا بين شهري مارس ومايو، بعد نضج المحاصيل لتجميعها في أجران.
التخزين، آخر مرحلة، وهي تنقية المحصول وفصله من الشوائب، وتسجيل مقدار ما أنتجته الأرض ثم تخزينه في صوامع.

عرف المصري القديم أيضًا نظام الإرواء بالغمر، فذكر المؤرخ الأمريكي "ول ديورانت" طريقة الزراعة المصرية، نقلًا عمّا كتبه هيرودوت عندما زار مصر عام 450 ق.م. وكانت تتلخص في الآتي:

أن المصري القديم كان يزرع بسهولة أكثر من أي شخص آخر، ففي كثير من الأحيان لم يكن يحتاج إلى أن يحرث أرضه أو يشق القنوات من أجل السقاية، كل ما عليه هو انتظار الفيضان، وبعد انحساره، يبذر البذور في الأرض، ويطلق عليها الخنازير لكي تغرسها في الأرض بأقدامها، والخطوة التالية، انتظار الحصاد.
ذكر أيضًا أن المصري استأنس القرود ودربها على الحصاد وجمع المحصول.
كما ذكر أن الأرض لم تكن ملكًا الناس، بل كانت ملكًا للملك المصري ولا يجوز التصرف فيها إلا بإذن الملك، وكان الفلاح يزرعها وله حق التصرف في محصولها، مقابل ضريبة تراوح بين عُشر المحصول وخُمسه.

المحاصيل التي زرعها المصري القديم

ومن المحاصيل التي زرعها المصري القديم:

الخضراوات: البصل والخيار والخس والحلبة والكرنب والفقوس "القثاء" ونبات الحميض والكرفس والثوم والكراث والفجل والأسباراجوس والبازلاء.

البقوليات: العدس والحمص والفول.

أما بالنسبة للتوابل: فقد زرع الكمون واليانسون والكرفس والكراوية.

ومن المحاصيل التي تزرع لزيوتها السمسم والخروع والزيتون.

أما بالنسبة للزهور ونباتات الزينة: فقد زرع المصري اللوتس والأقحوان والغلال الزرقاء واللفاح اللبلاب والسوسن.

أما الحبوب: فقد زرع المصري الشعير والذرة العويجة والقمح بثلاث فصائل منه، وهي الإينكورن والإمر والعلس.

وعرف الزراعة من أجل الطب: مثل، شجرة التربنتين.

أما بالنسبة للفواكه: فقد زرع المصري القديم الرمان والقاوون "البطيخ" والتين والجميز "ثمرة تشبه التين" والعنب والبلح والنبق أو السدر، وقيل إنه عرف زراعة الشمام، وبالنسبة للبطيخ، فليس البطيخ الموجود الآن نفسه، بل كان نوعًا من البطيخ البري صغير الحجم.

ما وجه الارتباط بين الزراعة والصناعة في مصر الفرعونية؟

كان هناك ارتباط وثيق بين الزراعة والصناعة في مصر القديمة، فكانت كل عملية مكملة للأخرى، فمثلًا كانت توجد محاصيل تزرع من أجل الصناعات المختلفة، وخير مثال هو نبات "البردي" الذي كان يزرع من أجل أن تصنع منه أوراق، وأيضًا الكتان، الذي كان أساس صناعة الملابس في مصر القديمة.

وكانت الجلود تستخدم في الملابس والنعال وفي الوسائد والمقاعد، وفي الصناعة قرب المياه مثل جلود الماعز والأبقار والأغنام والغزلان والعجول التي يرجع الفضل إلى الزراعة في وجودها، حيث تمت عملية استئناس الحيوانات بفضل الزراعة وتوافر أعلاف الحيوانات.

وأيضًا توجد عدة صناعات قامت على الزراعة، مثل صناعة الخمور، فالنبيذ كان يصنع من العنب والبلح، والجعة "البيرة" كانت تصنع من الشعير والقمح.

وأسهمت الصناعة في تنمية العملية الزراعية، فقد ساعدت في صناعة أدوات للزراعة، مثل الفؤوس والمحاريث وغيرها من الأدوات الزراعية.

ما أقدم الصناعات في مصر القديمة؟

يمكننا أن تقول إن أقدم الصناعات التي وجدت في مصر القديمة هي الصناعات الحجرية، فقد عرفت تلك الصناعة من قبل أن تتشكل الحضارة المصرية التي نعرفها، وأبسط مثال على ذلك ذكر كلمة العصر الحجري.

كانت تلك الصناعات في البداية تقتصر على صناعة الأسلحة للصيد، مثل البلطة أو السكين أو المنشار، وفي نهاية ذلك العصر وخصوصًا العصر الحجري الحديث بدأت الصناعات الفخارية، وبعدها جاءت صناعات المعادن حينما اكتشف المصري معادن مثل النحاس والذهب والبرونز.

ما الصناعات التي كان الفراعنة يمارسونها؟

عرف المصري القديم عددًا من الصناعات التي جعلته يتفوق على نظائره من الحضارات الأخرى، مثل:

الصناعات الحجرية

كصناعة الأسلحة والأدوات الحادة وأعمال النحت.

الصناعات الفخارية

كان المصري يصنع الأوعية وقرب المياه، وكانت تتميز بنقوش بديعة، وتعد دليلًا على المدة الزمنية التي نقشت فيها.

صناعة الزجاج

وأتت عن طريق تحويل الرمال إلى زجاج بالحرارة.

صناعة المعادن

فقد عرف المصري استخراج المعادن وتشكيلها وصهرها وصناعة الأدوات والأسلحة منها.

المنسوجات

وكانت تعتمد بصفة أساسية على الكتان.

الصناعات الخشبية

تقوم على أخشاب الأشجار التي كانت تزرع مثل الجميز والنخيل والأشجار، التي كانوا يستوردونها من النوبة وفينيقيا وبلاد بونت.

صناعات نبات البردي

لم يكن استخدام البردي مقتصرًا على صناعة الأوراق وحسب، بل دخل في كثير من الصناعات مثل الأوراق والسلال والحصر والمراكب الخفيفة والمفروشات والحبال والنعال.

اقرأ أيضًا: أسرار التحنيط عند الفراعنة

ختامًا، لعلك الآن قد تعرفت، ولو بقدر يسير على السبب الذي يجعلنا نقول دائمًا تلك الجملة التي بدأنا بها "مصر بلد الحضارات"، ونرجو أن تكون استمتعت وأضفت ولو معلومة جديدة إلى محصلتك العلمية، نشكرك على المتابعة.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.